في ذكرى ثورة 23 يوليو وانتصار تموز… قوانين ومعادلات
معن بشور
في الذكرى 64 لثورة 23 يوليو الناصرية، والذكرى العاشرة لانتصار تموز في لبنان، والذكرى الثانية لانتصار غزة… نستلهم من وحي هذه المناسبات الخالدة، ومن سيرة هؤلاء الرموز الأبطال ملامح قوانين تاريخية لمرحلة تاريخية نهتدي بوحيها ونقرأ ما يجري حولنا في ضوئها، لا سيما حين تكون هذه القوانين – المعادلات هي وليدة التجارب الغنية التي مرّت بها أمتنا عبر ثورات وحركات وقادة كالذين نحيي ذكراهم اليوم.
أول هذه القوانين – المعادلات: إنّ أمتنا هي أمة مقاومة بامتياز، تقاوم التجزئة بالوحدة، والاحتلال بالنضال، والاستبداد بالحرية، والظلم بالعدل، والتخلف بالتنمية، والفقر بالكفاية، والجهل بالعلم، والتعصب بالانفتاح، والإحباط واليأس بالوعي والإيمان، والتبعية بالاستقلال، والاحتكار بتكافؤ الفرص، وأجواء الفتنة والغلو الدموي بالتماسك المجتمعي والتلاحم الوطني والقومي…
ثاني هذه القوانين – المعادلات: إنّ هناك ارتباطاً وثيقاً بين كلّ أشكال مقاومة الأمة لأعدائها، وانّ المشروع القادر على أن يربط بين أشكال المقاومة هذه هو المشروع النهضوي العربي الذي لا نهضة للأمة بدون اعتماده، ولا انتصار على أعدائها إلا من خلال الالتزام به ورفض مقايضة أيّ هدف من أهدافه بالآخر، انه مشروع الوحدة العربية والديمقراطية والاستقلال الوطني والقومي والتنمية المستقلة والعدالة الاجتماعية والتجدّد الحضاري.
ثالث هذه القوانين – المعادلات: إنّ أيّ انتصار لأمتنا على كلّ معوقات نهوضها وأعدائه، لا يتحقق إلا حين يلتقي كلّ المؤمنين بهذا المشروع والملتزمين به في إطار جهد سياسي وتنظيمي مشترك يوفر للنهوض أدواته، كما يوفر لهذا النهوض أهدافه المرحلية وبرامجه التفصيلية على مستوى الأمة، كما على مستوى القطر…
رابع هذه القوانين- المعادلات هو الوضوح في الأولويات ورفض أيّ عبث فيها أو تلاعب، فأولوية الأولويات في أمتنا هي مقاومة المشروع الصهيو استعماري في فلسطين وعلى مستوى الأمة وكلّ من يتخذه المشروع أدواتٍ له ويستخدمه لتحقيق أغراضه…
خامس هذه القوانين المعادلات: هو تراجع كلّ الاعتبارات الذاتية والفئوية والشخصانية أمام الاعتبار الوطني والقومي، فمن يغلّب المصلحة الشخصية أو الحزبية أو الفئوية على الصالح الوطني والقومي العام إنما يقود إلى خسارة الوطن والأمة، كما إلى خسارة الشخص نفسه أو الفئة أو الجماعة التي ينتمي اليها.
سادس هذه القوانين المعادلات: هي الربط الوثيق بين النضال الوطني والقومي لتحرير الوطن والأمة، وبين النضال الاجتماعي والسياسي لتحرير المجتمع من الاحتكار والظلم والفساد والاستبداد، بل بين مشروع التغيير الجذري وبين مادته وأدواته المتمثلة بالفئات الاجتماعية المضطهدة والمظلومة والمحرومة صاحبة المصلحة الأولى في التغيير والتحرير..
سابع هذه القوانين – المعادلات: إنّ تلازم معركتي التحرير والتغيير يستلزم التأكيد على البعد العربي الوحدوي الشامل لهاتين المعركتين، فأعداء الأمة يخططون على مستوى الأمة، وعلى شرفاء الأمة أن يتصدّوا لهم على مستوى الأمة أيضاً عبر صيغ العمل القومي المتعدّدة بدءاً بالمؤتمرات والملتقيات والمنتديات الجامعة إلى الجبهات والتجمّعات وصولاً إلى حركة عربية واحدة ذات استراتيجية قومية تقدّمية متكاملة…
ثامن هذه القوانين المعادلات: هو إدراك التلازم بين مشروع الأمة النهضوي وبين مخزونها الروحي والحضاري، لا لما يوفره هذا المخزون من طاقات روحية هائلة تزجّها الأمة في معركتها ضدّ أعدائها فحسب، ولا لما يحققه هذا التلازم من اتصال الأمة بتاريخها وتراثها والاستفادة من أنوارهما المشعّة فقط، بل أيضاً لتحرير هذا المخزون الروحي العظيم المتمثل بالإسلام، والرسالات السماوية كافة، من كلّ من يحاول تشويهه بالغلو والتطرف والتوحش في واحدة من أخطر الحروب على العروبة والإسلام التي شهدتها أمتنا. ولعلّ آخر جرائم هذه الجماعات البشعة المتمثلة بقتل الطفل الفلسطيني عبد الله العيسى من مخيم حندرات في حلب أسطع مثال على هذه الحروب.
تاسع هذه القوانين المعادلات: التأكيد على العمق الحضاري والاستراتيجي الإقليمي لأمتنا ولطبيعة التحديات التي تواجهها، فنحن أبناء أمة عربية واحدة، كما نحن أبناء إقليم حضاري وواقع استراتيجي واحد تجمعنا إليه روابط عقائدية وتاريخية متينة وآفاق استراتيجية ومصيرية واحدة، ولا يمكن لسياسة عابرة أو تناقض موقت أو مغامرة طائشة أو تصرف غير مسؤول أن يغيّر من هذه الحقيقة الثابتة، فكما أنّ العلاقات بين أبناء أمتنا العربية لا ينبغي أن تتأثر بجنوح هذا الحاكم وعدوانيته من جهة أو تبعيته وفساده من جهة أخرى، فإنّ العلاقة بين أمتنا وأمم الجوار الحضاري ينبغي أن تبقى فوق كلّ المنازعات والنزاعات الدائرة مهما بلغت حدّتها، وأن تخضع دائماً لقاعدة الحوار والمصارحة والمراجعة واحترام السيادة والمصالح المشتركة.
أما عاشر هذه القوانين – المعادلات: التي حمل رايتها كلّ من نحتفي بذكراه، ونحيي حضوره معنا اليوم،، فهو البعد الأممي والعالمي لمشروعنا النهضوي الحضاري الذي ما أزدهر مرة في أمتنا إلا وانتشرت أصداؤه في العالم كله، وما ابتعدت أمتنا يوماً عن رسالتها الإنسانية إلا ومنيت بالتعثر والانكسار… ألم تكن عالمية ثورة يوليو أحد مظاهر إدراك هذا البعد، كما ألم تكن أممية النضال التحرّري والمقاوم في فلسطين والعراق ولبنان وقبلها في الجزائر والمغرب وليبيا وتونس والسودان ودول الجزيرة والخليج هي التعبير الأسطع عن هذا البعد الذي نعيش هذه الأيام بعض أبرز عناوينه، لا سيّما في ظلّ تعاظم التأييد العالمي للحق الفلسطيني والذي نسعى بكلّ ما أوتينا من قوة لتطويره، دعماً لحقوقنا وحصاراً لأعدائنا…