هل يتجرأ أردوغان على خوض المعركة مع الغرب؟
حميدي العبدالله
بلغ التوتر بين تركيا من جهة، والغرب من جهة أخرى، على اثر الانقلاب الفاشل مستوى لم تبلغه العلاقات التركية الغربية منذ الحرب العالمية الثانية وحتى الآن. ووجهت الإدارة الأميركية تحذيرات للرئيس التركي ألمحت فيها إلى احتمال أن تخسر تركيا موقعها في حلف الناتو، كما أنّ أكثر من زعيم أوروبي وجه تحذيرات حادّة للرئيس التركي، ولا سيما لجهة عدم احترام الدستور والقوانين في تعامله مع خصومه ومع المشاركين في محاولة الانقلاب الفاشلة.
هل يرضخ أردوغان وحكومة حزب العدالة والتنمية للتحذيرات الغربية، ولا سيما الأميركية، أم أنه يواصل حملته الداعية إلى تسليم فتح الله غولن وضرب عرض الحائط القوانين المرعية الإجراء في تركيا لفرض ديكتاتورية حزبه، والتخلص من خصومه ومنافسيه بمعزل عن ردود فعل الحكومات الغربية؟
لا شك أنّ هناك مجموعة من العوامل الموضوعية تفرض على الرئيس التركي وعلى حكومته آجلاً أم عاجلاً الرضوخ للتحذيرات الأميركية والأوروبية. أولى هذه العوامل أنّ الاقتصاد التركي مندمج بقوة بالاقتصاد الغربي، وإذا ما قرّرت حكومات الدول الغربية فرض عقوبات على تركيا، فإنّ الاقتصاد التركي سوف ينهار تماماً، وهذا أمر ليس في مصلحة الشعب التركي ولا في مصلحة قطاع الأعمال، بما في ذلك قطاع الأعمال المرتبط بحزب العدالة والتنمية. ثاني هذه العوامل أنّ تركيا مقابل وجودها في حلف الناتو تحصل على امتيازات عسكرية واقتصادية وسياسية، وطردها من حلف الناتو يحرمها من كلّ هذه الامتيازات، ولا قِبل لتركيا على الاستغناء عنها.
ثالث هذه العوامل، يكمن في حقيقة أنّ أيّ مواجهة مفتوحة مع الغرب ستعني وقوف الغرب إلى جانب حزب العمال الكردستاني ومدّه بكلّ أشكال الدعم بما في ذلك الدعم العسكري، على غرار ما تفعل الحكومات الغربية لجهة تسليح المعارضة في سورية للضغط على الدولة السورية لحملها على تقديم تنازلات لصالح ضمّ سورية إلى فلك الدول التي تتبع للسياسات الغربية.
بديهي أنّ الغرب سيبذل جهداً أكبر لإبقاء تركيا في إطار الناتو لأنّ تركيا بعدد سكانها وجيشها الكبير وموقعها الجيواستراتيجي كان لها دور كبير في الحفاظ على النفوذ الغربي في المنطقة، ولن تتخلى الحكومات الغربية عن تركيا بأيّ شكل كان، وإذا ما أصرّ أردوغان على سياسة المواجهة فالغرب يمتلك الكثير من الأوراق السياسية والاقتصادية والعسكرية التي تفرض على الرئيس التركي وحكومة حزب العدالة والتنمية عدم الذهاب بعيداً في المواجهة مع الغرب.