بين المصالح والمصير… هل يُحسن أردوغان التدبير؟
د. محمد بكر
فشل الانقلاب العسكري ضدّ أردوغان، أو ربما سارت الأمور كما أراد لها حزب العدالة والتنمية أن تسير، ليلةٌ حمراء عاشتها تركيا لا زالت تعجّ بالضبابية وغموض المشهد لناحية السرعة في الإعلان عن الانقلاب، وسرعة إخماده وتجاوزه من قبل الحكومة التركية، جملة من التساؤلات أثارها الكتاب ووسائل الإعلام وتحديداً صحيفة «يديعوت أحرنوت» «الإسرائيلية» بقلم الكاتب المعروف أليكس فيشمان حول عدم قصف الانقلابيين للقصر الرئاسي، وقصف مدخل البرلمان فقط من دون قاعته الرئيسة، وكذلك قصف الفندق الذي كان يقيم فيه أردوغان بعد التأكد من مغادرته، وكيف أعلن برلمانيون عن توقيت ومكان اجتماعهم عبر الإعلام بسلاسة من دون أن ينتظرهم أو يعتقلهم الانقلابيون، وكيف حضر هؤلاء أيّ الانقلابيون إلى حيث الخطاب الذي أدلى به أردوغان بعد انتهاء الأخير منه ومغادرته المكان، مضيفاً أنّ المتمرّدين لم يكن لديهم منذ البداية أيّ أمل لإسقاط النظام، وبدا الحاصل كعرض مسرحي تمّ اخراجه بإهمال، ثم أين كان حزب العمال الكردستاني والكلام هنا للمحرّر من جملة الحاصل ولماذا لم ينضمّ للانقلاب ويُكسبه زخماً مضاعفاً لا سيما أنّ قسماً غير قليل من الجيش التركي هم من الأكراد.
بعيداً عن الافتراضات والتحليلات لجهة أنّ ما حصل كان انقلاباً أم أمراً مدبّراً لتتمكن «اليد الأردوغانية» من تطهير القوات المسلحة بحسب جملة من التحليلات والتوصيفات التي صاغها كتاب ومراقبون، «فمربط الفرس في اعتقادنا» هو في الطريق التي سترسمها سياسة حزب العدالة والتنمية بعد هذه الهزة، وهل سيشهد السلوك التركي تحوّلاً استراتيجياً في المنطقة أم لا؟ ولا سيما في الأزمة السورية التي أقدمت فيها الحكومة التركية على تطرية الأجواء من خلال عدة تصريحات وازنة للتقارب مع دمشق.
يقول الباحث والخبير في الشؤون التركية بجامعة «تل الربيع» تل أبيب بالتسمية الاسرائيلية كوهن ينروجاك أنّ المزيد من القوة سيحصدها أردوغان، وأنّ النظام التركي سيغدو أكثر مركزية وأنّ أردوغان أغضب الكثير من الدول، واستطاع أن يقوم بخطوة تجعله سلطاناً بلا منازع على ما تبقى من الجمهورية التركية، وهنا وعند هذه الجزئية تحديداً نقف لنسأل؟ كيف ستتمّ عملية توظيف تلك القوة والمركزية في السياسة الخارجية التركية التي ستعدّ في اعتقادنا الأساس الذي سيشيّد عليه أردوغان صرحه السياسي الجديد، ولا سيما بعد سلسلة من النكسات التي صاغتها السياسة التركية من خلال اللعب والاستثمار بورقة «داعش» وجبهة النصرة لتحقيق أجندات وأحلام استعادة الامبراطورية العثمانية وتكريس الخلافة الإسلامية، وعند هذه النقطة يغدو الفصل وردم الهوة بين البنية الاسلامية الإخوانية لحزب العدالة والتنمية وبين الهيكلية العلمانية التي يسعى الجيش التركي للحفاظ عليها من أيام الاطاحة بحزب الرفاه في تسعينيات القرن الماضي، يغدو على المحك، والمحدّد الرئيس لسلوك تركيا في المرحلة القادمة، هذا المحدّد الذي إذا ما انطلق من قاعدة تقديم المصالح على أيّة اعتبارات وعدم المجازفة في المضيّ نحو مصير أقلّ ما يمكن وصفه بالمرعب، وكذلك الانطلاق من جزئية التقارب مع موسكو وربما الانضمام إلى جبهتها في مواجهة «داعش والنصرة» على الأرض السورية، والمشاركة الفاعلة في إخماد النار السورية، فإنّ ذلك سيشي بالضروة عن قفزة نوعية في الأداء السياسي التركي الذي سيرفع فيه أردوغان الراية البيضاء أمام خصومه في مقابل حصد النقاط الأهم والأكثر إقلاقاً له لجهة ما سيشكله جديد التحوّل التركي من نسف الأحلام الكردية الانفصالية، ومن هنا نقرأ ونفهم ما أعلنه إيرولت وزير الخارجية الفرنسية لقناة فرنسا 3 وما تساءل حوله لجهة هل تبدو أنقرة أهل للثقة في محاربة داعش؟ وإنْ كنا نؤمن أصلاً على المستوى الشخصي بأنّ فرنسا نفسها لا تبدي أيّ خطوات جادة لمكافحة الإرهاب وأنّ جلّ الصراخ الفرنسي إنما جاء بعد أن نال فرنسا ما نالها من تغلغل الإرهاب لأراضيها.
تركيا اليوم على مفترق طريق مفصلي يحدّد شكل ومستقبل الدولة التركية، وانْ صحّت نظرية الانقلاب فإنّ إفشاله والسيطرة عليه وإعادة الأمور لنصابها لا يعني مطلقاً إذا ما استمرّ أردوغان بذات السياسة عودة الاستقرار إلى تركيا وسيكون ما حصل مقدّمة وبوابة لانهيارات كبرى، فهل يحسن «السلطان» التدبير؟
كاتب صحافي فلسطيني مقيم في ألمانيا
Dr.mbkr83 gmail.com