بين تموز غزة ولبنان… هل ننسى وينسى التاريخ خيانة بعض العرب؟

هشام الهبيشان

ما قام به كيان الاحتلال الصهيوني من هجومٍ جوي بربري، نازي فاشي – استهدف قطاع غزة بالعام 2014، مستهدفاً الشجر والحجر، الإنسان والمكان، لا يدخل إلّا في خانة حرب الإبادة وجرائم الحرب، 2300 شهيد و11000 ألف جريح، ودمار شامل للكثير من المنازل والمساجد والجامعات والمستشفيات والمناطق الحيوية بالقطاع، أو بمعنى آخر، هو تدمير ممنهج للبنية التحتية في قطاع غزة، وهذا ما كان ليحصل إلّا بضوءٍ أخضر وشراكة من بعض الأنظمة العربية فيه، بشكلٍ مباشر أو غير مباشر.

وكلّ ذلك بهدف أن يشعر أهل غزة أنّ قوى المقاومة هي السبب في ما يجري لهم، بهدف أن ينسلخ أهل غزة عن قوى المقاومة وعن فكرها المقاوم، فقد كان الهدف من كلّ ذلك، هو تقسيم غزة لخمس مناطق، لعزل قوى المقاومة عن بعضها البعض، ومن ثم تدمير المخازن والأنفاق، والسيطرة على نقاط العبور وتهريب وتخزين الأسلحة ومن ثم تصفية العدد الأكبر من القادة العسكريين والأفراد المنضوين ضمن صفوف تنظيمات المقاومة في قطاع غزة. وهذا ما لم يحصل ولن يحصل، بل وقف أبناء قطاع غزه يداً واحدة مع قوى المقاومة.

وفي المقابل انكشف موقف المتخاذلين من الأنظمة العربية، وبرز ذلك من خلال ردود أفعالهم الهزيلة، وانفضاح أمانيهم بأن ينجح الكيان الصهيوني بإركاع غزة.

بالطبع حاولت بعض الأنظمة العربية التي تُعرف بتبعيتها للمشروع الصهيو – أميركي إضفاء طابع آخر لهذه المحرقة، وعنوان آخر لها، فهذه الأنظمة لها مصلحة مشتركة مع العدو الصهيوني، بالإجهاز على حركات المقاومة بالقطاع، وخصوصاً حركتيْ حماس والجهاد… الإجهاز عليها عسكرياً وليس سياسياً بالطبع، وهنا لا ينكر عاقل أنّ الصهاينة عندما دخلوا هذه المعركة، لتنفيذ تلك المحرقة، لم يدخلوها وحدهم بل بالشراكة مع بعض شركائهم من الأنظمة العربية، وهذا ما لم يُخْفِه الكثير من جنرالات الجيش الصهيوني وبعض الساسة الصهاينة.

وقد قال نائب وزير الحرب الصهيوني حينها: «يجب علينا تأديب حماس والجهاد حتى لا نخذل أصدقاءنا العرب الذين اعتمدوا علينا في ذلك»! وهذا قد يثير استغراب البعض، فهل من المعقول أن تصل عمالة بعض الأنظمة العربية الى درجة الاشتراك في تلك المحرقة، وقتل أهل غزة العُزل، في شهر رمضان الذي تحرّم فيه الدماء والحروب؟!

الجواب ببساطة «نعم»، وهذا ليس مستغرباً من هذه الأنظمة، فهناك اليوم أدلة ملموسة على كلّ هذا. فالتجربة السورية والعراقية والليبية والسودانية تثبت أنّ هذه الأنظمة العميلة، أصبحت شريكاً وموغلاً بالدم العربي، تعملُ يداً بيد مع العدو الصهيو – أميركي، لتنفيذ باقي فصول مؤامراتهم القذرة الرامية إلى إبادة هذه الأمة وإلى تقسيم المقسّم. وهذا تطور خطير، فبعد أن كانت هذه الأنظمة مسؤولة عن الإمداد اللوجستي والتسهيل لاحتلال أراضٍ عربية، كما شاهدنا بالتجربة العراقية الليبية السورية، اليوم أصبحت هذه الأنظمة شريكة للمشروع الصهيو أميركي، بالقتل والتدمير والتخريب للفسيفساء المكونة للخارطة العربية، لتمزيقها وإعادة ترتيبها بما يخدم هذا الكيان الصهيوني، لتكوين أكثر من خمسين كياناً عرقياً ومذهبياً ودينياً في المنطقة العربية، يكون فيها الكيان الصهيوني هو القويّ المطاع، وكلّ طرف من هذه الأنظمة، سعى من خلال محرقة غزة لتقديم صكوك الطاعة لهذا الكيان، بسبيل أرضائه وارضاء السيد الاميركي.

محرقة غزة، لم تكن حدثاً عابراً، فالصهاينة باشروا فصول هذه المحرقة في مثل هذه الأيام من العام 2014، بالشراكة مع بعض شركائهم من الأنظمة العربية على أساس أنها ستكون معركة صهيونية بالوكالة عن شركائهم من بعض الأنظمة العربية. ولكن المفاجأة كانت كبيرة، ورغم حجم الخسائر التي تلقاها القطاع، إلّا أنّ الصهاينة تلقوا ضربات موجعة في العمق الصهيوني، فأراضي فلسطين المحتلة الخاضعة اغتصاباً للكيان الصهيوني، أصبحت بمجموعها تحت نيران وصواريخ المقاومة، وبغضّ النظر عن نتائج ضربات المقاومة، فهذه الضربات وضعت الكيان الصهيوني وقادته بمأزقٍ كبير بعد أن أثبتت قوى المقاومة أنها قادرة على الردّ، وكلّ ذلك بفضل منظومة خبراء فلسطينيين، تدرّبوا على أيدي أمهر الخبراء العسكريين بالجيش العربي السوري وقوى المقاومة اللبنانية، ومستشارين وخبراء إيرانيين. واستطاعت منظومة الخبراء الفلسطينيين، أن تتمرّس على صناعة هذه المنظومة الصاروخية التي ضربت تل أبيب وحيفا وإلخ… والإضافة النوعية كانت بقدرة المقاومة على تطوير منظومة عمل لطائرات بدون طيار، بالتعاون مع بعض الخبراء في جمهورية إيران الإسلامية، وقد رأينا طلائعها بعام 2014، تعمل بسماء الأراضي المحتلة، وهذا بحدّ ذاته شكّل حالة من الصدمة لقادة الكيان الصهيوني وشركائهم من الأنظمة العربية، فهم تورّطوا حينها بمعركة لم يدرسوا نتائجها.

وهذا يذكّرنا بحرب الصهاينة في تموز 2006 مع حزب الله والتي نعيش اليوم الذكرى العاشرة لها، والتي ورّطت حينها الولايات المتحدة الاميركية وبعض أدواتها من الأنظمة العربية الكيان الصهيوني بها، ونذكر حينها كيف أنّ كونداليزا رايس وبعض التابعين لوزارة خارجيتها من بعض الأنظمة العربية، كيف أنهم كانوا رأس الحربة بهذه المعركة، رغم أنّ القادة الميدانيين في الجيش الصهيوني قرّروا الانسحاب من المعركة في صبيحة اليوم الثالث، إلّا أنّ رايس وبعض التابعين لوزارة خارجيتها من بعض الأنظمة العربية، رفضوا ذلك، واستمرت المعركة ليخرج منها الجيش الصهيوني يجرّ ذيول الهزيمة، وهذه المعركة سُجّلت بالتاريخ على أنها كانت معركة صهيونية على لبنان بالوكالة عن الأميركان وبعض أدواتهم من الأنظمة العربية، وهذه المعركة نفس وتوصيفاتها التي عاشها لبنان، حصلت في قطاع غزة عام 2014.

ختاماً، لقد كانت محرقة غزة وحرب تموز اللبنانية شاهداً حيّاً على عمالة بعض الأنظمة العربية للمشروع الصهيو أميركي، وقد كانت دماء الشهداء من أبناء القطاع وأبناء لبنان، خصوصاً الأطفال منهم، وصمة عار على جبين هذه الأنظمة العميلة التي ما زالت موغلة بالدم العربي.

فإلى متى سيصمت الشعب العربي على عمالة هذه الأنظمة الممتدّة من المحيط إلى الخليج…؟

كاتب وناشط سياسي ــ الأردن

hesham.habeshan yahoo.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى