الربيع الأميركي والحروب الجديدة 3
عامر نعيم الياس
نزع الغرب في توصيفه للأحداث المأساوية التي تمرّ بمنطقتنا على أنها حرب أهلية قلنا في الجزء الثاني من مقالاتنا المخصصة لمقاربة هذا الملف، إنّ السبب وراء ذلك يعود إلى التعريف، أيّ «انفلات الحروب الأهلية من أيّ منطق أو قانون وعدم خضوعها لاتفاقيات جنيف الخاصة بحقوق الإنسان»، ونستمرّ اليوم في تحديد سمات هذه الحروب «الأهلية» والتي يبدو أنّ تسميتها لا تتعلق فقط بتبرير المذابح والانتهاكات التي تحصل خلالها، ووضعها والمسؤولين عنها والداعمين لها خارج إطار المحاسبة، أي محاسبة، بل تتعدّاها إلى النتائج التي تخرج بها هذه الحروب بما في ذلك إمكانية إبرام اتفاقات من نوع ما وذلك في إطار احتواء أمراء الحرب وما يمكن تسميته بعملية تحويلهم من قتلة إلى زعماء سياسيين وربما، كما يحصل اليوم في بلادنا، إلى ثوار من أجل الحرية التي نعيش وسط نسائمها، وفي سياق ما سبق يقول ستاثيس كاليفاس أستاذ العلوم السياسية والمدرّس في جامعة ييل الأميركية في مقال له ترجمته مجلة «ضفاف» السورية «إن اتفاقية 1999 التي أنهت الحرب الأهلية في سيراليون لاقت معارضة شديدة من نشطاء حقوق الإنسان والصحافيين وصنّاع القرار الذين اعترتهم قناعة بأنّ المتمرّدين ليسوا ثواراً سياسيين، بل مجموعةً من المجرمين العنيفين. ولذلك كان من غير الأخلاقي أن يتمّ منحهم العفو، أو أن تتمّ دعوتهم إلى المشاركة في الحكومة الجديدة».
الواقع الذي نعيشه في سورية تحديداً ينطبق عليه أحد نعوت الإرهاب والمسمّى «الإرهاب التمرّدي» والذي يجعل من التمرّد، وهو مصطلح الإدارة الأميركية لتوصيف ما يجري في سورية، «مشروعاً إجرامياً» بامتياز تقوم صفاته على الآتي:
الانتقال من السعي لتحقيق العدالة الاجتماعية وإعادة توزيع الثروة الوطنية إلى ما يدعوه كاليفاس «السعي للنهب»، وإدارة عمليات تهريب واستنزاف للثروة الوطنية من وراء الحدود.
تراجع الدعم الشعبي للمتمردين الجدد لانتفاء الإيديولوجية السياسية والاعتماد على الرواسب الإثنية الموجودة في الفكر الجمعي للمجتمعات المتخلفة تحديداً.
انفلات العنف من أي سياق وشرعنة الإرهاب التمردي باعتباره وسيلةً لتحقيق غاية ما.
الحرب الحالية التي تدور رحاها في أكثر من منطقة جغرافية تبرر من حيث الشكل والمضمون بانخراط ميلشيات مسلحة وأمراء حرب يقودون عصابات في القتال، وبالتالي لا تملك هذه الحروب نهايةً واضحة ولا تعدّ أداةً سياسية للوصول إلى هدف ما، بل هي حرب لمجرد حرب تسعى الميليشيات المنخرطة فيها إلى إطالة أمدها أطول فترة ممكنة لاستمرار النهب والسلب والتحكم والسيطرة على منطقة ما، وعند هذه النقطة يرى هانز انزنسبيرغر مؤلف كتاب «الحروب الأهلية من لوس أنجلوس إلى البوسنة» أن النموذج الإجرامي «يتّخذ أشكالاً متعددة، فالفئات المتنافسة في الحروب الأهلية الجديدة هي عصابات متحاربة… إن ما يقدّم لحروب هذه الأيام ويعدّ منعطفاً جديداً ومرعباً، هو أنّ هذه الحروب تمّ إطلاقها بدون رهانات من أيّ من الأطراف، وأنّ هذه الحروب عملياً تدور حول لا شيء»، في حين يصف روبرت كابلان وهو صحافي أميركي ومؤلف كتاب «أشباح البلقان» الحرب في أفريقيا بأنها «أفعال إجرامية تتمّ ممارستها من قبل قطاع طرق، وجنود محرومين من الحقوق ومراهقين مشاغبين، وأطفال مجندين يتعاطون المخدرات».
يصفها البعض بحروب ما بعد الحرب الباردة، بينما يرى فيها البعض الآخر حروباً جديدة من حيث الشكل والمضمون مختلفة جذرياً عن الحروب القديمة، لكن التوصيف الأقرب إلى الواقع يبقى تسمية «الحروب الحالية» المرتبطة بتغيّرات جذرية في المشهد الدولي تجعلها أداةً لتنفيذ مشاريع الدول الكبرى أو إدارة صراعاتها بانتظار تغيّر ما يدفع بالسيناريو البديل.
كاتب سوري