أيّ توازن عسكريّ يمكن أن يسرّع عقد جنيف 3؟!

سعد الله الخليل

تشتعل محاور المواجهة الرئيسية في سورية على الجبهات الحدودية، في مسعى إلى تحقيق المجموعات الإرهابية المسلحة نصراً ميدانياً، يعيد توازانات ما بعد سقوط يبرود، تزامناً مع مساع سياسية معارضة وإعلامية مناصرة توحي امتلاكها نقاط قوة تستثمرها في مباحثات جنيف 3 التي ترافق الترويج لقرب انعقادها.


أعنف المعارك الميدانية تشهدها الغوطة الشرقية وريف دمشق على محاور زبدين وجسرين وعين ترما وجوبر ومحور الصرخة رنكوس، ولعل الخسائر البشرية التي مُنيت بها المجموعات المسلحة خلال الأيام الماضية، معلنةً عن مقتل قياديين بينهم قائد كتائب فجر الإسلام الملقّب بـ«أبو فهد بكرية»، تكشف عن حجم الضربات التي تتلقاها تلك المجموعات، ما دفع تنسيقيات المعارضة على صفحات التواصل الاجتماعي تطلق نداءات استغاثة تطلب الدعم.

تبدو معركة ريف دمشق بلا أفق استراتيجي يمكن الاستثمار عليه، فمع تضيق الخناق على المليحة التي تشكل مقراً لأخطر المجاميع الإرهابية عدداً وتسليحاً، تتحول مراكز سيطرة المجموعات المسلحة إلى بؤر تفتقر إلى التواصل ،ما يعني قدرة الجيش على تجفيفها عبر تضييق الخناق عليها بعد قطع صلة الربط بين الغوطتين الشرقية والغربية التي تؤمنه المليحة ،ومع فقدانها تبتعد عن نقاط مشرفة على المدخل الجنوبي الشرقي لدمشق وطريق المطار، ما يصعّب أي محاولة للهجوم على قلب العاصمة دمشق لإحداث انقلاب في الموازين.

في الجنوب برزت العمليات المدعومة أردنياً في مدينة درعا التي نجحت في تحقيق تقدم في بعض المناطق داخل المدينة، تزامن مع ترويج إعلامي بإعادة أميركا النظر في تسليح المعارضة السورية عبر البوابة الأردنية ومنح جماعات المقاتلين التي تعتبرها الولايات المتحدة معتدلة، وهي موجودة بمعظمها في الأردن وعلى الحدود الجنوبية السورية، ما ساهم في ارتفاع منسوب الحملة الإعلامية المسوقة لنصر قريب ينهي معركة درعا، إلاّ أن المواجهات سرعان ما خفت وطأتها وتوقف التصعيد الأردني مع استهداف الجيش قوافل مسلحين فور دخولها الحدود، مع ما حملته من رسائل سياسية ذات غطاء عسكري دفعت الأردن إلى نقل رسالة إلى ائتلاف الجربا تطالبه بالالتزام بسرية زيارات قياداته للأردن.

لم تكن جبهة الحدود الشمالية أخف وطأة من الجنوبية ولا التورط التركي أقل من نظيره الأردني، فخلال الحملة الانتخابية التركية بدا أردوغان كأنه في ساحة حرب مفتوحة، يخوض معركته الأخيرة، فالمسألة السورية بالنسبة اليه مسألة حياة أو موت، لإحداث نصر سريع فتح أقرب نقاطه الحدودية لمدينة اللاذقية عبر كسب، على أمل وصول المجموعات المسلحة اليها. وترافقت الحملة مع ترويج اعلامي بأن سقوط اللاذقية يسقط النظام في دمشق. ورغم سيطرة الجماعات على عدد من القرى إلاّ أن المعارك الدائرة في ريف اللاذقية سرعان ما أوقفت التمدد المسلح وحصرته بمحيط كسب، مع توجيه الرسائل الواضحة عقب إسقاط الطائرة السورية والتي لم تثنِ الجيش السوري عن استهداف أي تقدم للمجموعات القادمة من تركيا، ما دفع الأتراك إلى وقف التدفق المسلح عبر الحدود في اتجاه كسب، في حين تحاول تركيا الالتفاف في تورّطها إلى جبهة الحدود المتاخمة لإدلب، حيث كشف مصدر دبلوماسي أوروبي عن تزويد اردوغان فصائل المعارضة المسلحة السورية سلاحاً أميركياً متطوراً، لقلب موازين القوى بمنحها صواريخ «تاو» لكتيبة «فاروق الشمال» في ريف إدلب وغيرها من الكتائب التي تتبع الاستخبارات التركية ، ما يكشف عجز إمرار هذه الأسلحة لجبهة كسب التي تعني التركي أكثر مما تعنيه جبهة إدلب، وبذلك يتبدّى العجز التركي عن إحداث أي تقدم استراتيجي.

لم تكن حمص في منأى عن المواجهات، فالأيام الماضية شهدت مواجهات نارية سقط خلالها عشرات المسلحين يومياً في أحياء القرابيص وجورة الشياح والوعر عبر المواجهات المباشرة ،أو أثناء تفخيخ السيارات، ما يعكس حالة تلك المجموعات على الأرض.

جبهات تسعى المعارضة إلى الترويج لنصر قادم عليها تستثمره في حال انعقد جنيف 3 ،مع كلام صريح لقيادات غربية بأن انعقاده مرهون بإعادة التوازن. ومع الإخفاقات وانسداد أفق المعارضة أمام نصر يعيد شيئاً من التوازن، يبقى السؤال أي توازن ممكن أن يعقد جنيف 3. قد تأتي الإجابة في الأيام المقبلة: لا جنيف 3.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى