تقرير

نشرت صحيفة «أرغومينتي إي فاكتي» الروسية مقالاً بقلم المحلل السياسي سيرغي ماركوف حول آفاق تطور العلاقات بين الصين والولايات المتحدة في المستقبل.

وجاء في المقال: أصدرت بكين يوم الأربعاء 13 تموز 2016 بياناً شديد اللهجة ضدّ واشنطن بسبب موقفها من مسألة بحر الصين الجنوبي، بعد إصدار محكمة التحكيم الدولية في اليوم نفسه قراراً، يحظر على الصين فرض سيادتها على المنطقة الواقعة في حدود ما يسمّى «خطّ النقاط التسع»، وبعد أن أكد الناطق الرسمي بِاسم الخارجية الأميركية جون كيربي، بعد صدور هذا القرار، أن رفض بكين الالتزام به سيكون انتهاكاً للقانون الدولي.

فقد نصح الناطق الرسمي بِاسم الخارجية الصينية لو كانغ أميركا بالتفكير جدّياً بالتصريحات التي تطلقها، وكذلك بأفعالها، وأيضاً بالتوقف عن طرح حلول غير شرعية، والتوقف عن التحريض على الحوادث في بحر الصين الجنوبي.

وهنا يجب أن نفهم أن هذه المحكمة نظرت في دعوى رفعتها الفيليبين شكلياً، وحركتها الولايات المتحدة عملياً، والتي أسّست ائتلافاً مضاد للصين في جنوب شرق آسيا، وتحاول عزل الصين قدر الإمكان. فالأميركيون يريدون إخضاع الصين والسيطرة على اقتصادها وعدم السماح لها بتحدّي الولايات المتحدة وهيمنتها.

وفي الواقع، فإن الصين على حق عندما تعلن أنه ليس من اختصاص هذه المحكمة النظر في قضايا ترسيم الحدود بين البلدان لأن مسألة ترسيم الحدود كانت دائماً موضع نقاش بين دولتين، وأحياناً بوساطة دولة ثالثة، ولكنه لم يكن يوماً من اختصاص محكمة التحكيم الدولية في لاهاي.

لذلك، فإن هذا النزاع هو نزاع مصطنع افتعلته الولايات المتحدة، التي تحرّض باقي الدول على تقاسم هذه المساحة، خصوصاً لما تتمتع به هذه الجزر من أهمية كبيرة بالنسبة إلى الصين، لأنها تسمح لها بالسيطرة على حقول النفط في هذه المنطقة. وأعتقد أنه لو لم تتدخل الولايات المتحدة لكانت الصين قد أنشأت اتحاداً مع باقي دول المنطقة من أجل استخراج هذه الموارد.

وبمعنى أوسع، نحن نرى مواجهة بين الصين ـ الدولة العظمى فتية، والولايات المتحدة ـ الوحش الإمبريالي العجوز، التي تسعى بكل السبل إلى المحافظة على هيمنتها ونفوذها في العالم. وبرأيي، فإن توتر العلاقات بين البلدين سيزداد في المستقبل، وستستمر الولايات المتحدة في تطويق الصين بقواعدها العسكرية وحلفائها، لمنع تشكيل ائتلاف معادٍ للولايات المتحدة بزعامة الصين. من جانبها، ستستمر الصين في تعزيز إمكانياتها الاقتصادية والعسكرية والبحث عن حلفاء مثل روسيا وحتى الهند التي تحاول مصالحتها.

كما يمكن القول إنه لا مفر من حصول مواجهات أكبر بين الصين والولايات المتحدة في المستقبل، لأن الصين بالنسبة إلى الولايات المتحدة عدوّ استراتيجي، وفي المقابل تَعدُّ الصين الولايات المتحدة عدوّها الاستراتيجي.

ويجب أن نعلم أن مستوى الاستقرار السياسي الداخلي للصين مرتفع جداً، وأن الاقتصاد الصيني مستمر في النمو، على رغم بطئه مقارنة بنموه سابقاً. وإضافة إلى ذلك، غيرت الصين استراتيجية تطورها التي كانت سابقاً مبنية على رخص الأيدي العاملة لإنتاج البضائع الرخيصة، حيث اصبحت حالياً تطور الإنتاج باستخدام التكنولوجيات العالية اعتماداً على تكنولوجيا الغرب. وتحوّلت الصين الآن إلى نموذج جديد للنمو الاقتصادي يعتمد على احتياجات السوق الداخلية بدلاً من طلبات الأسواق العالمية.

وإذا تحدثنا عن سياسة الصين الخارجية، فيمكن أن نقول إنها ضعيفة. لذلك على الصين العمل على تقويتها وجعلها أكثر فاعلية. ويعود سبب ذلك من وجهة نظري إلى ضعف المدرسة الدبلوماسية الصينية. وإضافة إلى هذا، لا خبرة تاريخية للصين في التعامل على قدم المساواة: كانت الصين إما قوة عظمى، أو واجهت عدوان دول أخرى كانت ترهقها كما في القرن التاسع عشر . وتحاول الصين حالياً تحسين علاقاتها مع الدول التي ليست صديقة للولايات المتحدة كافة، وتنوي انتهاج سياسة خارجية لا تعرقل نموها الاقتصادي.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى