مختصر مفيد

مختصر مفيد

تدور دواليب الصراع في المنطقة حول معادلة صارت واضحة و متبلورة، من بوابة الحرب على سورية التي خاضتها وتورّطت فيها عشرات الدول بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، وكانت فرنسا وتركيا وقطر والسعودية أدواتها الأشدّ نشاطاً. وحيث كان لا بدّ من العمل لاستنزاف قدرات الدولة السورية وجيشها وشعبها وأجهزة أمنها ومواردها المالية والاقتصادية، وقدرة حلفائها على الصبر والوقوف معها، والثبات على تمسّكهم بدعمها. وأمام دولة بقوة الدولة السورية وتماسكها ةتماسك حلفائها، كان المطلوب أمام ما يدركه وما اختبره أركان حلف الحرب على سورية، من هشاشة بنى المعارضة التقليدية من جهة، وفشل الأساليب الإعلامية والأمنية التي فعلت فعلها في بلاد عربية أخرى من جهة ثانية، وكلفة التدخّل العسكري المباشر الذي اعتُمد في ليبيا من جهة ثالثة، من اللجوء إلى البديل الخطر القادر على الصمود وقيادة حرب الاستنزاف المنشودة وهو تنظيم القاعدة.

التحالف مع تنظيم القاعدة ومكوّناته ومفرداته كان قراراً متّخذاً بكامل الوعي، ولم يكن حضور القاعدة ثمرة ونتيجة لصدام طال أمده عرفت القاعدة أن تستثمره وتستغل التناقضات التي ولدها، وتنتج حضورها على تناقضات عدائية بين فريقين من الأقوياء كما يحلو للبعض الحديث.

التحالف مع تنظيم القاعدة تمّ بوعي كامل وبقرار، لاستنزاف سورية، لأن القاعدة بمفرداتها المتعدّدة، هي الأقدر على تحمّل بذل الدماء، إذ لا تتحمّل الجيوش والتنظيمات التي يشغلها الغرب والحكومات المتورّطة معه في الحرب على سورية.

التحالف مع القاعدة وفكرها المتطرّف المؤسّس على المدرسة التكفيرية، ينطلق من كون التعبئة على الدولة السورية لم تملك أيّ قدرة على إنتاج عناوين جاذبة تعبوياً في السياسة. فصار التكفير والتحريض المذهبي اللذين تجيد القاعدة الذهاب فيهما إلى النهاية، السلعة الوحيدة القابلة للتداول في سوق التعبئة ضد الدولة السورية.

التحالف مع القاعدة جرى بوعي كامل، وبخطة، ووُظّفت له موارد مالية وسفارات وعُقدت لأجله صفقات في السجون، ونُقل لتنفيذه مئات المنضوين تحت لواء القاعدة عبر بلاد وبلاد، وجرى تجميعهم على الحدود في كل من تركيا والأردن ولبنان، وتولّت إيواءهم وتنظيمهم أجهزة استخبارات محترفة، ووُضعت في خدمتهم الأسلحة وخطوط الإمداد والملاذات اللوجستية اللازمة، وكل دعم كان يحكى عن تقديمه إلى معارضة سورية مسلحة، كان يدرك أصحابه أنه يذهب إلى القاعدة. ولذلك كان الإحجام الغربي عن تسليم أنوع محدّدة من السلاح والتقنيات لكلّ مسميات المعارضة السورية.

فشلت الحرب وفشلت الخطة، وبقيت سورية واقفة على قدميها، واستردّت زمام المبادرة في الحرب، وبقي حلفاؤها مخلصين وأوفياء يقيمون الحسابات الصحيحة، ويرون سقوطها بدايةً لخطر كبير على الاستقرار في العالم، وتسليماً لجغرافيا خطرة لقوى الإرهاب بدواعي الحقد والكيد واللاسياسة.

النتيجة الوحيدة للتحالف مع القاعدة كانت، أنّ القاعدة ربحت، فنمت وكبرت وتموّلت وتنظّمت، واستقدمت قواها من أنحاء الدنيا، كما حدث في أفغانستان قبل عقود، وصارت تتوسّع. ووقع جزء من سورية والعراق في قبضتها، وأعلنت دولة الخلافة، وتحوّلت من أداة تحت السيطرة، إلى لاعب له حساباته ومشروع وخططه.

اليوم، الكلّ مذعور من حضور القاعدة وخططها، والكل مرّة أخرى يلفّ ويدور ويتحدّث عن خطط ومشاريع لمحاربة الإرهاب ومحاصرة نموّ القاعدة. ويتحدّث عن قرارات دولية وحصار ماليّ وأمنيّ وضربات عسكرية. والسؤال ببساطة هو: إذا كانت هزيمة الدولة السورية مستحيلة بالتحالف الذي قام بين أميركا وحلف حربها مع القاعدة، فهل يستطيع هذا الحلف أن ينتصر على سورية من دون القاعدة؟

إذا كان الانتصار على سورية مستحيلاً من دون القاعدة، بدليل أنه مستحيل بالتحالف معها، وإذا كانت القاعدة عدو مشترك لسورية وللمتحالفين للحرب عليها، وإذا كانت الأولوية اليوم هي للحرب على الإرهاب كما يتحدّث أعداء سورية، الذين بُحَّ صوتها وهي تُسمعهم صراخها بأن الإرهاب سيأكل الأخضر واليابس، وأنّهم سيندمون ويكتشفون أنهم يتجرّعون الكأس المرّة التي حاولوا أن يسقوا سورية منها. وإذا كانت سورية منطقياً قادرة على الصمود بحربها على القاعدة بينما القاعدة تشتبك مع كل هذا الحلف، الذي شغّل القاعدة سابقاً، طالما نجحت بالصمود وهي تشتبك مع القاعدة وهذا الحلف نفسه يشارك القاعدة الحرب، فهل يستطيع حلف الحرب على سورية هزيمة القاعدة من دون سورية؟

رهانات حلف واشنطن ومن معها على جيشها جرى اختبارها في الفلوجة سابقاً بالجيش الأميركي وفشلت. والرهان على الجيوش الإقليمية لم يكن أفضل حالاً، سواء بالجيش العراقي الذي بناه بول بريمير بعد غزو العراق وانهار في ساعات أمام «داعش»، أو الجيش السعودي الذي لم يستطع الصمود في وجه قتال مشابه مع الحوثيين على الحدود اليمنية ـ السعودية. وأخيراً البشمركة الكردية التي انهارت وتركت أربيل والمصالح الأميركية الأمنية والاقتصادية في مهبّ الريح، عندما هاجم «داعش». ولولا السداد الناري الأميركي العاجل من الجوّ لاحتاج تبخُّر ما بني خلال سنوات في أربيل، ساعات قليلة.

ليس هناك إلا الجيش السوري وحزب الله كقوى قادرة ومختبرة، وتملك الروح المعنوية اللازمة للفوز بهذه الحرب. ومهما استمر اللفّ والدوران، ثمّة حقيقة بالمختصر المفيد، هي أنه لا خلاص من هذا الوحش الذي يجتاح المنطقة، والذي يلعب الزمن لمصلحته، فكلما مرّ تجذر وصار أقوى، إلا إذا أُقرّ بقيادة سورية وحزب الله الحرب على الإرهاب، وجرى التعامل معهما بما يتناسب مع الإقرار بهذه المكانة، وقدسية هذه المهمة، وتسديد الفواتير المتوجبة من الاعتراف والاعتذار.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى