في قانون الانتخاب… هل تكون الكلمة الأخيرة للشارع؟
د. عصام نعمان
ينطق حاضر لبنان بحقيقة جارحة هي أنه بات في حال اللادولة، أو في حال «الدولة الفاشلة»، على حدّ تعبير مجلة «فورن بوليسي» Foreign Policy الأميركية، إذ يحتلّ المرتبة 18 من أصل 60 دولة في وضع مماثل. استمراره في هذه الحال، وسط الأزمات والتحدّيات الإقليمية والدولية المتفاقمة، يُشكّل خطراً ماثلاً على كيانه الوطني وقد يتسبّب، عاجلاً أو آجلاً، بانهياره.
تفادي الانهيار يتطلّب قيام مبادرة وطنية نهضوية خيارُها الانتقالُ من حال اللادولة الطوائفية الفاسدة الى الدولة المدنية الديمقراطية، ونهجُها تنفيذُ جوهر التسوية التاريخية المتمثلة باتفاق الوفاق الوطني الطائف الذي أُدمجت أحكامه الأساسية في صلب الدستور، ولا سيما المادتين 22 و 95 منه.
التوجّهات
لعلّ المنطلق الأفضل للمبادرة الوطنية النهضوية المطلوبة هو في قيام القوى والقيادات الوطنية الديمقراطية في المجتمع السياسي، كما الهيئات والنقابات الناشطة في المجتمع المدني، بإطلاقها وفق التوجّهات والأسس الآتية:
اعتبار الدولة المدنية الديمقراطية جوهر طموحات اللبنانيين ورسالتهم الى عالم العرب.
الإقرار بالتعدّدية كخصوصية لبنانية ومصدر ثراء حضاري، واعتماد الديمقراطية قاعدةً لإدارة التنوّع وضمانة للنظام السياسي الأفضل للبلاد.
بناء مفهوم المواطنة بتجاوز الطائفية تدريجاً في الدولة والمجتمع من خلال خطط مرحلية تتناول ميادين السياسة، التربية والتعليم، الثقافة، أنشطة المجتمع المدني، مساواة المواطنين أمام القانون، ومكافحة التمييز بكلّ أشكاله.
كفالة حرية العقائد الدينية أمام القانون، وممارسة شعائرها شرط عدم الإخلال بالنظام العام.
تكريس حياد الدولة بين المؤسسات الدينية.
سنّ قانون مدني اختياري للأحوال الشخصية.
اعتماد نظام اللامركزية الإدارية في ظلّ سلطة مركزية قوية.
وضع قانون ديمقراطي للأحزاب والجمعيات.
دعم استقلال السلطة القضائية بتمكين القضاة من انتخاب غالبية أعضاء مجلس القضاء الأعلى بصفته المرجع المختص بتعيين القضاة ونقلهم وترقيتهم وتأديبهم وتحديد تخصصاتهم.
اعتماد نظام التمثيل النسبي بما هو مدخل لعملية الإصلاح السياسي وضمانة لإدارة التنوّع في ظلّ نظامٍ ديمقراطي.
الانتخابات ونظامها
يتجلّى عمق الأزمة واستفحالها بعجز السلطة السياسية عن الوفاء باستحقاقات عدّة أبرزها انتخاب رئيس الجمهورية بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان أواخرَ شهر أيار 2014، وإجراء الانتخابات النيابية بعد انتهاء ولاية مجلس النواب منتصفَ شهر حزيران 2013. من هنا فإنّ إحياء الحياة السياسية الدستورية والخروج من الأزمة يبدأ بإجراء انتخابات نيابية على أساس قانونٍ للانتخاب يتفادى أخطاء تجارب الماضي من جهة ويكفل الالتزام بأحكام الدستور وتحقيق الإصلاحات المرتجاة من جهة أخرى.
لعلّ نظام التمثيل النسبي على أساس لبنان دائرة انتخابية واحدة يكفل أكثر من غيره تفادي الأخطاء وتحقيق المرتجيات والتزام أحكام الدستور من حيث:
معالجة انقسام اللبنانيين وتشرذمهم بأن يضعهم، مجتمعين، على مستوى الجمهورية برمّتها أمام التحديات والصعوبات نفسها، ويمكّنهم مجتمعين أيضاً، من أن يختاروا من بين الكتل والبرامج السياسية المتنافسة مَن هو الأفضل لمعالجتها وإيجاد الحلول لها.
تطبيق مضمون المادة 27 من الدستور التي تنصّ على أنّ النائب يمثل الأمة جمعاء كي يصبح بإمكان المواطنين جميعاً، في إطار الدائرة الوطنية الواحدة، ممارسة حق الانتخاب، والإفادة من إلغاء التفاوت غير الدستوري في أحجام الدوائر الانتخابية وعدد الناخبين، كما عدد المقاعد النيابية في كلّ منها عند اعتماد نظام التمثيل الأكثري، وتعطيل دور المال السياسي في الانتخابات.
تسهيل تطبيق المادة 22 من الدستور التي تقضي بانتخاب مجلس نيابي على أساس وطني لاطائفي ومجلس للشيوخ لتمثيل الطوائف.
حصر صلاحيات مجلس الشيوخ بالقضايا الأساسية معظمها وليس كلها المنصوص عليها في المادة 65 من الدستور، على أن تبقى لمجلس النواب صلاحية تشمل جميع وجوه التشريع كونه صاحب ولاية شاملة في هذا المجال.
الإسهام، بعد استحداث مجلس الشيوخ، في حصر التمثيل الطائفي والمذهبي في المجلس المذكور على أساس المناصفة المنصوص عليها في المادة 24 من الدستور.
تحقيق عدالة التمثيل الشعبي بتنظيم الانتخابات في الدائرة الوطنية الواحدة على أساس تنافس لوائح تكتلات وائتلافات مرشحين لكلٍّ منها برنامج سياسي، فيقترع الناخبون لواحدةٍ منها، مع حق الناخب بصوت تفضيلي لأحد مرشحيها، وتفوز كلّ لائحة أو تكتل بنسبة مئوية من المقاعد النيابية تعادل النسبة المئوية التي تنالها من مجموع عدد المقترعين.
الحؤول دون قيام الطوائف والمذاهب بالتصويت لكتلة واحدة صمّاء او باتجاه واحد، كما في النظام الأكثري الأمر الذي يفسح المجال لمختلف الجماعات والتيارات داخل الطائفة والمذهب الواحد، كما لسائر الفئات، للمنافسة ويؤدّي الى تفتيت ايّ أكثرية طائفية او مذهبية الى مجموعة أقليات سياسية قادرة على ان تتمثل في مجلس النواب اذا نالت عدداً من الأصوات يفوق نصاب الإبعاد او العتبة القانونية المقرّرة للفوز .
تأمين صحة العملية الانتخابية، ولا سيما إذا جرى اعتماد الإصلاحات التنظيمية المنصوص عليها في توصيات اللجنة المختصة بإصلاح قانون الانتخاب المعروفة باسم لجنة فؤاد بطرس.
إقرار قانون الانتخاب الجديد على الأسس المبيّنة آنفاً بالسرعة الممكنة للإسراع في إعداد الموظفين وتدريبهم على تنفيذ أحكامه وترتيباته قبل حلول موعد الانتخابات المقبلة خلال ربيع العام 2017.
تمكين مجلس النواب الجديد من انتخاب رئيس الجمهورية اذا لم يكن قد انتُخب بعد وانبثاق حكومة جديدة منه تكون أُولى أولوياتها وضع التشريعات والترتيبات اللازمة لتطبيق أحكام المادة 22 من الدستور.
المقاربة
لعلّ الطريقة الأقصر لتحقيق الخطوات والإصلاحات السابقة الذكر هي اضطلاع طاولة الحوار الوطني، وبالتالي مجلس النواب بالمسؤولية الوطنية والدستورية الملقاة على عاتق أهل القرار لجهة إقرار التشريعات واتخاذ القرارات ذات الصلة. ذلك أنّ أيّ تقصير في هذا المجال سيزيد الأزمة الراهنة تعقيداً واستفحالاً ما يؤدّي الى انهيار الكيان الوطني. وفي هذه الحال تنتقل مسؤولية الإنقاذ والإصلاح من المجتمع السياسي وقياديّيه الى المجتمع المدني وقواه الشعبية ونقاباته وقياداته الفاعلة.
استعداداً لهذا الاحتمال الماثل، اجتمع ممثلو أكثر من 30 حزباً وتنظيماً سياسياً وهيئة من منظمات المجتمع المدني وتوافقوا على إقامة «هيئة التنسيق الوطنية من أجل النسبية» لتحقيق مطلب مركزي واحد: «التمثيل النسبي في دائرة وطنية واحدة خارج القيد الطائفي». وقد قرّرت الهيئة تنظيم اعتصام شعبي كبير في 2 آب المقبل في بيروت، أيّ في أول أيام انعقاد «طاولة الحوار الوطني» الرسمية التي يأمل راعيها، رئيس مجلس النواب نبيه بري، أن تنجح بعد مخاضها الطويل في التوافق على مشروع قانون جديد للانتخابات.
الحاكمون يأملون، والمحكومون يستبعدون، نجاح أهل سلطة العجز في تحقيق ايّ إصلاح في ظلّ حال اللادولة والفوضى التي يرتع فيها لبنان. فهل تكون الكلمة الأخيرة للشارع الوطني؟
وزير سابق