أوباما والكيماوي السوري: انتصار شخصي
عامر نعيم الياس
الواحد والعشرون من آب عام 2013، سيل جارف من المعلومات والتقارير اجتاحت الميديا الدولية الموجهة لخدمة الحرب على سورية وفيها «عشرات بل مئات من المدنيين قتلوا نتيجة استخدام النظام السوري لغاز السارين في غوطة دمشق»، تحقيق أجرته «لوموند» الفرنسية التي حصلت حسب روايتها على عيّنات من المواد المستخدمة، استنفار سياسي غربي من المحور الذي أراد منذ البدء غزو سورية، المحافظون الجدد، فرانسوا هولاند الرئيس الفرنسي الذي انتظر في أوائل شهر أيلول اتصالاً هاتفياً من الرئيس الأميركي باراك أوباما ليخبره بموعد شنّ الغارات الجوية على سورية، كونها تجاوزت «الخطوط الحمر للرئيس الأميركي»، لكن شيئاً لم يحدث.
أوباما حوّل قرار الحرب على سورية إلى الكونغرس وفي فجر الثامن والعشرين من أيلول عام 2013 أصدر مجلس الأمن الدولي قراراً دولياً يحمل الرقم 2118 يطالب سورية بتسليم ترسانتها من الأسلحة الكيماوية والتعاون مع المفتشين الدوليين في مهلة ستة أشهر. مدّدت المهلة وتمّ اللعب على وتر عرقلتها للدفع باتجاه التأخير واتهام الدولة السورية بذلك، لكن شيئاً لم يحدث. إنه توافق روسي ـ أميركي غلّف القرار الدولي الذي مضى تنفيذه بهدوء ومن دون ضجيج، فواشنطن لم تتحرك بوجه التأخير في تنفيذ القرار ولم تأخذ بالاً لادّعاءات مماطلة الدولة السورية في عملية التسليم، ولم تعلّق على رواية عدم تسليم سورية كافة المواد الكيماوية التي بحوزتها.
في أيلول 2013 كان أوباما يريد ضمان التراجع عن قرار الحرب أمام الرأي العام والنخب السياسية الضاغطة، جاء القرار وبعده كان يريد الانتهاء من العملية لكي ينسب انتصاراً لإدارته من دون الحاجة إلى التدخل العسكري المباشر على الأرض، يبدو أنّ للحالة السورية خصوصيتها، واشنطن أعلنت في بيان قبل يومين وعلى لسان أوباما أنه تمّ تدمير مخزون سورية من الأسلحة الكيماوية على متن سفينة أمريكية في المتوسط، وأضاف البيان «نحتفل بإنجاز مهمّ في سياق جهودنا المتواصلة لمكافحة انتشار أسلحة الدمار الشامل… إنه إنجاز كبير»، فلماذا أوباما شخصياً هو من يعلن عن هذا الأمر؟ ألم يكن بالإمكان أن يعلنه مسؤول أمريكي أدنى من مستوى الرئيس؟
الواضح أنّ أوباما يريد تصوير الأمر على أنه انتصار لإدارته وذلك بالتزامن مع قرار مجلس الأمن رقم 2170 حول تنظيمي «داعش» و»النصرة» والتدخل العسكري الأميركي في العراق، والذي يحاول البعض تجييره لصالح التدخل العسكري الأميركي في سورية، الأمر الذي لا يبدو أنّ الإدارة الأميركية بصدده في ضوء «سرطان داعش» الذي يجب اقتلاعه حسب الرئيس الأميركي أيضاً، لكن السؤال يبقى كيف يمكن اقتلاع هذا السرطان من دون التعاون مع الدولة السورية؟!
حتى اللحظة وكما ذكرنا سابقاً، فإنّ الإدارة الأميركية لم تتخذ قرار وقف حرب الاستنزاف على سورية، ولا يزال هناك شبه إجماع أمريكي حول عدم منح الدولة السورية أوراقاً مجانية في صراعها مع المجموعات المتطرفة على الأرض، فالإدارة تدرك أنّ أيّ تدخل في سورية ضدّ «داعش» و»النصرة» تحديداً لا يمكن له أن يصبّ سوى في مصلحة الدولة السورية سواء تمّ الاعتراف بدور لها في مكافحة الإرهاب واقتلاع «داعش»، أم بقيت المواقف على حالها، فكلّ الطرق بعد انفلاش الإرهاب ستؤدّي إلى دمشق.
الموقف السياسي العام للإدارة الأميركية اعتماداً على تجربة السلاح الكيميائي السوري يقودنا إلى الاستنتاجات الآتية:
حتى اللحظة ترفض الإدارة الأميركية دخول الحرب في سورية بشكل مباشر، وتحافظ على خصوصية معينة للحالة السورية تدمج بين حرب الاستنزاف على الأرض، والمناورات السياسية التي تخدم مصالح الدول الكبرى وتؤمّن المخارج لها في مواجهة الاستعصاء القائم في سورية.
إنّ إعلان أوباما شخصياً عن الانتهاء من تدمير السلاح الكيماوي السوري يوجّه بشكل ضمني رسائل إلى الرأي العام الأميركي والدولي وحتى لحلفاء واشنطن بنجاح تجربة التوافق مع روسيا أولاً، والتزام الدولة السورية بالقرارات الدولية ثانياً، وهو مؤشر إيجابي يجب أخذه بعين الاعتبار في ظلّ الحراك الدولي القائم حالياً، وإنْ كان خجولاً، لمحاربة تمدّد «داعش» في سورية والعراق.
حرب الاستنزاف التي تقودها واشنطن عبر حلفائها في المنطقة على الأرض السورية، لا تؤتي النتائج السياسية المرجوة، بل تصبّ بالمحصّلة العامة في خدمة الدولة السورية وتكريس مفهومها لما يجري في المنطقة وسورية، وفي هذا الإطار تقول افتتاحية لوموند الفرنسية تعليقاً على إعلان الرئيس الأميركي تدمير الترسانة الكيماوية السورية «إنها ضربة موفقة لنظام بشار الأسد، فخلال عام من صدور القرار 2118 تخلّص من ترسانة كيماوية عفا عليها الزمن، وتجنّب تدخلاً عسكرياً غربياً كان يمكن أن يكون قاتلاً له، فضلاً عن ترسيخ تفوقه في مواجهة التمرّد… إنّ الحلّ الوسط في عام 2013 بين موسكو وواشنطن لم يكن يهدف إلى حرمان النظام السوري من امتلاك سلاح كيماوي بقدر ما كان يهدف إلى منع المجموعات الجهادية من السيطرة عليها. وسيبقى هذا التوافق نموذجاً حاضراً عن التضليل والسخرية الدبلوماسية».
عام مضى بدأ بالتهديد بالحرب، وانتهى بإعلان الرئيس الأميركي عن انتصار شخصي له في الكيماوي السوري عبر السياسة، في الوقت الذي تلتقي فيه التسريبات الدبلوماسية وتقارير مراكز البحث حول التسليم ببقاء الأسد، فما شكل البيان القادم لباراك أوباما؟
كاتب سوري