مجزرة طوخان الكبرى الخطأ المقصود

العميد هيثم حسون

لماذا ذُبح أهل طوخان الكبرى في ريف حلب الشمالي التابعة لمدينة منبج ولا تواجد فيها قوات لداعش؟ لماذا هاجمتها الطائرات الفرنسية العاملة ضمن تحالف القتلة؟

لنر أولاً مقدّمات الحدث فربما نصل لمعرفة سبب الجريمة…

لقد قرّر تحالف واشنطن بعد الفشل الذريع لعمليته التي أراد من خلالها احتلال الرقة البحث عن هدف سهل يحقق من خلاله نصراً عسكرياً، ويمنع انهيار تلك المجموعات التي تقاتل باسمه على الأرض. فكانت مدينة منبج، الواقعة في ريف حلب الشمالي، لقربها من قواعد ما يسمّى «قوات سورية الديمقراطية» ووجود مناطق تحت سيطرة مجموعات تعمل بإمرة حلفاء واشنطن، ولصغر مساحتها جغرافيا.

وبدأت العملية العسكرية بضجيج إعلامي يفوق ضجيج السلاح. وبدأت عمليات التمهيد الجوي الصاعقة بقوام تحالف يتبع لحوإلى ستين دولة، والتي أدت لإيقاع أكبر الخسائر في صفوف المدنيين، ولأنّ القاتل أميركي فليس مهماً عدد من يقتل!

وتحت تلك التغطية الجويّة بدأت القوات الكردية المطعمة بمجموعات من «النصرة» لانتمائهم العرقي التقدم البطيء في أرياف منبج البعيدة.

ولكن المعركة الحقيقية بدأت عند وصول تلك المجموعات إلى أطراف المدينة، وهنا بدأت الخسائر في قوات تحالف واشنطن تزداد بشكل كبير وخسائرها لمكاسبها السابقة نتيجة هجمات معاكسة لداعش، داخل المدينة وخارجها، فزادت طائرات التحالف من نشاطها وزادت معها خسائر المدنيين.

ومع ازدياد زمن المعركة وعدم تحقيقها نتائج على الأرض، بل أصبحت بوادر الفشل أكبر من مؤشرات النجاح، ظهر التوتر والانفعال في تصريحات مصادر ذلك التحالف وتصرفاتهم على الأرض.

كلّ ذلك حصل بينما كانت قوات الجيش العربي السوري وحلفائه، وبتغطية جويّة مؤثرة من طائرات سلاح الجو الروسي، تحقق انتصارات كبيرة في الميدان الحلبي القريب من منبج دون الإكتراث بحركتها ومجموعاتها ومطالبها لعدم استهداف حلفائها ودعواتها لوقف العمليات الحربية، وتجديد الهدنة بعد انهيار خطوط دفاع تلك المجموعات في أكثر من خط تماس في حلب وريفها.

أيضاً في ظلّ خسارة المجموعات الكردية، للدعم الذي حظيّت به خطواتهم الفدرالية في بدايتها، وتكريسها واقعاً فعلياً على الأرض. وازدياد خسائرها البشرية وصدور دعوات شعبية كردية لوقف استنزاف قدراتهم العسكرية في معركة منبج.

أيضاً في ظلّ الخلاف الأميركي التركي على خلفية اتهام انقرة لواشنطن بالوقوف خلف المحاولة الانقلابية الفاشلة، وتلميحات تركية بتغيير سياستها الإقليمية.

في كلّ تلك الأحداث ارتكبت الطائرات الفرنسية العاملة ضمن تحالف القتلة أكبر حلقة في سلسلة مجازر ذلك الحلف منذ بدء عملياتها في سورية، ربما لأنها بأيد فرنسية متعطشة لدم أدمنت على الارتواء به ثم حُرمت منه لزمن فأرادت التعويض!

