أوجلان.. ذكرى صولة «المنتقم»

نظام مارديني

ليس صدفة أن يحمل الطفل الذي ولد في 4 نيسان من العام 1949 في «أورفا» لقب أوجلان المنتقم ويعمل على تأسيس حزب العمال الكردستاني PKK في 27 تشرين الثاني 1978، ويُطلق في العام 1984 العمل العسكري ضد الجيش التركي.

بعد ثلاثة عقود على إطلاق شرارة العمليات العسكرية، لا يزال وهج وسطوة زعيم الحزب عبد الله أوجلان بشخصيته الكاريزمية يسيطران على انصاره في كل مكان.. وخصومه الأكراد وعدوه النظام التركي.. وها نحن نتوجه إلى أنصار هذا القائد التاريخي الفذ، وفي هذه الذكرى، ألا تجعلوا عقارب الساعة تدور إلى الوراء بانتظام معكوس، وذلك بعد سلسلة أخطاء وقع فيها من أدعى أنه يمثل فلسفة أوجلان في بعض المناطق السورية.

ولكن بهذه المناسبة ماذا يمكن أن نكتب عنك أيها «المنتقم» وأنت في زنزانتك في «مرمرة» غير أنك أنت السّجّان وهم السجناء؟

فهل يُعدّ ما كتبه أوجلان عن «مجتمعه» ومن بعده ما كتبه عن ميزوبوتاميا ضرباً من المازوشية التي تنتج ذاكرة آثمة، واستمراءً لانعزال الذات؟ بالتأكيد ليس الأمر كذلك، لأن أوجلان الذي لم ينافسه أحد، بعد الملا مصطفى البرزاني، في النضال «الكردي» قال في كتاباته، إنه يفعل ذلك لأنه كردي تركي مئة في المئة، ولأنه أيضاً يحلم بتركيا أخرى قد لا تكون يوتوبيا لكنها بالتأكيد ليست ديستوبيا.

يرفض أوجلان من زنزانته في «مرمرة» ترديد مقولة أكراد العراق من أن أردوغان «يستخدمنا كأحصنة بلهاء». إنه يلعب بالعراق ليس من أجل الأكراد وليس من أجل السنّة. تكفي العودة الى محاضر مؤتمر لوزان، ليتبين أن انقرة تصرّ على أن تكون الموصل، وبالتالي كركوك الغنية بالنفط، جزءاً من السلطنة.. وهو لذلك أراد جعل كرد تركيا شركاء في المبنى التركي وليس نواطير.

ولكن أوجلان الذي كتب عن غسق الأوثان ذات مرة، فهو لم يفعل ذلك على سبيل التبشير بآلهة سماوية بقدر ما أراد البوح عن اختناقه بالواقع «الكردي» الذي يحاصره.. قال يوماً وقبل نحو عام من اعتقاله «يبدو أننا مازلنا منهمكين في صراع المراعي»، فهل قصد أن هذا ما جعل الأكراد وقوداً في المعادلات كلها وفي الصفقات كلها. وهل تناهت اليه، في هذه اللحظات، ومن سورية الى العراق، وصولاً لتركيا، أهازيج العصر الحجري؟

إنّ جهداً كبيراً ينتظر أنصار أوجلان، إذا ما أرادوا الاستمرار في تحقيق أمانيهم، والمحافظة على جذوة نضالهم من أي تدخل قريب أو بعيد، شريطة أنْ تتحلى مواقفهم بالتوازن والحكمة والتمسك الشديد بمنهج أوجلان، لأنه مبتدأ تاريخ كرد تركيا.

وفي هذا الزمن الراهن حيث دول تحترق، وتتفكك، في لعبة الطوائف والقبائل، فيما الإسلام تحول عربة ايديولوجية مُجنحة، وتنطوي على الدلالات الوثنية كلها.. اقرأوا الفتاوى، واصغوا الى الاناشيد، وشاهدوا الرؤوس المقطوعة، ألا يتحسّر بعضنا على … زمن الأوثان؟ وفي هذه الحالة هل يعيد التاريخ نفسه، أو يتقيأ نفسه، بتلك الطريقة الكوميدية!؟

ففي هذا الزمن الراهن، تحية لنساء الـ PKK عندما قارعن ويقارعن البرابرة الطورانيين بالوجه الذي فيه نضارة الجبال، لا بالبرقع ولا بالجلباب اللذين هما الشعار الأيديولوجي والاستراتيجي لثقافة الهاوية والانحطاط!

الصحافي الرائع جنكيز شاندار الذي قرّر التوقف عن الكتابة سأل، ذات يوم، ما إذا كان ثمة من قبر في سورية أو في العراق، وحتى في تركيا، لم يحفره أردوغان بيديه؟!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى