التفاهم الروسي الأميركي يرسم الشهور المقبلة ويحتوي التغيير التركي إقليمياً الموازنة تحدّد مصير الحكومة… وآب يحسم مستقبل الرئاسة وقانون الانتخاب
كتب المحرّر السياسي
بعدما غيّب الحدث التركي العاصف طبيعة ومضمون الاتفاق الروسي الأميركي الذي تمّ في موسكو بحصيلة زيارة ليومين قام بها وزير الخارجية الأميركي جون كيري إلى موسكو، والتقى خلالها بالرئيس الروسي فلايديمر بوتين وبنظيره سيرغي لافروف، عاد التفاهم إلى الواجهة مع تكشف تفاصيل نوعية تضمّنها هذا التفاهم، واستدعى إعلان الوزير كيري عن عدم الإفصاح عما تمّ التفاهم حوله مكتفياً بالقول إنها نقاط تتيح وضع آلية لحلّ سياسي. وقال الوزير لافروف إنّ الاتفاق يضمن شروطاً تحتاجها الحرب على الإرهاب ويفرضها السعي للحلّ السياسي في سورية، وقالت مصادر إعلامية روسية لـ»البناء» إنّ التفاهم يضمن توافقاً على إحياء مسارَي الهدنة وجنيف حصراً أمام القوى التي تبدي استعداداً للانخراط في الحرب على الإرهاب وتراه الأولوية الراهنة التي تتقدّم على كلّ الخصومات والخلافات والأهداف الخاصة، وأنّ هذا يعني تخيير جماعة الرياض التي تمثل المعارضة في مفاوضات جنيف بين صرف النظر عن مساعي الحلّ السياسي، أو تغيير وجهتها من اعتبار الأولوية لمعركتها مع الدولة السورية ورئيسها وجيشها، لتصير المعركة مع النصرة وداعش هي الأولوية كشرط لدخول جنيف مجدداً، وأنّ تكتم واشنطن على التفاهم ناجم عن رغبتها بالحصول على وقت كافٍ لفكّ وتركيب جماعات المعارضة والوصول لمشروع وفد تفاوضي يشترك في اجتماعات جنيف المقبلة أول الشهر المقبل، وفقاً لهذه الرؤية، بعد الدخول في محادثات أميركية سعودية وأخرى أميركية تركية، وقالت المصادر إنّ ما حمله الانقلاب الفاشل في تركيا لم يغيّر شيئاً في قوة اندفاع هذا التفاهم الروسي الأميركي بل عزّز فرصه في النجاح، بانشغال أنقرة بهمومها الداخلية من جهة، وحاجتها للحصول على حدّ أدنى من التوترات مع واشنطن وموسكو تحت تأثير الإجراءات الانتقامية التي تتخذها جماعة الحزب الحاكم ضدّ خصومها، بذريعة ملاحقة الانقلابيين، وقالت المصادر الإعلامية الروسية إنّ باريس التي عبّرت عن توجه انفتاحي نحو موسكو ودمشق التقطت جوهر التفاهم الروسي الأميركي وبنت عليه سياسات ستظهر مع الأيام القريبة المقبلة.
في سورية يستمرّ الجيش السوري والحلفاء بتحقيق المزيد من التقدم في جبهات داريا وغوطة دمشق وريف اللاذقية، ومحيط الليرمون والكاستلو في حلب، بينما تبدو جبهة النصرة في حال ارتباك تحت تأثير ما جرى في تركيا ومعها الجماعات المسلحة الأخرى التي بدأ بعضها بالتواصل مع المراجع الأمنية السورية طلباً لتسويات موضعية خشية تفاقم الوضع جراء إحكام الحصار الذي فرضه الجيش السوري وحلفاؤه على الأحياء التي يسيطر عليها المسلحون في شرق حلب.
لبنانياً، الهمّ الأول صار إقرار موازنة جديدة، والحكومة تعيش تحت وطأة أنّ الفشل يعني نهاية لا تُحسد عليها، بينما يجمع الوسط السياسي والإعلامي على النظر إلى الشهر المقبل كمحطة فاصلة بين إنجاز الاستحقاق الرئاسي أو ترحيله لما بعد انتخاب مجلس نيابي جديد في حزيران المقبل، وكذلك للحسم بين القدرة على التوافق على قانون انتخاب جديد، أو إجراء الانتخابات المقبلة، وفقاً لقانون الستين. وهذا ما جعل النائب وليد جنبلاط يحطّ في بكركي طالباً المساعدة لتدوير الزوايا حول الأمرين اللذين تشكل عقدتهما شأناً مسيحياً مسيحياً بدرجة كبيرة.
