بان كي مون بات يملك قراراً هنيئاً لغزّة وأطفالها!
سعد الله الخليل
من المفارقات المثيرة للدهشة أن يتزامن تبني مجلس الأمن القرار 2171 حول تجنّب النزاعات والقاضي بمنح الأمين العام للأمم المتحدة مزيداً من السلطات لاحتواء التوترات قبل تفاقمها، مع إعلان المنظمة العالمية لأن منظمة الأمم المتحدة للطفولة «اليونيسيف» أفادت بأنّ العدوان «الإسرائيلي» على قطاع غزة أسفر عن مقتل 469 طفلاً وإصابة 3 آلاف، وهو ما كشفته رئيسة مكتب اليونيسيف في غزة بيرنيلا ايرونسايد في مؤتمر صحافي في مقر الأمم المتحدة في نيويورك الخميس الماضي، بالتزامن مع إصدار قرار مجلس، وعلى رغم أنّ ما يجري في القطاع تجاوز بمراحل حالة النزاع، إلا أنّ بيرنيلا ايرونسايد أصرّت على وصفه بالنزاع المسلح، ولو سلمنا جدلاً بتوصيف «اليونسيف» فنحن أمام أول اختبار جدّي لفخامة الأمين العام للأمم المتحدة ليمارس دورة في «نزاع» بحسب توصيف الأمم المتحدة والقرار. فما هو عساه فاعل؟ وأيّ دور سيتخذه بان الأمم المتحدة الجبار؟ وكيف سيستخدم أدوات منظومة الأمم المتحدة للتأكيد على إشارات التحذير المبكرة عن الصراعات المحتملة واتخاذ إجراءات وقائية ملموسة إضافة إلى تعزيز فعالية الأمم المتحدة في منع وإنهاء الصراعات المسلحة وتصعيداتها وانتشارها عند حدوثها وتجددها مرة أخرى بعد انتهائها كما ينص القرار؟
وهل من ضرورات أخلاقية وسياسية وإنسانية ملحة أكثر من تدمير 17 ألف منزل، و22 مدرسة وإلحاق أضرار بما يقارب 219 مدرسة تتطلب إعادة إعمارها 18 عاماً بحسب تقرير «اليونسيف»، كي يتحرك ويمارس صلاحياته.
خلال سبعة وأربعين يوماً من العدوان الإسرائيلي على غزة لم يرتفع سقف بان عن طلب وقف إطلاق النار أو الهدنة الإنسانية، ربما لم يكن يعلم أنه يحق له التدخل، ولعلّ القرار منحه قوة وحصانة لقول كلمته والتدخل المباشر وبدلاً من التواصل مع ما يسمّيه قرار مجلس الأمن أطراف النزاع، أو بالأصح الجلاد والضحية، فإذا بالأمين العام يتصل بوزير الخارجية المصري سامح شكري ليثمّن جهود مصر لتثبيت التهدئة بينهما، والعودة إلى المفاوضات غير المباشرة، فهل هذا جلّ ما يمكن أن يقوم به الأمين العام؟ وما الذي تغيّر بعد القرار الدولي؟
يدرك الأمين العام أنّ جلّ ما يستطيع القيام به هو التعبير عن قلقه البالغ والدعوة للتهدئة وتثمين الجهود، وهو ما اعتاد عليه المتابعون، وما عدا ذلك لا تتعدّى زياراته المكوكية إلى المنطقة الزيارات البروتوكولية والتي لا تسمن ولا تغني من جوع ولا توقف عدواناً ولا إطلاق نار، بل تذرّ الرماد في العيون.
يعلم الأمين العام للأمم المتحدة أنّ ما يقارب 40 قراراً صادراً عن مجلس الأمن تدين الإرهاب الصهيوني منذ عام 1948 وحتى اليوم، ولم تفلح هذه القرارات في ملاحقة مسؤول صهيوني واحد أو حتى السير في محاكمة أو إعدام جندي فبأيّ قوة يسلحه القرار 2171 بعيداً عن الكلمات.
بعيداً عن التمنيات التي تدور في كواليس المداولات لفرض قرار من المجلس يتضمّن إعادة سيطرة السلطة الفلسطينية على القطاع، وإعادة إعماره بإشراف دولي يمنع وصول مواد البناء إلى حركة حماس، واستئناف المفاوضات بين السلطة الفلسطينية والعدو على قاعدة حدود عام 1967»، وبحسب مشروع القرار سيدين «كافة العمليات العدائية ضدّ المدنيين». وبعيداً عن الخوض في القرار وإمكانية خروجه إلى العلن وتطبيقه هل سيتمكّن الأمين العام للأمم المتحدة من ممارسة أيّ دور بمنع العدوان عن الشعب الفلسطيني من باب التحذير المبكر بموجب القرار 2171… بالطبع لن يفلح.
يعلم القاصي والداني أنّ الأمين العام للأمم المتحدة منذ توليه مهمته مطلع عام 2007 حدّد سقف طموحاته بتعزيز التنمية المستدامة وتمكين المرأة ودعم البلدان التي تواجه الأزمات أو عدم الاستقرار وتوليد زخم جديد في ما يتعلق بنزع السلاح وتحديد الأسلحة وعدم الانتشار. وبما أنه لم يفلح في تحقيق أيّ تقدم بأي منها، فمن المؤكد أن القرار لن يقدّم أيّ جديد في مسيرة إنجازات مدمن القلق الأممي بان كي مون فهنيئاً لبان بالقرار، ولأطفال غزة الذين أصبح لهم قرار… فيما مقاومتهم تكتب لهم تاريخ نصر في زمن لا يعترف إلا بالقوة التي تفرض المعادلات وتغيّر الموازين والاستراتيجيات.