بعد فرنسا… بريطانيا تتقدّم و»تُنصِف» حزب الله
روزانا رمَّال
غالباً ما لا تخرج إدانات دولية لحزب الله لدى وقوع تفجيرات إرهابية هنا أو هناك في لبنان أو في سورية والعراق أو في فرنسا وبلجيكا وغيرها، وذلك منذ تصاعد العمليات الإرهابية وخروجها من دائرة التطرف الذي كان محصوراً لعقود بالشرق الأوسط وصراعاته فلا يُتّهم الحزب على اعتبار أنّ ما يجري من أصل موجة التطرف التي خرجت من الشرق الأوسط نحو العالم.
اللافت أنه غالباً ما يُدان الحزب ومعه حلفاؤه من على منابر خصومه في لبنان وشركائه في الحكومة في لحظات الحدث الأولى، أي عند لحظة وقوع أي تفجير إرهابي، فتتشنّج البلاد بما فيه الكفاية، حتى أنّ الحزب اعتاد وبات يتوقع ما سيصدر وأصبح أكثر قدرة على التماسُك في وجه اتهامات يعتبرها ظالمة لا تمتُّ إلى الحقيقة بصلة هدفها فقط توسيع الهوّة المذهبية والطائفية في البلاد من جهة، والاستفادة مما يمكن أن تبثه من مشاعر قلق لدى حلفائه فتستثمر اهتزازاً في العلاقة لكنّ كلّ هذا لم ينجح في استخدامه ذريعة سرعان ما تلاشت مفاعيلها بتصاعد نفوذ «داعش» إقليمياً ودولياً.
لا يعترف خصوم حزب الله في لبنان بإمكانية أن تكون مخططات «داعش» مبنية على رؤيا عقائدية تعتبر لبنان واحداً من محطات «الفتح» الذي يسلك مساراً متسلسلاً بعد العراق وسورية ولبنان مروراً بأوروبا وحيث يمكن تعميم نفوذ التنظيم من أجل بناء الدولة المنشودة فحزب الله بالنسبة اليهم استجلب الإرهاب إلى البلاد بسبب قتاله إلى جانب الدولة السورية من دون أن يحسب للحزب «علنياً» أيّ جميل أو عرفان بإبعاد خطر الإرهاب، أو بالحدّ الأدنى تحجيم حضوره من خلال عمليات كبرى على غرار تلك في العراق وسورية، إلا أنّ الحزب استطاع أن يُنشئ حالة شعبية مؤيدة من خارج مناصريه وقاعدته الشعبية، خصوصاً عند المسيحيين وتفجيرات القاع الانتحارية وهي البلدة المسيحية التي لم تعهد هكذا أحداث والتي كشفت بعد التفجير نوايا أهلها بالتسلح لردّ خطر التكفير عنها.
يروي شاب من مؤيدي حزب الله «الناشطين» حادثة جرت معه أثناء تفقِّده المنطقة من ضمن حملات التضامن التي أعقبت الحادثة المؤسفة، فيقول لـ»لبناء»: كنا نتحدث إلى بعض الشبان وصودف مرور مسلحين من البلدة يُعتقد أنهم ينتمون إلى حزب «القوات»، وقد انتشرت صور كثيرة لهم في تلك الليلة مع النائب أنطوان زهرا وهم يتأبطون سلاحهم الفردي المُخصَّص للدفاع عند أي هجمة مُمكنة. ويضيف: هم بذلك يُقدمون على الأمر نفسه الذي قام به أنصار حزب الله وعناصره من أجل الدفاع عن قرى بعلبك والهرمل، تفادياً لأي مباغتة». ويتابع: «تقدم أحد الشبان نحوي ودار بيننا حديث وعرف أنّ من رافقوني هم من الطائفة الشيعية ويؤيدون المقاومة، فقال لي: رغم الاختلاف بس إنتو رجال أهلين. فتبسّمنا.
ما قاله الشاب غيض من فيض القصص المدفونة داخل كثير من اللبنانيين الذين لا يستطيعون الاعتراف بما أرخاه حزب الله من واقع مريح، خصوصاً عند المسيحيين الذين يتخوفون من مخططات تهجيرهم من المنطقة برمتها. لا يمكن إخفاء مشاعر الفرح التي تنتاب المسيحيين عند رؤية صور الشهداء المرفوعة مع صور القديس شربل وتحرير كنائس سورية وحمايتها، يختم الشاب.
سياسياً، وحده رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي يتوجه تدريجياً نحو تموضع جديد بشكل أكثر صراحة من الأشهر الماضية، وهو يقول اليوم إنّ الأمور تتجه لصالح الحلف الروسي الإيراني في المنطقة والذي يضم سورية وحزب الله، وإنّ الرئيس بشار الأسد سيقايض الأوروبيين والغرب بالرئاسة، مقابل تعاون مشترك في مكافحة الإرهاب. يعترف جنبلاط بدور الأسد وحلفائه في مكافحة الإرهاب وبحتمية توجه العالم نحوهم كما فعل الطليان والألمان و»الحبل عالجرار»، كما يقول.
تتحدث المعلومات عن توجّه لدى فرنسا نحو حزب الله أساسه وقف العمل بمقرّرات سابقة اتخذها الاتحاد الأوروبي في شأنه تكفلت بوضع «جناحه العسكري» على لائحة الإرهاب فشكلت الزيارة الأخيرة لوزير خارجيتها إلى لبنان الحدث الأبرز، حيث اجتمع إلى شخصيات نيابية وحزبية في حزب الله، لأول مرة منذ اشتداد الأزمة. تحاول فرنسا كسر الجليد وتعترف بدور الحزب الأساسي في حسم ملف الرئاسة، فهو ليس إرهابياً بل عامل استقرار وهي تدرك امتلاكه مفاتيح الحلّ.
لا يبدو أنّ خصوم حزب الله المحليين قادرون على تقبل الأمر الواقع الذي سيتوجهون نحوه عاجلاً أم آجلاً، فالاعتراف بصوابية معركته ضدّ الإرهاب صارت أقرب محلياً وغربياً بين نوايا ضمنية وجلسات ديبلوماسية غير معلنة تعترف بدور محور روسيا ـ سورية ـ إيران ـ حزب الله في تقويض الإرهاب، حقيقة سيعترفون بها حتماً.
وفي هذا الإطار، يقول السفير البريطاني في لبنان هيوغو شورتر: أظن أنّ «داعش» ناشط دولياً بمعزل عن الوضع، ولعلّ الدور الذي يأخذه حزب الله في سورية يحفز نشاط التنظيم في لبنان، لكننا نعترف بأنّ «داعش» ناشط أيضاً في بلدان أخرى في المنطقة وأوروبا، ولا أعتقد أنه يمكن ربط هذا النشاط فقط بدور حزب الله في سورية، يختم شورتر.
بعد التقرب الفرنسي، تُنصف بريطانيا «الجديدة» حزب الله وترفع الاتهامات التي سوق لها خصومه لسنوات وتؤكد أنها ترى المعركة بعين أخرى، عين المسؤولية بعيداً عن الكيدية التي لم تعد واردة بعد اجتياح الإرهاب أوروبا.