النمر الجريح أردوغان إلى أين؟
غسان يوسف
يقول مؤيدو الشرعية في تركيا بأنّ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خرج أقوى من السابق بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة التي وقعت في الخامس عشر من الشهر الحالي، لأنّ الشعب وقف إلى جانبه ورفض انقلاب العسكر، قد يكون هذا صحيح نسبياً، لكن الأصح أنّ السلطان أردوغان كزعيم سياسي انتهى تماماً وتزعزعت صورته أمام العالم، وهو الذي قال في خطابه الأخير بأنّ البرلمان التركى يمكن أن يبحث مسألة تطبيق عقوبة الإعدام، ما يعني أنّ الرئيس سيقوم بحملة إعدامات وقمع دموية ضدّ من دبّروا ونفذوا الانقلاب، وهو الذي وعد بتنظيف وتطهير الجيش، وبأنه سيلاحقهم إلى منازلهم، ما دعا منظمة العفو الدولية إلى التحذير من عودة عقوبة الإعدام إلى تركيا، الأمر الذي سيستغله أردوغان لإعدام خصومه بتهمة التآمر، وبالتالي سيخرج تلقائياً من عباءة الديمقراطية التي دافع عنها الشعب التركي، وهنا يحضرني قول شاب تركي في ساحة تقسيم «جئنا لندافع عن الديمقراطية وليس عن أردوغان كشخص».
وهنا يحق لنا أن نسأل عن علاقة الجيش بالولايات المتحدة وعلاقته بأردوغان، فالجيش التركي ثاني أكبر جيش في الناتو بعد نظيره الأميركي يبلغ عدد قواته نحو 670 ألفاً، وتقدّر ميزانيته بنحو 18 مليار دولار، ويحتلّ بذلك الرتبة 15 عالمياً على مستوى الإنفاق العسكري.
لكن عقيدته العسكرية تحوّلت جذرياً بعد مجيء حكومة رجب طيب أردوغان، من حامٍ للعلمانية إلى مدافعٍ عن شخص أردوغان وحزب العدالة والتنمية، لكن هذا لا يعني أنّ العديد من قادة الجيش وأفراده يكنّون العداء لأردوغان ويعتبرون أنفسهم محافظين على إرث أتاتورك.
وبالعودة إلى سياسة أردوغان المستقبلية، فعقوبة الإعدام ستطال الداعية فتح الله غولن المقيم في الولايات المتحدة، والمتهم بتدبيرالانقلاب والتي أعلنت الولايات المتحدة عبر وزير خارجيتها جون كيري، أنها تنتظر من تركيا تقديم أدلة مثبتة على تورّطه في الانقلاب للبحث في تسليمه.
ما جرى في تركيا واتهامات أردوغان لغولن، يعيدنا إلى ما كان صرّح به السيناتور الأميركي ميشيل روبين في شهر آذار الماضي، من أنّ جهات سياسية أميركية، مستعدة للاعتراف بأيّ انقلاب يطيح بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان!
وهنا نعود للقول إنّ سياسة أردوغان المستقبلية سوف تتركز على الداخل التركي حيث ستلاحقه فوبيا الانقلابات خصوصاً أنّ سياساته الأخيرة، الإقليمية والدولية، باتت تعطي نتائج عكسية، وتشكل خطراً على تركيا، ولذلك قد يواصل تراجعه عن سياسته القديمة كما فعل مع روسيا و»إسرائيل» ويتجه نحو سورية ومصر والعراق، وهو ما كان صرّح به رئيس وزرائه بن علي يلدريم، وبالتالي العودة إلى نظرية صفر مشاكل مع الجيران التي أطلقها أحمد داوود أوغلو في كتابه العمق الاستراتيجي لامتصاص حالة الاحتقان، وتجنّب الغضبين العسكري والشعبي، لكن الغضب حصل وكاد يطيح به، لولا سوء التخطيط والتنفيذ الذي أحاط بعملية الانقلاب.
مسألة أخرى قد تؤرق أردوغان وهي مسألة اللاجئين السوريين بعد وعده لهم بإعطائهم الجنسية، الأمر الذي سيؤلّب الشارع التركي عليه من جديد، ما يؤكد طموحاته العثمانية، ومن سمع نعمان قورتولمش، نائب رئيس الحكومة التركية يقول: «إنّ كلّ مواطن يعيش في بلد كان تحت الحكم العثماني يمكن له أن يأتي إلى تركيا ويحصل على الجنسية التركية»، يعرف أنّ تركيا اليوم هي عثمانية إخوانية ومن لم يصدّق ليعود إلى دفاع أردوغان المستميت، عن الرئيس المصري السابق محمد مرسي وأحد قادة الإخوان المسلمين في بنغلادش موتيئور رحمان نظامي، الذي اعتبره أردوغان شهيداً بعد أن أعدم لتورّطه بالإبادة وبأعمال الاغتصاب والتعذيب عندما أيد حرب باكستان ضدّ بنغلاديش في 1971.
ومن هنا جاء دعم الإخوان المسلمين الواضح لأردوغان ليس ابتداء بالشيخ يوسف القرضاوي وليس انتهاء باسماعيل هنية في غزة.
وبحسب صحيفة «الغارديان» البريطانية التي نشرت مقالاً للبروفيسور والباحث الأميركى ديفيد جريبر، طرح فيه تساؤلاً حول مدى جدية قادة الغرب في تصفية تنظيم «داعش» المسلح، وشكك في مصداقية تلك الجدية المزعومة، لما يراه من تقارب لهؤلاء القادة مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي يعتبره جريبر السبب الأول لاستمرار تواجد تنظيم «داعش» المسلح. ويقول جريبر إنه بمتابعة الأحداث الجارية بمنطقة الشرق الأوسط، وتركيا خلال الأعوام الأخيرة التي شهدت بزوغ نجم «داعش»، سنرى أنّ تركيا قدّمت «لداعش» ما يبقيها متواجدة بالساحة، بل أيضاً ما يجعل أعمال ذلك التنظيم المتوحش تنتقل إلى أوروبا، وأحدث نتائجها كانت مذبحة باريس التي أودت بحياة 129 مواطناً فرنسياً.
إذن خطر أردوغان لا ينحصر في الداخل التركي بل يمتدّ من غرب الولايات المتحدة إلى شرق آسيا، وهو الذي ادّعى بأنّ فوزه في الانتخابات الرئاسية يوم 31/3/2014 فوزاً لكلّ من فلسطين وسورية ومصر والبوسنة والهرسك وكوسوفو ومينمار إلخ…
باحث في الشؤون التركية