مستقبل الرياض وطهران في عالم يتحوّل شرقاً…!
محمد صادق الحسيني
لا أحد يستطيع القطع أو الجزم بنوع التحوّلات المدلهمّة التي تدفع القيادة السعودية هذه الأيام إلى استعجال كشف كلّ أوراقها المخبوءة منذ تأسيس الدولة السعودية الثالثة، في ثلاثينيات القرن الماضي سواء تلك الخاصة بإعلان الكيان الصهيوني صديقاً متاحاً او إعلان إيران عدواً محققاً ينبغي إسقاط نظامها ، كما ورد مؤخراً على لسان أمير بارز من أمرائها شغل يوماً مرتبة استخبارية رفيعة…!
هل هو خطر داعش الداهم الذي يقترب من بيت العائلة المالكة – كما ورد علناً على لسان مسؤول الاستخبارات الاميركية الأول مؤخراً – مما قد يهدّد ليس فقط أمن المملكة بل ويدفع بصراع الأجنحة إلى أوجه بسبب تباين الرأي تجاه التحوّلات الأميركية المتسارعة التي تشي بقرب حلول موسم الهجرة الى الشرق بعيداً عن غرب آسيا…؟!
أم هو اقتراب أنصار الله الحوثيين من اتخاذ قرار يُعَدّ من جملة الخيارات الاستراتيجية التي لطالما لوّح بها السيد عبد الملك الحوثي، ربما اجتياح الحدود والوصول الى خميس مشيط مثلاً، أو حتى أبعد من ذلك الانسياب ساحلاً باتجاه جدة، كما يتوقع متابعون سعوديون مقرّبون من بيت العائلة المالكة، مما قد يشكل تحوّلاً دراماتيكياً في سياق الحرب المفتوحة على اليمن…!
أو أنّ الراعي الأميركي لمثلث اتحاد الثكالى – تل أبيب أنقرة الرياض – أو مَن باتوا يُعرفون بـ أيتام أوباما ، إذا جاز التعبير، المتّجه شرقاً صار في ضيق شديد من كثرة تعثر الرياض وتردّدها في اللحاق بالمدرسة البراغماتية «الأوبامية في التعامل مع مستجدات الساحتين السورية والعراقية!؟
أياً تكن الأسباب، فالأوامر «الهمايونية» المستعجلة المرسلة للأمير «الحادّ المزاج»، على حدّ تعبير متابع مطلع على الملفات الملكية، للمشاركة في مهرجان استعراضي مهلهل في باريس مع بقايا أشباه معارضة إيرانية هم أقرب ما يكونون إلى نهج داعش ممّن عرف عنهم بأنهم بنادق للإيجار معروضة في سوق العبيد السياسي، هي التي دفعت بمسؤول الاستخبارات السعودي تركي الفيصل ليظهر على شاشات التلفزة ليعلن إشارة بدء انحدار العائلة السعودية الى المستنقع الذي سبقها إليه طاغية عراق الخيبات صدام حسين البائد…!
نقول هذا لأنّ ثمة أنباء وتقارير رائجة في صالونات السياسة العالمية تتحدّث عن اقتراب الإدارة الأميركية الحالية، كما التي ستحلّ محلها مع الاستحقاق الرئاسي المرتقب، أياً كان الفائز جمهورياً او ديمقراطياً، من اتخاذ قرار نهائي برفع الغطاء عن العائلة السعودية الحاكمة، بعد أن انتهى دورها الوظيفي كحليف استراتيجي، وتحول السعودية الى مجرد معبر استراتيجي جيوبوليتيكي، بغضّ النظر عن شكل النظام الحاكم وطبيعته…!
في هذه الأثناء، فإنّ الأتراك من جنس حزب العدالة والتنمية، أيّ حزب اردوغان يُظهرون قدراتهم التحوّلية أفضل من شركائهم السعوديين في الحرب المفتوحة ضدّ محور المقاومة، فهم ورغم اندفاعتهم الصارخة باتجاه إعلان مصالحة ممجوجة مع تل أبيب، غير مرضى عنها من جانب الرأي العام التركي والإسلامي، إلا أنهم ليسوا فقط أبقوا كلّ خطوط الاتصال بينهم وبين طهران سليمة، بل وبدأوا مؤخراً ينحون باتجاه إصلاح او ترميم صورتهم البشعة والمشوّهة مع سورية الأسد، من بوابة الإعلام مرات، ومرات من بوابة السياسة الدولية – كما حصل في سياق تطبيع العلاقة مع موسكو والاعتذار لبوتين – بل وأخيراً من خلال دق أجراس قصر الشعب السوري، وإنْ من بعيد عندما عبّر علي يلدريم رئيس وزراء انقرة الجديد وصهر أردوغان بأنه لا بدّ من تحسّن العلاقات التركية السورية قريباً باعتبار استقرار تلك العلاقة حاجة تركية… !
وهنا يظهر عادل الجبير غير محتمل هذه البراغماتية التركية، ما دفعه بالخروج عن كلّ اللياقات الديبلوماسية، مهدّداً قيادة أنقرة ببطش داعش الذي تبرّع بالقول إنه القادر على إسقاط الأسد، وبالتالي فإنه – حسب تقديره – قادر على تهديد أمن تركيا أيضاً.
وهكذا فعل بن سلمان المستشيط غضباً من حليفه أردوغان، عندما أوعز لصحيفة الشرق الأوسط اللندنية التي يملكها أبوه، بتصوير حكومة العدالة والتنمية بأنها انقلبت على المعارضة السورية وباعتها بثمن بخس…! .
تل ابيب التي تكثف تواصلها مع منظمات الإرهاب العاملة على الأرض السورية مؤخراً من خلال تدخلها الفاضح واستقبالاتها لرموز هذه العصابات المتوحشة هي الأخرى تشارك الرياض قلقها من استدارة أميركية مرتقبة تجاه دمشق قد تظهر أكثر وضوحاً بعد الاستحقاق الرئاسي، ما جعلها تدفع أكثر فأكثر نحو تسعير الصراعات الإقليمية ما أمكن، وبصورة أكثر وضوحاً الدفع باتجاه مواجهة سعودية إيرانية علنية لا مانع من أن تصل إلى مستوى الحرب المفتوحة…!
لكن اتحاد الثكالى الثلاثي هذا رغم تباينه في التكتيك، إلا أنه لا يجد أذاناً صاغية لدى دوائر الحكم الأميركي، ولا الأطلسي اللذين ينشغلان هذه الأيام في جهد مشترك لتطويق الروسي بشبكة دفاعات صاروخية تمتدّ من ليتوانيا إلى بولندا
وأخرى لمواجهة العملاق الاقتصادي الصيني من بوابة كوريا الجنوبية…!
تدافع الأطلسيين على بوابات الكرملين لمشاغلة الروس عند حدود أمنهم القومي المباشر، والهجرة القوية للأميركيين باتجاه أقصى الشرق لملاقاة ما يعتبرونه الخطر الأصفر شرقاً، يجعل من منطقتنا الغرب آسيوية او ما يسمّونه هم أيّ الأطلسيون والاميركيون بالشرق الاوسط، أقرب ما يكون إلى المنطقة الانتقالية العازلة التي تقرّر لها على ما يبدو أن تبقى مشتعلة على نار متوسطة الى حين اكتمال رسم صورة ما بعد استقرار نظام عالمي جديد يحاول الروس والأميركيون كلّ من طرفه ان يكون هو اللاعب الأساسي فيه ليقود مرحلة ما بعد سقوط معادلة المنتصرين في الحرب العالمية الثانية…!
إلى حين نضوج تسويات عالمية في هذا السياق او هذا الاتجاه، تبدو السعودية هي الخاسر الأكبر المباشر في هذا التحوّل الكبير، فيما تحاول تركيا التمسك بأذيال التحالف الدولي المحتمل لتقليل خسارتها، بينما تشعر إسرائيل بأنها قد تخرج في لحظة انفجار كبيرة خارج التاريخ والجغرافيا معاً…!
وحدها إيران وحلفاؤها في محور المقاومة هي التي تحاول مسك العصا من الوسط، لتكون مساهمة أساسية في رسم لوحة ما بعد النار، أياً كان شكل التحالف الدولي وتفاهماته، مطالبة بحصتها الواقعية في رسم لوحة سجادة ما بعد الحرب الكونية الحالية، وهي السياسة التي لطالما أطلقنا عليها مبكراً بديبلوماسية حياكة السجاد…!
الفرق بين الرياض وطهران كبير وكبير جداً في طريقة قراءة الماضي وفهم الحاضر واستشراف المستقبل، كما يقول متابع مطلع على مطبخ صناعة القرار في البلدين، ويضيف محاولاً توصيف ما يجري على مستوى الإدارة التنفيذية على الأقلّ، كما هو آتٍ، فيقول:
علينا جميعاً أن لا نطيل النظر في مرآة السيارة الأمامية، لأنّ ذلك وإنْ كان القليل منه ضرورياً إلا أنّ «التسمّر» أمام المرآة التي تظهر خلفية الطريق قد يجعلنا نفقد قدرتنا على النظر لما هو أمامنا سواء كان من أخطار أو فرص متاحة للحاق بفرص سباق جيدة، لكلّ سائق ماهر، على حدّ تعبير مصدر مطلع على مجريات الشدّ والجذب في رحلة الشتاء والصيف السعودية الإيرانية، وهو ما يفتقر إليه السائق السعودي، فيما أظهر السائق الإيراني إتقانه بامتياز…!
وهكذا سيصبح السعودي قريباً من الماضي حتى لدى أصدقائه، فيما الإيراني سيكون شريك المستقبل، رغم أنف خصومه وأعدائه…!