ندوة في «الأميركية» حول التربية الإعلامية والرقمية

أدونيس كيروز

بين الإعلام التقليدي، والإعلام الإلكتروني، والثالث الرقمي، تحدّيات إما من أجل البقاء، أو من أجل التطوّر، ورُبّ تطوّر يكون وسيلةً ناجعةً من أجل البقاء.

عربياً، وفي ظل الأنواع الثلاثة من الإعلام، ثمّة تحديات من نوع آخر، إنها التحديات المفترضة لمواجهة الإعلام الغربي من ناحية، ورتابة الإعلام العربي من ناحية أخرى. فالغرب في تطوّر مضطرد، ويصوغ شتّى السبل من أجل تشويه صورة العالم العربي والشعوب العربية. بينما الإعلام العربي منغمس في الصراعات والنكايات والمناكفات وغارق في الانقسامات.

للسنة الثانية على التوالي، نظمت الجامعة الأميركية في بيروت ندوة حول التربية الإعلامية والرقمية، لتبث أنّ بيروت ما زالت تملك خصوصيتها المميزة في جذب الطلاب والأساتذة والباحثين من مختلف الدول العربية. فقد استطاعت بيروت، على رغم ما تعانيه المنطقة العربية من أزمات وصراعات سياسية وأمنية وعسكرية، أن تكون محطة بارزة للحوار والتلاقي لمجموعة من الأكاديميين من 23 جامعة عربية في مجال الإعلام، من لبنان وسورية والعراق والأردن وفلسطين ومصر واليمن وعُمان والإمارات العربية المتحدة. وأتاحت فرصة ثمينة لمناقشة رسائل الكراهية والانقسام والدمار المنتشرة في إعلامنا العربي، وفتحت حلقةً لنقاش التصوّرات والمقترحات التي قد تساعد في معالجة المشكلات ورسم خريطة طريق جديدة مبنيّة على الأمل والوحدة.

في دورتها الثانية هذه السنة، التي اختُتمت يوم السبت الفائت، ضمّت أكاديمية التربية الإعلامية والرقمية في بيروت خمسين أستاذاً وطالباً من مختلف جامعات الدول العربية. وتهدف أكاديمية التربية الإعلامية والرقمية في بيروت MDLAB إلى تعزيز تعليم التربية الإعلامية والرقمية في المنطقة العربية وتطويره، عن طريق توعية المواطن العربي وتحصينه ضدّ المغالطات والآراء المنحازة والكاذبة التي قد تبثّ في وسائل الإعلام العربية والعالمية.

ركّزت الأكاديمية هذه السنة على دراسة مواضيع تتعلق بالتغطية الإعلامية لانتهاكات حقوق الإنسان، أنماط ملكية وسائل الإعلام العربية، تصوير وسائل الإعلام للمجتمعات المهمشة، وسائل الإعلام والدين، خطاب الكراهية الطائفية وحرية التعبير، الإعلام والجنس وصورة الجسم وغيرها من المواضيع المهمة. وتضمنّت الأكاديمية دروساً تطبيقية وورش عمل يومية في مجالات التدوين، والبودكاست، وتحرير الصوت والصورة، وتحليل الشبكات الاجتماعية ومقارنتها من خلال استخدام برامج مختلفة، مثل «وورد برس»، «إينستاغرام»، «بكسلر»، «ساوند كلاود»، و«تويتر».

ضمّت الأكاديمية خبراء دوليين في مجال التربية الإعلامية والرقمية. أمثال الدكتور سات جالي، أستاذ مادة الإعلام في جامعة «مساتشوستس» والمؤسس والمدير التنفيذي لمؤسسة التربية الإعلامية في الولايات المتحدة الأميركية، والذي ناقش الدعاية والتغطية الإعلامية للصراع الفلسطيني ـ الصهيوني.

وأكّد الدكتور جالي أنّ لغة الخطابة المستخدمة من قبل المتحدثين الصهاينة لغة مدروسة جداً بطريقة تضمن فعاليتها على العقل الأميركي. وقال: «التغطية الإعلامية الأميركية للصراع في الشرق الأوسط مبنية على العلاقات العامة بين الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل، وإذا كنت تستطيع السيطرة على ما يقال في الإعلام، أو بعبارة أخرى «اللغة الإعلامية»، عندئذٍ يمكنك السيطرة على ما يظنّ الناس».

مديرة المركز الدولي للإعلام في جامعة «ميريلاند» وأستاذة الشؤون الإعلامية والعالمية في كلّية «فيليب ميريل» للصحافة في الولايات المتحدة الأميركية الدكتورة سوزان مولر، أعطت محاضرة عن قوّة الصور وعناوين الأخبار في توثيق انتهاكات حقوق الإنسان. وركّزت على تغطية خبر سقوط الطائرة الماليزية فوق أوكرانيا، واجتياح «إسرائيل» لغزّة، وناقشت الصور المستخدمة والعناوين التي استخدمتها الجرائد العربية والغربية في تغطية الحدث.

كما قدّم الدكتور بول ميهايليديس، أستاذ مساعد في الدراسات الإعلامية في قسم التسويق والاتصالات في كلّية «إيمرسون» في الولايات المتحدة الأميركية، محاضرة عبر «سكايب» حول التربية الإعلامية والرقمية، النشاط المدني، والمواطَنة العالمية.

وقدّمت الدكتورة كارولا ريشتر، وهي أستاذة مساعدة من جامعة «برلين الحرة»، محاضرة حول صورة الإسلام والمسلمين في وسائل الإعلام الألمانية، مشيرة إلى أنّ التلفزيون الألماني الرسمي يرسل رسائل عن العرب والإسلام، وغالباً ما ترتبط هذه الرسائل بالإرهاب والتطرّف. وعموماً، عندما يكون الحديث عن مواضيع مرتبطة بالإسلام، يكون الطابع المهيمن على الخبر على علاقة بالإرهاب أو اضطهاد النساء الاغتصاب/ القتل بدافع الشرف ، والتعصّب الديني.

وحاضر أيضاً في الأكاديمية بعض الباحثين العرب، كمصطفي حايد، مدير مؤسسة «دولتي»، وهي مؤسسة غير ربحية تعمل على التحقق من الاخبار المنتشرة في وسائل الإعلام المختلفة. وأشار حايد إلى أهمية التحقق من جميع الاخبار التي تنشرها وسائل الإعلام قائلاً: «يجب أن نذكّر أنفسنا بأننا دائماً بحاجة إلى التحقّق من المعلومات وعدم الاستناد إلى أي أيديولوجية نمتلكها». مضيفاً أنه يجب أن يكون المتلقّي مشكّكاً بالخبر أو بالمعلومات التي يقرأها حتى لو كان هناك رغبة شخصية في أن يكون هذا الخبر حقيقي.

كما شاركت الدكتورة إرادة زيدان، أستاذة، ورئيسة تحرير مجلة «بحوث» الصادرة عن كلّية الإعلام في جامعة بغداد، وقدّمت محاضرة حول صورة المرأة العربية في وسائل الإعلام، مشيرةً إلى أنّ الإعلام العربي غالباً ما يصوّر المرأة على أن دورها في المجتمع يقتصرعلى شكلها وواجبها وتضحياتها، وأن تكون زوجة وأمّاً لأطفال. وأكدت الدكتورة زيدان أنّ المجتمع العربي بحاجة إلى توعية دائمة، مشيرة إلى الدور المركزي الذي تلعبه أكاديمية التربية الإعلامية والرقمية قائلة: «في خضمّ الاغراق المعلوماتي والفائض الاتصالي، تكون الحاجة إلى آليات للتحليل ومنظورات للتفكير النقدي كبيرة جدّاً. أعتقد أنّ بإمكان الأكاديمية أن تمضي في هذه الطريق لنشر مثل هذه الثقافة، ليس فقط في الوسط الإعلامي، إنما بين الموظفين الذين يستعملون التقنيات الرقمية للاتصال والتواصل».

كما ساهم في الأكاديمية الدكتور حاتم هبري، أستاذ مساعد في برنامج الدراسات الإعلامية في الجامعة الأميركية في بيروت، وباحث في تاريخ الإعلام التكنولوجي وعلاقته بالمناطق الحضارية في الشرق الأوسط، وقدّم نقاشاً حول جذور الطائفية في بلاد الشام وعلاقتها بالعنصرية، وقال: «إنّ معظم الحركات السياسية الطائفية كانت السبّاقة في دراسة الإعلام والتربية الإعلامية وأثرها على الجمهور».

الدكتور نبيل دجّاني، الأستاذ في قسم الإعلام في الجامعة الأميركية في بيروت، قدّم محاضرة انتقد فيها المبالغة المفرطة في نسب أسباب قيام الانتفاضات أو الثورات العربية إلى مواقع التواصل الاجتماعي.

كما شاركت الدكتورة عبير نجار، أستاذة مساعدة في الجامعة الأميركية في الشارقة، في نقاش حول العوامل التي تؤثر في بناء الأخبار والبرامج الإخبارية، ووجّهت رسالة إلى الإعلاميين والأكاديميين المشاركين بأن عليهم كصحافيين أن يطرحوا أسئلة موضوعية حتى لو كان لديهم آراء مختلفة، وذلك للحفاظ على المهنية. وأضافت: «كصحافيين، علينا ألّا نتأثر بأيّ جانب، وعلينا أن نعمل جاهدين للحصول على الحقيقة».

كما شارك كتّاب المونيتور وبعض المساهمين فيه أمثال: مشرق عباس العراق وعلي هاشم لبنان ، إضافة إلى ولاء حسين ومهند صبري مصر ، بحلقة نقاش أدارتها ماريتا قسيس، مديرة تحرير «المونيتور» في مقرّه في بيروت عن كيفية تقديم تقارير إخبارية من الميدان.

وقال الدكتور صالح مشارقة، أستاذ الإعلام في جامعة بير زيت فلسطين ، ومنسّق وحدة الأبحاث والسياسات في مركز تطوير الإعلام في الجامعة معلقاً على المحاضرات والمواضيع التي جرى التطرّق إليها: «محاضرات معمّقة وجدل جديد عن علاقات قوّة وأدوات قوة في الإعلام متروكة للمهيمنين، يتصرفون بها كيفما أرادوا، بينما الجمهور يكون آخر من يأخذون برأيه، كأنه تابع ومستسلم. وعلى الصحافيين دفعه إلى التحرّك للمطالبة بإعلام جديد ديمقراطي وحرّ من السلطات السياسية والتجارية والثقافية».

أمّا أحمد اليازوري من فلسطين، وهو أحد الطلاب المشاركين في الاكاديمية، ويعمل صحافياً وكاتباً حراً متخصّصاً في القضايا الاجتماعية والثقافية في فلسطين والعالم العربي. وقد كان قد حصل على شهادته من الجامعة البريطانية في مصر، فقال: «أنا سعيد جداً بمستوى النقاش والمواضيع التي تتطرّقت إليها الأكاديمية والتي هي قادرة على بناء جيل جديد من الإعلاميين القادرين على مواجهة الآثار السلبية للإعلام الرقمي والتقليدي».

استمرت الأكاديمية لمدة أسبوعين من 10 إلى 23 آب، برعاية مؤسّسات المجتمع المفتوح، وموقع «المونيتور» الإلكتروني، والهيئة الألمانية للتبادل العلمي «DAAD»، وأدارها فريق من الأكاديميين في الجامعة الأميركية في بيروت، يترأسه الدكتور جاد ملكي والدكتورة مي فرح، وتديره لبنى معاليقي، إضافة إلى أساتذة الجامعة الأميركية توني أوري والدكتور حاتم الهبري.

إنّ الحماسة والرغبة في معرفة المزيد عن وسائل الإعلام والتربية الرقمية بين المشاركين هذه السنة خلقت لدى المشاركين والأكاديمية والمحاضرين شعوراً من التفاؤل حول مستقبل التربية الإعلامية والرقمية في المنطقة العربية، لا سيما في ضوء الوضع المزري الذي تمر به المنطقة. ويشار إلى أنّ أكاديمية التربية الإعلامية والرقمية، هي مبادرة من برنامج الدراسات الإعلامية في الجامعة الأميركية في بيروت. وأطلِق هذا المشروع قبل سنة في شهر آب، بالترافق مع إطلاق برنامج بكالوريوس جديد في الإعلام والاتصال في الجامعة. ويقدّم برنامج الدراسات الإعلامية حالياً شهادات بكالوريوس وماجيستر ودبلوم في الدراسات الإعلامية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى