اول لجنة اذاعية مركزية
اورد الامين جبران جريج في الصفحة 206 من الجزء الاول من مجلده «من الجعبة» انه تشكلت اول لجنة اذاعية مركزية تابعة لعمدة الدعاية والنشر التسمية في حينه لعمدة الاذاعة والاعلام من الرفقاء الاعضاء التالية اسماؤهم:
– فؤاد سليمان الاديب المعروف وهو قد عيّن سكرتيراً لعمدة الدعاية والنشر، مأمون إياس الذي اصبح وكيلاً لعميد الدعاية والنشر، صلاح لبكي الشاعر المعروف ، محمود حافظ، روبير ابيلا نقيب الصحافة لاحقاً ، منح الراسي اول من انشأ صحيفة في بيروت باللغة الانكليزية ، كنعان الخطيب، ومحمد النقاش.
عن هذه اللجنة يروي الامين عبدالله قبرصي في الصفحة 41 من الجزء الاول من كتابه «عبدالله قبرصي يتذكر» ما يلي:
« منذ ذلك الزمن البعيد وضعت لعمدة الاذاعة خطة عمل مؤلفة من شقين:
الشق الاول: انشاء معهد اذاعي
الشق الثاني: تشكيل لجنة للدعاية والنشر.
اما المعهد الاذاعي فقد بقي مشروعاً، لم تستطع العمدة تحقيقه لعدة اسباب:
عدم وجود الجهاز التعليمي المثقف حزبياً.
عدم وجود شروح للعقيدة والمبادئ والنظام مكتوبة على الاقل بخط اليد.
عدم وجود ميزانية كافية لتفريغ عدد من الرفقاء المؤهلين.
ولكن العمد الذين شغلوا هذه المسؤولية عبر تاريخ الحزب، استطاعوا في فترات الازدهار والراحة ان يحققوا هذا المشروع.
« اما لجنة الاذاعة والنشر، فقد كانت الغاية من تشكيلها حفز الطاقات والادمغة الحزبية لوضع كتاب على طريقة السؤال والجواب يلبي حاجات المذيعين حيثما وجدوا ويلبي حاجات الاعضاء اذ يكون بحجم كتب الجيب.
« تألفت اللجنة بعد ان اتسع الحزب وتبسط في شتاء 1935 بمرسوم من الزعيم، من الرفقاء التالية اسماؤهم، واكثرهم من الذين لمعوا في عالم الصحافة او عالم السياسة او عالم الادب: صلاح لبكي، فؤاد سليمان، محمد النقاش، محمود الحافظ، مأمون اياس، كنعان الخطيب، روبير ابيلا، منح الراسي..
كانت اللجنة تجتمع في دار مأمون اياس.
فطرحتُ عليها مشروعي اي تأليف الكتاب، وأضفتُ إليه ان المطلوب منها ابتكار افضل اسلوب للتبشير والتثقيف وادخال الاعضاء الجدد، وتصوّر الاسئلة التي يمكن ان يطرحها المرشحون والاجوبة التي يجب ان تعطى لهم.
« فإذا اكتمل المشروع بأن اصبح في جيب المذيع كتيب فيه شروح للعقيدة وللنظام بطريقة السؤال والجواب، واذا كان العضو القومي جُهّـز باسلوب حديث وجذاب لاقناع المواطنين، نكون قد بدأنا عملنا في عمدة الاذاعة لا ارتجالاً ولا اعتباطاً ولا كيفما اتفق، بل على اسس علمية نظرية وتطبيقية معاً.
واجتمعت اللجنة عدة اجتماعات.
« وعوضاً عن ان تتمحور اراؤها حول ما قدمت من خطة اذاعية، راح اعضاؤها، وكلهم من الجامعيين والمفكرين، يطرحون عليّ الاسئلة المحرجة عن صلاحيات الزعيم، وعن دستور الحزب، اي عن كل ما هو خارج عن نطاق الغاية من تأليف اللجنة التي كنتُ ارأسها بطبيعة وجودي على رأس العمدة.
« عيل صبري، اذ كنت احاول تحويل البحث الى اطاره الصحيح، فيسقط في يدي، لعناد الرفقاء اعضاء اللجنة الذين كنتُ عبثاً اسعى للضغط عليهم باسم النظام، فلما اعيتني الحيلة لجأت الى سعاده. كان ملجأنا جميعاً ساعة تضيق بنا الآفاق او ساعة نضيث ذرعاً ببعضنا او بأنفسنا.
وحضر سعاده ووضع الامور في نصابها. وبدأت المناقشات.
«وكدنا ان نصل الى بلورة هذه المناقشات في قواعد ومواد، فأقبل الصيف وتفرّقنا كل الى مصيفه، خاصة واكثر اعضاء اللجنة كانوا من الجامعة الاميركية، وفي العطلة الصيفية يعودون الى مناطقهم.
ولما رجع الرفقاء من عطلتهم ونوينا العودة الى الانتاج، انكشف امر الحزب وكانت اسماء اعضاء اللجنة الدليل الذي استندت اليه السلطات الفرنسية لملاحقتهم والقبض عليهم لان لجنة الاذاعة والنشر بدت للفرنسيين وكأنها الى جانب التنظيم العسكري العامود الفقري للحركة السورية القومية».
« وعن هذه اللجنة الاذاعية الاولى يقول الزعيم في مقال «النزعة الفردية في شعبنا» الزوبعة العدد 49، اول آب 1942 .
«والحزب السوري القومي نفسه لم يسلم في بداءة عهده من المصادمات الفردية العائدة الى تغلب النزعة الفردية على العاملين. ومن هذه المصادمات ما حدث في عهد اول لجنة اذاعية انشأتها عمدة الاذاعة بطلب من الزعيم، على عهد عميد الاذاعة الاول الاستاذ عبدالله قبرصي. فكل جلسة من جلسات هذه اللجنة كانت تتطور نحو المشاحنات الفردية على نظريات وآراء فردية يبديها اصحابها بكثير من الحدّة وبكثير من الاستخفاف الى درجة التهكم المستور او المعلن، حتى اضطر الزعيم للتدخل بنفسه في جلسات اللجنة المذكورة ولحلّ اللجنة اخيراً منعاً لاستمرار المنافسات الفردية. وقد اعطى الزعيم الاعضاء درساً وافياً تمّ حلّ اللجنة ووزع اعضاءها في اعمال كثيرة في لجان ومكاتب وادارات ولم يعودوا الى المنافسة، بل تغلبوا على النزعة الفردية وضبطوا شعورهم وسيطروا على ميولهم وصاروا جزءا من مجتمع واحد بالفعل وسادهم حب الوئام والتفاهم، والفضل في ذلك لوجود مرجع حكيم حازم يرجعون إليه ويولون الفصل في امورهم وتنظيمهم. ولولا هذا المرجع لكانت انتهت اعمالهم الى ما انتهت إليه اعمال سواهم من الفشل والتخاذل والانحلال»
هوامش:
1 – منح الراسي: من بلدة «ابل السقي» مرجعيون . اول من أنشأ صحيفة في بيروت باللغة الانكليزية . شقيقه الاديب المعروف سلام الراسي.
2 – كنعان الخطيب: يفيد الامين ابراهيم يموت في الصفحة 33 من مذكراته «الحصاد المر» ان الرفيق كنعان الخطيب كان استاذاً للغة العربية في القسم الاستعدادي IC في الجامعة الاميركية. كان الاستاذ كنعان الخطيب يجري لنا في الصف مباريات القافية الشعرية، وفيها يبدأ التلميذ ببيت من الشعر وعلى رفيقه من الفرقة الثانية ان يأتي ببيت يبدأ بقافية البيت الاول.
أذكر ان علي شاتيلا من الفرقة الثانية «انحشر» على بيت يبدأ بحرف النون .
وفجأة رفع اصبعه وطلب الكلام. أشار اليه الاستاذ خطيب ان يتكلم فتنطح عليّ وقال:
ناداني قلبي اليك لبيتو لمّا ناداني
وهو مطلع الاغنية الرائجة آنذاك لمحمد عبد الوهاب. فضحك الاستاذ وشاركناه كلنا بالضحك لطرافة هذا البيت من الشعر
الدارج غير المقبول في مثل تلك المباراة .
كنعان الخطيب كتلة من النشاط . يضفي على صفه جواً محبباً، فننتظر حضوره في لهفة. وهو، بالاضافة الى ذلك، المشرف
الفني على النشاط التمثيلي في المدرسة، ويقود التلامذة وقوفاً، بالاناشيد المدرسية في صالة الاجتماعات. حين يعتلي المنبر
ليقودنا في نشيد «موطني» او «نحن الشباب»، يصفّق له التلامذة فيسحب من جيبه عصاً صغيرة ويقودنا كما يفعل قائد
الاوركسترا.
كنعان الخطيب، بقدر ما كان يمثل لنا المعلم القدوة، المرح الممتلئ حيوية، صاحب الشخصية القوية، قدر ما كان تعيساً في
حياته العائلية. زوجته قوية متسلطة، تركية الاصل، تنغّص عليه حياته.
أخبار خلافاتهما كان يتداولها بعض التلامذة بشئ من النقمة على تلك المرأة التي تنغّص حياة الاستاذ المثال. طلّق الاستاذ
كنعان زوجته وتزوج من غيرها .
بعد توقفه عن التزامه الحزبي، اصبح مستشاراً لبعض افراد العائلة المالكة في السعودية ولبعض شركات النفط، وكان في بعض المناسبات شاعراً في البلاط ومرافقاً لبعض الافراد، توفي في 23 آب 1984.
3 – محمد النقاش: عنه يقول الامين عبدالله قبرصي في لقاء خاص معه بتاريخ 22/1/2003 انه صحافي مميّز. رافقنا في شهر
تشرين الاول 1936 الى «منطقة العلويين»، وهو الذي نقل الى «جريدة الاحرار» التي كان يعمل فيها، ما قاله لي احد الرفقاء
في صافيتا بعد ان ألقيت خطاباً حماسياً:
«يحرز دين قبرص يلّي طلعتك»
أهمل حزبياً، بعد أن توقف نسيبه زكي النقاش.