اتفاق على إقرار الموازنة
يسيطر الجمود على الملفات الداخلية من رئاسة الجمهورية إلى قانون الانتخاب، مروراً بملف النفط والغاز، بينما تقدّم الملف المالي والاقتصادي لا سيما تقرير وزير المال علي حسن خليل الذي كان محور اجتماع مجلس الوزراء أمس، في جلسته التي خُصّصت لدراسة الوضع المالي، وقرّر المجلس بعد المناقشة الأخذ باقتراح وجوب إقرار الموازنة العامة للعام 2017 وفقاً للأصول وخلال المهل الدستورية، ومتابعة البحث في الجلسات اللاحقة بسائر المقترحات الآيلة الى معالجة الوضع الاقتصادي والمالي، بينما غابت الملفات والعناوين السياسية الساخنة عن التداول.
درباس لـ «البناء»: الحكومة ستقرّ الموازنة إن عجز البرلمان
وقال وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس لـ «البناء» إن «جميع الأطراف شعرت بالإحراج من بقاء الدولة من دون موازنة طيلة 10 سنوات وبات أمراً لا يمكن السكوت عنه». وأضاف: «منذ عامين ونحن نتفرج على مناكفات مجلس الوزراء وتبادل الاتهامات بالتعطيل ونرضخ لخصومات ومصالحات مكوّناته، بينما لم تقرّ الموازنة وهي التي تعتبر خزان إنفاق الدولة وتمويل المشاريع ورواتب الموظفين». وشدد درباس على أن «أكثر من وزير في الحكومة سيعلقون مشاركتهم في جلسات مجلس الوزراء إذا لم تُقرّ الموازنة»، لافتاً إلى أن مجلس الوزراء اتفق على البدء بإعداد مشروع الموازنة لإقراره وإرساله إلى المجلس النيابي، وإذا لم يتمكّن البرلمان من إقراره بسبب الخلاف السياسي على عقد الجلسات، فحينها يحقّ لمجلس الوزراء أن يُقرّ مشروع الموازنة بمرسوم، كما يقول الدستور الذي وضع جزاءات على مجلس النواب إذا لم يُقرّ الموازنة منها حل المجلس، وإذا لم تقره الحكومة فالأفضل أن تستقيل».
الموازنة دون قطع حساب الـ2015؟
ورجحت مصادر وزارية لـ «البناء» أن يتجه مجلس الوزراء إلى تأجيل قطع حساب موازنة 2015 إلى ما بعد إقرار موازنة الـ2017 وذلك تسهيلاً لإقرار موازنة الـ2017، مقترحة تكليف لجنة تدقيق بكيفية صرف مبلغ 11 مليار دولار من خارج الموازنة وبعدها يتقرّر تشريع الـ11 ملياراً وضمّه الى قطع حساب الـ2015 أم اعتباره صرفاً من خارج الموازنة، مضيفة: «مبلغ 11 ملياراً صرف في مرحلة إغلاق المجلس النيابي ومقابلها صرف 14 مليار دولار في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي من دون تشريع في المجلس النيابي».
باسيل اشترط و«المستقبل» لم يمانع
وعلمت «البناء» أن «وزراء تيار المستقبل لم يمانعوا إقرار الموازنة ولم يسألوا عن تسوية الـ 11 مليار دولار التي صرفت في حكومة الرئيس فؤاد السنيورة وأعلن وزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية دعم التيار لإقرار مشروع الموازنة، بينما اشترط وزير الخارجية جبران باسيل الاتفاق السياسي لإقرار الموازنة وقال إن هذا ممكن تحقيقه». أما رئيس الحكومة تمام سلام فقال «إنه إذا أقرت الموازنة فنكون قد حققنا إنجازاً عظيماً، وأما إذا لم نقرها فنكون قد أضفنا إلى فشلنا فشلاً جديداً».
تراجع منسوب التفاؤل النفطي
على صعيد ملف النفط والغاز، يبدو أن منسوب التفاؤل النفطي وإمكان إقرار المراسيم في مجلس الوزراء قد تراجع لأسباب بقيت طي الكتمان حتى الساعة، بعد أن قذفت الأطراف كرة النفط إلى ملعب الرئيس سلام الذي لم يدعُ اللجنة الوزارية المختصة بالملف للانعقاد حتى الآن لدراسة الملف وعرضه على مجلس الوزراء لإقرار المرسومين.
سلام لا يعمل عند أحد…
ورفضت مصادر رئيس الحكومة الإجابة عن سبب التأخير بدعوة اللجنة المختصة وعن تحديد جلسة لمجلس الوزراء مخصصة لمناقشة هذا الملف، مكتفية بالقول لـ «البناء» «إن الرئيس سلام مع إقرار مراسيم النفط اليوم قبل الغد، لكنها تساءلت: لماذا تأخر اتفاق الأطراف المعنية في هذا الملف حول البدء باستثمار النفط؟ مضيفة: «سلام لا يعمل عند أحد»، مؤكدة أن «الموضوع تقني أكثر منه سياسي، والتفاهم موجود على استثمار الثروات النفطية والغازية، لكن سلام ليس المسؤول عن أي تأخير».
جنبلاط في بكركي
سياسياً، برزت زيارة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي إلى بكركي ولقائه البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، وتمنى جنبلاط «بأن نستطيع كلبنانيين أن ننتخب رئيساً»، مضيفاً «حتى هذه اللحظة نقوم بما نستطيع، حيث هناك دعوة من قبل الرئيس بري في 2 آب المقبل الى طاولة حوار، وربما، لست أدري». وعما إذا كان تمّ التداول باسم خامس للرئاسة من خارج الأقطاب الأربعة، أوضح جنبلاط «لست هنا لأطرح أسماء، قلت وكنت واضحاً أن التسوية من أجل انتخاب رئيس أهم من الأسماء».
الرئاسة تنتظر خلوة آب…
وقالت مصادر مقربة من بكركي لـ «البناء» إن «البحث بين الراعي وجنبلاط دار حول ملف الرئاسة وإمكان البحث عن رئيس من خارج الأقطاب الأربعة وانتظار أن تعمل خلوة آب على تخريجة ما وإلا البلد يتجه إلى الانهيار على المستويات كافة». ونفت المصادر أن «يكون جنبلاط قد طرح أمام الراعي انتخاب عون»، مؤكدة أن البطريرك «لا يزال عند رأيه بأنه يريد رئيساً بمعزل عن الاسم».
وأوضحت المصادر أن «إمكان نجاح أي اتفاق بين رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون والرئيس سعد الحريري على الرئاستين الأولى والثالثة ستظهر خلال شهر آب المقبل وإن فشلت فلن تنجح مجدداً». وأشارت إلى أن «حزب الله لا يسير بالحريري رئيساً للحكومة ما يشكل عقبة أمام اتفاق عون والحريري، كما أن أغلب تيار المستقبل يعارض انتخاب عون»، موضحة بأن الحل بانتخاب رئيس من خارج الأقطاب الأربعة لا يشكل خوفاً وقلقاً لأي من الأطراف».
جلسة للاتصالات اليوم
على صعيد آخر، تعقد لجنة الإعلام والاتصالات النيابية جلسة قبل ظهر اليوم في المجلس النيابي بعد توقفها طيلة ثلاثة أسابيع، لاستكمال البحث في ملف الإنترنت غير الشرعي، وما بلغَته التحقيقات القضائية في هذا الملف. وقالت مصادر في اللجنة لـ «البناء» إن «اللجنة ستستمع اليوم الى آخر التحقيقات التي توصلت إليها الأجهزة القضائية والمعلومات والمعطيات التي توفرت لدى الأجهزة الأمنية المعنية بعد أسابيع من التحقيق على أن يلتزم القضاء بوعده بأن يتابع عمله في الملف في العطلة القضائية».
ونقلت المصادر عن رئيس المجلس النيابي نبيه بري أنه طلب من رئيس اللجنة النائب حسن فضل الله والأعضاء المثابرة ومتابعة الملف حتى النهاية وعدم الرضوخ لأي ضغوط أو محاولات للفلفته»، مؤكدة أن «اللجنة ستستمر بحسب توصيات بري والموضوع لن يُقفل وإن غاب هذه الفترة عن الواجهة الإعلامية».
واضافت اللجنة: «طرحت اللجنة أسئلة عديدة في الجلسة الماضية وتنتظر في جلسة اليوم سماع الأجوبة من المسؤولين المعنيين الذين من المفترض أن يكونوا قد توصلوا إلى أسماء جديدة عن أصحاب أبراج الإنترنت غير الشرعي ومن يقف وراءهم والمتواطئين معهم».
وعلمت «البناء» من مصادر متابعة للملف أن «علاقة المدير العام لهيئة أوجيرو عبد المنعم يوسف باتت مع القضاء، وبالتالي الموضوع خرج من مسؤولية اللجنة التي ستبقي تركيزها على الإنترنت غير الشرعي وليس على الغوغل كاش». كما علمت أن اللجنة ستسأل وزير الاتصالات بطرس حرب عن حقيقة الاتهامات التي وجهت إليه في الإعلام لا سيما الفرق الكبير في العائدات المالية لوزارة الاتصالات بين عام وآخر.
.. وحوار ثنائي مساءً
كما تعقد مساءً جولة حوار جديدة بين تيار «المستقبل» و«حزب الله» ستبحث في جدول أعمالها العادي لا سيما قانون الانتخاب وستتطرق الى آخر المستجدات على الساحة الداخلية.