في جميع الأحوال هناك مجموعة من التساؤلات التي تحتاج إلى إجابات، وعندها فقط يمكن معرفة الحقيقة…

1 – هل كانت هذه المجزرة كما ادّعت مصادر التحالف نتيجة خطأ في تحديد الإحداثيات التي أعطتها القوات الكردية العاملة على الأرض لطائرات التحالف؟ وهنا السؤال… إذا كان ذلك صحيحاً فماذا كانت تفعل القوات الخاصة الأميركية والفرنسية والبريطانية والألمانية المتواجدة على الأرض وأحد أهدافها المعلنة دلالة الطائرات على الأهداف؟ أم أنّ الموضوع هو تبرّؤ التحالف من المسؤولية عن الجريمة وإلباسها للأكراد.

2 – في حال صدّقنا مصادر التحالف مع معرفة أكيدة للأكراد بالمكان المستهدف، فهل يعني هذا بدء مرحلة تطهير عرقي لمصلحة الفدرالية الكردية التي أعلن قادة أكراد عن وضعها على سكة التنفيذ؟ وما هذه المجزرة إلا اشارة البداية للانطلاق في مشروع تهجير التجمّعات العربية لتأمين ربط البلدات الكردية بدون عوائق ديموغرافية في المساحة الجغرافية المفترضة؟

وذلك كَردّ أميركي وأوروبي على توجيه أردوغان الاتهام للولايات المتحدة، بالوقوف وراء الانقلاب الفاشل.

3 ـ هل حصلت تلك المجزرة نتيجة ظهور بوادر فشل العملية العسكرية الأميركية، باتجاه منبج بعد ما يقارب الشهرين من انطلاقها يجاد مبرّر يقاف تلك العملية، فتكون الولايات المتحدة من يكسب وهي صاحبة «اليد النظيفة» وعملائها من يحمل الوزر ويكون صاحب اليد القذرة؟

4 – إنّ تلك المنطقة تقع تحت سيطرة مجموعات مسلحة تدّعي أنها تدافع عنها ضدّ الجيش السوري

وتحمل زوراً وبهتاناً إسم معتدلة فلماذا لم يحركوا ساكناً للدفاع عن رعاياهم ولماذا لم تتحرك إعلامياً للكشف عن الجريمة، أم أنه ليس مهماً لديهم أن يقتل مئات المواطنين الأبرياء، طالما أنهم لا يستطيعون إستغلاله سياسياً وإعلامياً ضدّ الجيش السوري أو الروسي.

5 – السؤال الهام هو أنّ تلك المجزرة التي راح ضحيتها حوإلى مئتي شهيد مدني بين أطفال ورجال ونساء.

لم تؤدّ إلى قلق بان كي مون أم أنه يحتفظ بقلقه ليشهره في وجهنا عندما تواجه عصابات مشغليه خطر الهزيمة، فيتحوّلون بقدرة أوباما إلى أطفال وأطباء ودعاة سلام ومعتدلون.

بطبيعة الحال، فإنّ هذه الحرب ستنتهي ولكن الذي لن ينتهي معها هو آثار تلك المجازر التي كان ضحيتها الشعب العربي السوري. ومنها مجزرة طوخان وتأثيرها على البنية الديموغرافية في تلك المنطقة. حيث سيكون الخاسر الأكبر فيها هو من ارتضى أن يكون عميلاً للولايات المتحدة الأميركية. وصدّق ولو للحظة واحدة أنّ عمالته تلك يمكن أن تؤدّي إلى تحقيق أهدافه الخاصة.

فالولايات المتحدة سبق وتخّلت عن عملاء برتبة رئيس دولة، وبالتالي هي لن تقاتل من أجل عميل برتبة أقلّ من ذلك بكثير.

أخيراً وبغضّ النظر عن الإجابة على أيّ من تلك التساؤلات، فإنّ ضحايا طوخان هم شهداء مدنيون سقطوا بقصف جوّي متعمّد لقرية ومساكن وليسوا ضحايا خطأ استخباراتي أو فنّي جوي.

إنّه خطأ مقصود اعتادت الولايات المتحدة واتباعها من دول الاستعمار القديم، وخاصة فرنسا ارتكابه انتقاماً لفشل حصل. أو لتحقيق هدف لم تتمكّن من تحقيقه بإسلوب آخر…!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى