«انقلاب» بعِلم أردوغان ولفائدته
جاك خزمو
بعد مرور عشرة أيام كاملة على «الانقلاب» العسكري الفاشل جداً في تركيا، وبعد موجة من الإقالات والتوقيف والاعتقال لعشرات الآلاف من الأتراك، واستغلال «الانقلاب» للانتقام من معارضيه، يمكن القول وبكلّ صراحة وتأكيد انّ هذا «الانقلاب» لم يكن مفاجئاً للرئيس التركي طيب رجب أردوغان، بل كان يتوقعه، ويعلم عنه كلّ العلم، وتركه لينفذ حتى يجني ثماره. وليس هذا اتهاماً لأردوغان لأنّ هناك ما يؤكد علمه به، ومن أهمّ علامات ودلالات ذلك ما يأتي:
أولاً: لو كان الانقلاب حقيقياً ومفاجئاً، لما قام أردوغان بمغادرة جزيرة مرمريس في انطاليا والعودة الى اسطنبول عبر الطائرة، ولكنه كان مطمئناً إلى أنه سيصل سالماً، رغم أنّ قائد سلاح الجو هو من المتهمين البارزين للقيام بهذا الانقلاب، ورغم أنّ الطائرات الحربية المعادية له كانت تحلق في سماء المدن.
ثانياً: لماذا توجّه أردوغان الى اسطنبول ولم يتجه بطائرته الى أنقرة مركز رئاسته وحكومته. والدليل على ذلك أنّ الانقلاب انحسر في بدايته في أنقرة ذاتها!
ثالثاً: لم يستمرّ الانقلاب إلا بضع ساعات، وبعد فشله قام أردوغان بعزل آلاف القضاة ورجال جيش وأمن كثيرين، مما يعني ذلك أنّ قوائم المشاركين في الانقلاب معدّة مُسبقاً.
رابعاً: لماذا أصدرت وزارة الخارجية الأميركية قبيل فترة قصيرة جداً تحذيراً لرعاياها بعدم التوجه الى تركيا، مما يعني أنها كانت على علم بحدوث أمر ما فيها.
خامساً: لماذا قام أردوغان باتهام غريمه السياسي المقيم في أميركا منذ أكثر من 17 سنة، وهو فتح الله غولن، بعد ساعات قليلة من انطلاق الانقلاب، وخلال كلمة ألقاها على أبناء الشعب التركي فجر السبت 16/7/2016، أيّ أنه كان يعلم حسب كلمته بأنّ انقلاباً يدبّر ويعدّ بالتنسيق مع غولن!
سادساً: لماذا وصف «الانقلاب» بأنه هدية من الله ليُطّهر الجيش ومؤسسات الدولة من المعادين والمناوئين له. وما قاله يعنيه، أيّ أنه انتظر الانقلاب الذي علِم به كي يحقق أهدافه.
سابعاً: القوائم الكبيرة السوداء المُعدّة سلفاً من قبل جهاز الأمن أو المخابرات الخاصة بحزب العدالة والتنمية تُؤكد أنّ أردوغان كان يتوقع الانقلاب.
ثامناً: هذا الكمّ الكبير من المتهمين بالمشاركة أو التخطيط للانقلاب يعني أنه لم يكن الانقلاب سراً ومفاجئاً، إذ كان يعرف به مئات وآلاف الضباط، وبالتالي لا بدّ أنه، وهذا مؤكد، علم به واستعدّ لمواجهته وإفشاله.
تاسعاً: مصادر غربية عليمة أكدت أنّ الرئيس أوباما، أوعز الى القائد العسكري الأميركي في قاعدة «انجرليك» التركية بإعلام قائد القسم التركي من القاعدة، وهو قائد الانقلاب حسب ما تبيّن في ما بعد، أنّ الإدارة الأميركية ضدّ الانقلاب، وهذا الإيعاز أحبط الانقلابيين لأنّ أميركا وقفت ضدّهم أو لم تُؤيدهم!
عاشراً: حسّن وطوّر علاقات تركيا مع كلّ من «إسرائيل» وروسيا حتى يضمن أنّ له أصدقاء ومؤيدين بعد أن يتخذ أردوغان إجراءات لتعزيز سيطرته وهيمنته على نظام الحكم في تركيا إذ كان يتوقع وقوف الاتحاد الاوروبي ضدّ هذه الممارسات بحق مناوئيه، مدّعياً انها لحماية الديمقراطية في تركيا، وأنه ديمقراطي والانقلاب جاء ضدّ الديمقراطية وليس ضدّ حزبه!
استناداً الى ما ذكر، فإنّ أردوغان لم يخطط لهذا الانقلاب بل كان يعلم به، وأرخى الحبل لوقوعه واستعدّ لمواجهته، لأنه بعد إفشاله يستطيع قطف ثمار عديدة له ولحزبه، وهذا ما تمّ ويتمّ حتى الآن!
ناشر ورئيس تحرير
«البيادر» ـ القدس