لماذا النظام السوري ضرورة إقليمية وتاريخية؟
د. وفيق ابراهيم
يكشف تحليل العلاقات بين القوى الدولية والإقليمية الداعمة لقوى التكفير في سورية، مع إقليم المشرق العربي، مدى ابتعاد الأحداث عن أي مشروع تغيير فعلي وارتباطه بمصالح القوى العظمى فقط. وهذا يتيح لنا الجزم بأن المنظمات المحلية ليست إلاّ أدوات لإعادة تجديد ما انقضى من استعمار واستبداد وهيمنة.
أليست أوروبا وتحديداً اليونان والرومان والفرنجة والفرنسيون والبريطانيون هم الذين تداولوا استعمار الإقليم العربي منذ آلاف السنين وحتى الحرب العالمية الثانية. ألم ترثهم الولايات المتحدة التي تنشر اثنتي عشر قاعدة عسكرية في الخليج وحتى في الأردن، بتسليح هو الأكثر فتكاً وتدميراً!
أليست تركيا وريثة العثمانيين الذين احتلوا المنطقة واستباحوها أربعة قرون متتالية بالحديد والنار؟
تضاف إلى ما تقدم وضعية بلدان الخليج التي يجمع المراقبون الغربيون والشرقيون على أنها مجرد أدوات مجمدة تنفذ ما تريده السياسة الخارجية الأميركية.
لذلك اجتمعت هذه القوى على التآمر على سورية متقدمة بمشروع إسلامي تارة، وآخر تغييري تارة أخرى، باسم قرون وسطى تنبثق من عفن التاريخ، والسبب أن نظام الأسد أربك الأميركيين في العراق وحاربهم في غزة إلى جانب المقاومة الفلسطينية وهزم صنيعتهم «إسرائيل» في جنوب لبنان مع حزب الله.
للإنارة على ديماغوجية الغرب، يكفي القول إن المشروع الذي تحمله قوى التكفير في سورية يستند إلى أحكام الخوارج وفق ابن تيمية، وصولاً إلى الباكستاني أبي اليعلى المودودي، انتهاء بمنتحل صفة مفكر محمد بن عبد الوهاب.
يقسّم هذا الفكر الناس إلى فئات ثلاث: المؤمنون وهم الوهابيون حصراً، والمسلمون الجاهليون الذين ينتمون إلى المذاهب السنية والشيعية بأكملها، والكفار الذين ينتسبون إلى كل الأديان غير الإسلامية. وباستثناء الوهابيين كل ما تبقى ليسوا إلاّ كفاراً يجب قتلهم بحد السيف. ويعتبر الوهابيون في السعودية وقطر وسورية أن العالم الغربي كله كافر. أي الأميركي والأوروبي والروسي والصيني والهندي والياباني إلخ، إلى جانب المسلمين في البلدان الأخرى.
فكيف نصدق أن بلداننا غربية تدعم من يريد إبادتها وتكفيرها… وكيف نصدق الدعم الوارد من مملكة آل سعود وإمارة قطر وخلافة أردوغان لمن لا يدرجهم في عداد الناجين ويعتبرهم أهل جاهلية وكفاراً.
لذلك يجيز لنا المنطق الاستنتاج أن الداعم والمدعوم ليسا سوى مجموعات متناقضات اضطرتها قوة النظام السوري وتحالفاته إلى الاندماج الموقت للاتفاق ضد ثالث هو النظام السوري وبالتالي سورية.
الأسباب واضحة، فالقوى الغربية لا تعتقد أن قوى التكفير يمكن أن تصبح قوى بناء فتستعملها للهدم ثم تنقضّ عليها وتبيدها آنفاً. ولأن النظام السوري بقيادة الأسد أكثر خطراً منها على النفوذ الغربي، بالتالي يجب تدميره لإعادة تجزئة المنطقة وتشظيتها إلى وحدات يسهل إدارتها في مرحلة ضعف الإمبراطورية الأميركية.
لذلك لا يخطئ المحللون الذين يعتبرون النظام السوري تاريخياً إذ يقف في مرحلة حساسة لإعادة صوغ علاقات جديدة بين العرب والعالم. وهي مرحلة وهن الإمبراطورية الأميركية واتجاه العالم إلى تعددية القطب مستفيداً من الوقفة السورية الشجاعة واستبسال حزب الله والدعم الإيراني والحنكة الروسية.
والنظام السوري ضرورة إقليمية لأنه يدافع باسم التاريخ عن إقليم المشرق العربي الذي قال الرئيس الراحل عبد الناصر إن دمشق هي قلبه النابض.
في المحصلة، قد لا تكفي تحليلات المستشيرين، لكن الذي يؤكد عليها هو الجيش العربي السوري الذي يواصل تحقيق الانتصارات لأجل الشعب السوري والإقليم العربي والتاريخ.