«الفجر الأول»… ديوان يسلّط الضوء على شاعر سوريّ منسيّ
محمد خالد الخضر
ديوان «الفجر الأول» للشاعر السوري خليل شيبوب، أعاد طباعته محمد رضوان الداية، وأبرز فيه بعض الملامح التي رصدها شيبوب بقصائده، إضافة إلى ما كتبه عنه أحمد شوقي أمير الشعراء، ومسيرة حياته منذ ولادته في اللاذقية إلى استقراره في الاسكندرية في مصر.
ويوضح الداية في الكتاب الذي أصدرته الهيئة العامة السورية للكتاب أن شيبوب ولد في اللاذقية يوم 28 كانون الثاني عام 1892 وترعرع فيها وكانت بجوها الثقافي والتعليمي بيئة مناسبة لتنشئته ومهيأة لنبوغه الشعري إلا أن هذه المدينة لم تكن على خط الحركة الاقتصادية والسياحية الناشطة في تلك الفترة فذهب إلى مدينة الاسكندرية في مصر لتنمو هنالك قريحته الشعرية وليوطّد صداقات متينة مع كتّاب وشعراء مثل أحمد شوقي وخليل مطران.
ويبيّن معدّ الكتاب الداية أن الحياة الفكرية والثقافية والأدبية في الاسكندرية كانت أرحب وأوسع من مثيلتها في اللاذقية، فاستطاعت أن تدفع بموهبة شيبوب للتدفق الشعري التي نشأت ونضجت واكتملت أدواتها في الشام. ثم كان الاندفاع عندما انتقل للعيش في الاسكندرية التي قال فيها:
أشواطئ الاسكندرية طيب
فيك المصيف لعاشق ولهان.
ورأى الداية أن انتقال شيبوب لمدينة ساحلية كفل له استمرار روائح اللاذقية وعطر شجرها ونباتها حيث شهد فيها مختلف الفنون والنهضة والشؤون بفضل اتصالها المباشر بدول العالم، وانتشار المطبوعات وكثرة المحافل والأندية والمسارح والصحف والمجلات السياسية والأدبية.
ويرى معدّ الكتاب أنه كان للشاميين فضلهم على الصحافة الشعبية المصرية وكانت الحاجة ماسة إليهم في ميدان الترجمة في مختلف مجالات الحياة لمعرفتهم باللغات الأوروبية إلى جانب اللغة العربية.
أما حياة شيبوب في الاسكندرية بحسب الكتاب، فسارت في اتجاهين، أحدهما تحصيله العلمي والإداري، والثاني اندماجه في الحركة الأدبية والصحافية والثقافية، وظهوره شاعراً ناثراً مؤلفاً، وكان الشعر أهمّ ما عرفه الناس به كما عُرف ناشطاً في الأوساط الأدبية والثقافية والإعلامية، لا سيما تقديم المحاضرات والجلسات الشعرية، وإعداد الندوات. كما شارك في الترجمة والتأليف وكتابة القصة والدراسات التاريخية.
ويتحدّث الداية عن نشاط شيبوب في مجال الترجمة من الفرنسية إلى العربية ودراساته عن التاريخ والتراث الأدبي العربي والحركة الأدبية الحديثة في مصر، وعمله منذ عام 1920 محرّراً للصفحة الأدبية في جريدة «البصير» الاسكندرانية. مشيراً إلى أنه عرف أساليب العرب في مختلف بقاعهم وحفظ من بدائعها واستظل بروائعها، ما ساهم في تمكّن شعره ومتانته، كما تجلّى ذلك في قصيدة «بؤس» التي قال فيها:
أما آن من القلب أن يهدأ
وللدمع في العين أن يرقأ
وللجسم في العمر أن يستريح
وللداء في الصدر أن يبرأ.
ورغم غربة شيبوب الطويلة، ظلّ وطنه سورية هاجسه. فتألم من تعرضه للاحتلال الفرنسي الذي شكّل عبئاً ثقيلاً على أهله وأحوالهم فعصف به الحنين واشتد الشوق فقال:
البحر مخفور الجهات أمامهم
والبرّ خلفهم جديب بلقع
والشنق ماض في البلاد وحالة
أدهى وأهول ما يكون وأفظع
لهفي على الأطفال كلّ صراخهم
جوع وهمّ في المهد لم يترعرعوا.
وفي الكتاب، للحبّ دور في شعر شيبوب جعله يكتب ما لديه من عواطف رقيقة ويصوغها شعراً ملتزماً خلاله بالموسيقى والنمط الأصيل الذي اقتصر على التراث في صوغ القصيدة. فقال في قصيدته «نظرة وخطرة على شاطئ البحر»:
يا حبّ قد أفنيتني فكرة
وتركتني بين الورى خبرا
وسلبت قلبي كلّ راحته
ووهبت قلبي الهمّ والضجرا.
وينقل الداية ما كتبه الشاعر خليل مطران عن شيبوب وعن انحيازه الفائق إلى اللغة العربية، الذي تجلّى في صنعته الشعرية وفي كتاباته النثرية المختلفة، كاشفاً معرفته خصائص لغته وأسرارها وتمكّنه منها.
يذكر أن للشاعر شيبوب مجموعة من الإصدارات منها ديوان «الفجر الأول» و«المعجم القضائي»، وسلسة عن المؤرخ العربي عبد الرحمن الجبرتي، وله كتب مترجمة أخرى، كما يعتبر من أهمّ شعراء عصره الذين لم ينالوا حقهم.