الخلاف النفطي بين بغداد وأربيل: عام 2014 سيكون عام الحسم
يشهد العراق راهناً تصعيداَ شديداَ نتجت منه أزمة ثقة حادة بين حكومة بغداد وأربيل عاصمة كردستان، حول حقوق النفط والأراضي والحكم الذاتي، وهو الخلاف الذي يثير التوترات في الاتحاد الفيدرالي العراقي الهش.
فبعد أكثر من عام على انسحاب الاحتلال الأميركي من العراق لا يزال النزاع في شأن عقود النفط جزءاً من خلاف سياسي عميق الجذور بين الجانبين، إذ تتفاقم هذه التوترات يوماً بعد يوم كلما وقعت كردستان اتفاقات تنقيب مع شركات نفطية كبرى مثل إكسون موبيل وشيفرون، وعقود تصدير مع الدولة التركية، وهو ما تعتبره الحكومة المركزية غير قانونية، وتصرّ على أنها وحدها صاحبة الحق في تصدير الخام العراقي، الأمر الذي دفعها إلى تحذير هذه الشركات من أن اتفاقياتها النفطية مع الحكومة الاتحادية ربما تكون في خطر.
وتعد العقود النفطية التي أبرمها الإقليم مع شركات النفط العالمية أحدث مظاهر النزاع وإحدى نقاط الخلاف الرئيسية بين بغداد واربيل، إذ تشكل صادرات النفط الكردية جزءاً ليس بسيطاً من إجمالي الصادرات، وعليه فإن صراع الإرادات العراقية حول الذهب الأسود يضع الشعب العراقي بكل شرائحه في مأزق الأزمات المستدامة.
اللحظة المثالية لاكسون
لكن نفوذ اكسون وضع وزارة النفط في مأزق ويقول مسؤولون في أحاديث خاصة إن من المستبعد اتخاذ أي تحرك ضد الشركة في المستقبل القريب. ولأن الشركات الكبرى الأخرى ليس لديها الكثير لتخسره مع بغداد ربما تفلت هي الأخرى في كردستان من العقاب، وتدير اكسون حقل غرب القرنة-1 في جنوب العراق والذي يقدر احتياطه بنحو 8.7 مليار برميل والذي ينتج 406 آلاف البراميل يومياً، وتحصل على مبالغ ضخمة من عائدات النفط التي تخص الحكومة المركزية، وذكر مسؤول نفطي كبير شارك في صياغة عقد غرب القرنة «يجب أن نفكر أكثر من مرة قبل طرد اكسون من غرب القرنة فهي تدير حقلاً ينتج إنتاجاً ضخماً»، وكان مديرو اكسون يدركون قبل اجتماع تموز مع الشهرستاني أنهم أغضبوا حكومة بغداد بالفعل لكن محللين يقولون إنها عملية مدروسة، إذ إنهم يألبون المصالح المتعارضة في بغداد ضد بعضها بعضاً، وكانت اكسون أول شركة تستعرض عضلاتها وتتحدى سلطة بغداد بتوقيع اتفاقيات مع الحكومة الإقليمية في كردستان في تشرين الأول العام الماضي للتنقيب عن النفط في ست مناطق امتياز، ووقع العراق الذي يسعى جاهدا لإعادة بناء بنيته التحتية المتداعية سلسلة من العقود مع شركات أجنبية تهدف إلى الوصول بطاقة الإنتاج الكلية إلى 12 مليون برميل يومياً بحلول 2017 ارتفاعاً من نحو ثلاثة ملايين برميل حالياً. ويرى كثير من المحللين أن رقم ستة إلى سبعة ملايين برميل يومياً أكثر واقعية.
ويرى بعض المحللين أن شركة أكسون تستغل الوضع السياسي عن عمد، وقال حمزة الجواهري محلل النفط المقيم في بغداد «اختارت اكسون اللحظة المثالية كي تقفز في كردستان وتستفيد من النزاع على كل شيء بين أربيل وبغداد، وليس هناك قانون ملزم ينظم شؤون النفط في الدولة العضو في أوبك بعد أكثر من عشر سنوات على الإطاحة بالرئيس الراحل صدام حسين. وتأجلت الموافقة النهائية على مسودة القانون التي ترجع لعام 2007 بسبب الصراعات السياسية وهو ما استفادت منه أيضاً اكسون وشركات أخرى وقال علي شلال الخبير القانوني العراقي المتخصص في صياغة عقود النفط «غياب قانون للنفط ساعد في فتح طريق ضيق لشركات النفط إلى كردستان. لديهم رؤية تمكنهم من أن يدركوا أن أي اتفاق نهائي سيعود عليهم بالنفع في نهاية المطاف.»
الشركات تحتاج الاستقرار
وتتمتع كردستان بقدر أكبر من الاستقرار والأمن مقارنة بباقي أنحاء العراق واجتذبت مواردها المحتملة شركات نفط صغيرة بالفعل مثل دي.ان.أو النرويجية وجلف كيستون. لكن نزاعاتها مع بغداد أبعدت الشركات الكبرى حتى الآن، وتعتبر بعض الشركات الأجنبية صفقات اقتسام الإنتاج في كردستان أفضل كثيراً من عقود الرسوم مقابل الخدمات التي أبرمتها مع بغداد. وتسعى بعض الشركات بالفعل إلى إعادة التفاوض على هذه العقود، يقول صامويل سيسزوك مستشار النفط لدى «كيه بي سي» لاقتصادات الطاقة ومقرها بريطانيا «سيكون لهم نفوذ أكبر في الأغلب عما كان لديهم عند تنظيم المزادات في البداية، ولا يمكن بعد القول ما إذا كانت كردستان ستستغل الصفقات في محاولة الحصول على قدر أكبر من الاستقلال. لكنها ترغب بالفعل في مد خطوط أنابيب نفط خاصة بها إلى ميناء جيهان التركي بحلول 2014 بهدف خفض اعتمادها على بغداد في مجال الطاقة.
وبحسب المدير التنفيذي لشركة جينيل أكبر منتج للنفط في كردستان العراق فإن الحكومة العراقية وإقليم كردستان يعرضان الكثير من مصالحهما للخطر بعدم تسوية نزاعهما في شأن النفط على رغم أن حلها قد يستغرق عاماً أو نحو ذلك، وذكر توني هايوارد وهو رئيس سابق لشركة «بي بي» النفطية العملاقة في مقابلة «هناك فرصة كبيرة أمام كردستان والعراق للتوصل إلى حل، خلال العام أو العامين المقبلين ستنمو طاقة الإنتاج في كردستان إلى مليون برميل يومياً هذه كمية من النفط أكبر وأهم من أن يتعطل إنتاجها نتيجة نزاع سياسي. لذا بطريقة أو بأخرى سيتم حله.»
وقال هايوراد في مقابلة عبر الهاتف «نريد التصدير ونؤمن بشدة أنه خلال العام المقبل أو نحو ذلك إن لم يكن قبل ذلك سيتم التوصل إلى حل»، واشتكت جينيل المدرجة في بورصة لندن والتي كانت أول شركة أجنبية تعمل في كردستان من أنها لم تحصل على مستحقاتها عن معظم كميات النفط التي صدرتها عام 2009 و2011. واشتكت شركات أجنبية أخرى من الأمر نفسه، لكن هايوارد قال إنه إذا توقفت الصادرات سيتم بيع إنتاج حقلي طاوكي وطق طق اللذين تشارك جينيل في تطويرهما في السوق المحلية.
وقال متحدث باسم حكومة بغداد إن الحكومة المركزية تدرس تقليص مدفوعات موازنة كردستان في 2012 أكثر من ثلاثة مليارات دولار لتعويض خسائر في صادرات النفط تقول الحكومة إنها ناجمة عن عجز في صادرات المنطقة شبه المستقلة من الخام، وقال علي الموسوي مستشار رئيس الوزراء نوري المالكي إن لجنة اكتشفت خسائر تتجاوز ثلاثة ميارات دولار بسبب عدم ضخ منطقة كردستان كمية النفط المتفق عليها في الموازنة ونتيجة وقف صادرات النفط في الآونة الأخيرة.