أنين… أيها الذبّاح؟
نظام مارديني
لا يمكن لأي إنسان عاقل ويمتلك كامل وعيه أن يقدم وصفاً إنسانياً دقيقاً لعملية ذبح الطفل عبد الله عيسى… ولكنّ من تجرأ على ذبح أمه ابن الرقة ، وهو من صلبها، هل يصعُب عليه ذبح طفل غريب عن «إنسانيته»؟
صحيح أنّ ما حصل هو من إنتاج ثقافتنا الممتدة منذ 1500 عاماً، الثقافة التي تراكمت في داخلنا بفعل الجهل، وحيث البربرية القصوى. الابن يعدم أمه لأنها تتوسل إليه بدموع عينيها العودة إلى… عينيها… في حين يتوسل الطفل إطلاقه في مراعي الحقول.
منذ صلب يسوع المسيح، قبل ألفي عام، وحتى الآن بدا أنّ الغائب الوحيد هو الله رغم دعواتنا وصلواتنا له بأن يكون معنا ضدّ الظلم الذي يمارس على بلادنا التي كلّ جريمتها أنها أعطت أوروبا اسم ابنتها شقيقة قدموس.
فمن أي دمعة أدخل إليك يا بني وقد غسلت بدمك الطاهر عار القتلة؟ ومن سيُجبر الشمس بعدما كُسر خاطرها بالسكين؟ ومن سيفتح نوافذ القمر إذا نام الهلال في برك الدم؟
قل لي يا بني، من سيشتري ألماً تجاوز مداه مليون دهرٍ من الحزن؟ من يتبع مسيرة الغيوم المتأخرة عن ركب الضياء ويلقي صوتها في محبرة الرمال؟ من يسكت على جراحنا التي لا تعدّ؟
من سيُخبر الزمن أننا بلا وجوه نبتسم وبلا أسنان نأكل همومنا الطافحة بالغيب المستتر؟ من سيُفرح طفلاً يبكي على فقد رأسه الأبيض ويحاول الزحف إلى حضن أبيه أينما وُجد؟
قل لي يا بني، من سيُسكت دمعة أمك التي ثكلت بك على قارعة الحزن وهي مطلية بلون الموت بعد ذبحك؟ هل يفعل ذلك من سكن في مساكن المتأسلمين ولبس لباسهم ونام في فراشهم؟ هل يفعل ذلك من رفع سكينه بالتكبير ولم يشعر بأنين الطفل وهو يتوسل رب العالمين برفع الحيف عنه؟
ولكن، هل كان رب العالمين موجوداً وصاحياً أساساً لكي نتوسل إليه؟ ومن سيجعل لكلّ هؤلاء خاطراً عنده إذا وجد هذا الذي اسمه الله لكي يرأف بأطفال بلادنا؟
وهل سيكون هذا الله شاهداً على الظلم الذي لحق بأطفال وطننا؟ أم سيكون شهيداً مثلهم؟ وكيف يكون الله شاهداً، وهم يُكبِّرون باسمه للذبح، وشهيداً في الوقت ذاته؟
خاطرنا كُسر مع كلّ طفل من أطفال بلادنا كما يُكسر الزجاج العادي وكما يُكسر غصن الأشجار… فمن سيطيّب خاطر أهاليهم ويداوي جراحهم التي بدأت تأكلهم رويداً رويداً؟
يا بني… سنواتك الاثنتي عشرة مضت بدون طعم وبلا شهية فلا الساعة ستعود ولا اللحظة التي هُدرت ستأتي مرة أخرى، وقد صدق محمد أركون عندما حذر من قراءة القرآن بعيون توراتية!
لا نستطيع القول إلا أنّ قلوبنا معك يا بني… لقد رحلتَ بذبحة واحدة ولكننا نُذبح في كلّ يوم ألف مرةٍ ومرة، لأجلك ولأجل كلّ أطفال بلادنا.
أهي قهقهات يوشع بن نون نسمعها عند أسوار الهلال السوري الخصيب، الذي قال فيه محمد الماغوط «إنّ الله فيه يتنفس الصعداء»؟
أيها قاتل أمه… وبراءة الطفولة، ماذا ستقول لك النوارسُ وهي تعزفُ لحنَ الحزنِ؟