عرب الحرب مهزومون… ويدقون أبواب الأسد
كتب المحرر السياسي
الغرب العالق بين ناري حروبه الفاشلة والبحث عن حلول لعقد الحروب المفتوحة في المنطقة، يريد الخروج من النفق المظلم الذي يجهد لتخطيه منذ سنوات، فمن جهة حرب كل سنتين في غزة من دون أن تتغير معها معادلات الردع «الإسرائيلي»، التي سقطت منذ ثماني سنوات في حرب تموز على لبنان، ومن جهة حرب مفتوحة في سورية وعليها، رصدت كل الجهود السياسية والديبلوماسية والعسكرية والاستخباراتية والإعلامية والمالية بلا طائل، بينما لا يزال نظام الرئيس بشار الأسد واقفاً على قدميه،
التتمة ص10
لا بل يسترد ما خسره في الأعوام الثلاثة، ويحقق التقدم الواضح في تثبيت قدرته على البقاء والصمود.
الحرب على غزة تتخطى كل التوقعات، ومع الفشل «الإسرائيلي» العسكري بتعديل التوازنات المتراكمة من الحروب السابقة، أدت الحسابات الخاطئة لوقوف الحبل «الإسرائيلي» في نصف البئر، حيث لا قدرة على التقدم ولا التراجع، وكل حل تتيحه الموازين الناجمة عن الحرب تجلب المزيد من التدهور في حال «إسرائيل» ومستقبلها، وبات مد حبل النجاة الوحيد المتاح لإخراجها من عنق الزجاجة هو اللجوء الدراماتيكي لمجلس الأمن، للخروج بقرار أممي، لم يعد ممكناً أن يفعل فعله ويضمن وقف النار، بلا ترتيب خسائر معنوية ومادية جسيمة على «إسرائيل» من دون التحضير لصيغة تشبه القرار 1701 إقليمياً، ولو اقتضى الأمر لتبرير ذلك التساهل مع إشعال جبهات سورية ولبنان أو التلويح بإشعالها، أو تظهير مجموعة من الحوادث تحت شعار خطر الانزلاق إلى المواجهة الشاملة، لفتح الباب لقرار يمكن للمقاومة قبوله ضمن مفهوم شموليته وقوة الخطر، ولكن يمكن لـ «إسرائيل» التذرع به لقبول العودة للتفاوض على الحل الشامل من جهة وفك الحصار من جهة أخرى، والغرب بكل دوله الفاعلة خصوصاً الثلاثة الكبار، يضع ثقله لابتكار المخرج الذي يخفف الخسائر على «إسرائيل» المأزومة والعاجزة، كعجوز بلا حول ولا طول، وجاءت الصواريخ المتساقطة من جنوب لبنان نحو عكا ليل أول من أمس، وبعدها القذائف التي سقطت صباحاً من الجولان على المناطق المحتلة، لتضيء على فرضية تكرار هذا المشهد، حتى تكتمل شروط التحذير من خطر الانزلاق لحرب شاملة، يصير معها للتحرك الدولي العاجل مبرر كافٍ.
في هذه الأثناء كانت مصر تضع ثقلها لإعلان وقف جديد لإطلاق النار بينما تواصلت مساعي إعادة الأفرقاء إلى طاولة المفاوضات، فيما اعتبرت فرصة وقف النار الراهنة آخر الفرص للمساعي المصري قبل الذهاب جدياً للتدويل.
من جهة مقابلة الغرب عالق في حرب بلا جدوى ولا أفق ولا أمل يرتجى منها، فمنذ ثلاث سنوات حرب على سورية وهو يتمسك بوهم تغيير النظام أو استنزافه لمفاوضة من موقع قوة، ولكن جاءت الآن مواعيد قطاف ثمرة اللاأخلاقية التي ارتضى الغرب وحلفاؤه العرب والإقليميون سلوك دربها، لبلوغ الهدف مهما كلف الثمن، فولد خطر أشد إثارة للقلق والذعر هو داعش، وهو خطر لا يعترف بالحدود ولا بالقانون الدولي، ولا يسلم الكيماوي ولا يقيم اعتباراً لمجلس الأمن ولا لقراراته، ويتوعد ببلوغ الرياض وعمان والقاهرة ومكة وباريس ولندن وواشنطن.
لا بد من التحدث مع الأسد صار عنوان المرحلة، فلا يمكن هزيمة داعش من دونه، ولا يمكن ضمان استقرار العراق بلا سورية، والطريق الوحيد هو عدم تعريض الحلفاء الذين يصيبهم العجز والشيخوخة أكثر مما يصيبان «إسرائيل»، للخطر الأشد والأقسى، بعدما وضعوا كل أرصدتهم لإسقاط الرئيس بشار الأسد، حتى بات مستقبل بقائهم في الحكم مرتبطاً برحيله، ورحيلهم واحد من النتائج الممكنة لبقائه فما العمل؟
الاستدارة نحو الأسد لا بد أن تبدأ من العرب الذين قامروا بالحرب على سورية، ومنحهم مدرج هبوط سلس منعاً لاصطدام لا تحمد عقباه، هكذا ولد الاجتماع الوزاري الذي شهدته السعودية وترأسه سعود الفيصل وحضره وزراء خارجية مصر والإمارات العربية المتحدة وقطر وممثل للأردن، تحت عنوان التسريع بسبل الحل السياسي في سورية والخروج من الحرب، والتمهيد لتوحيد الجهود بوجه الخطر الأوحد الذي يتأتى من تحركات داعش وتهديدات التقدم والتوسع.
الخيارات الضيقة دولياً وإقليمياً تعكس نفسها على الارتباك اللبناني، فتفاعلات التفاوض حول عرسال ومصير العسكريين المخطوفين، ودور هيئة العلماء المسلمين، ومستقبل الدور التركي والقطري، يترافق كله مع الحديث عن توسع لداعش نحو عكار وعن هجمات تتعرض لها عرسال ليلاً، وعن سيطرة لا تزال لمسلحي داعش والنصرة في بعض أحيائها، وتهديدات لبعض مواطنيها.
سياسياً يتحرك النائب وليد جنبلاط لحشد الطاقات والجهود تحت شعار أولوية القتال والمواجهة مع داعش، والحاجة لمواكبة ذلك بمصالحات وتفاهمات وتوافقات، ولذلك يبادر للتصدي لكل محاولات التفرقة، التي صدر أبرزها عن الوزير أشرف ريفي بتشبيه دور حزب الله بداعش، بينما البحث عن حلول تمنع الفراغ النيابي من اللحاق بالفراغ الرئاسي، يصطدم بالعجز المتمادي عن الذهاب للانتخابات، بينما تجربة التمديد الأول جعلت الرئيس نبيه بري بلا حماسة لتكرار التجربة، مصراً على التصويت ضد أي مشروع في هذا الاتجاه.
تحذيرات من استعدادات إرهابية لـ«داعش»
تتزايد المخاطر من لجوء المجموعات الإرهابية إلى القيام بأعمال إجرامية على غرار ما حصل في 2 آب الجاري ضدّ الجيش في عرسال. فقد تبلغت جهات معنية تقارير نقلاً عن أجهزة استخبارات عربية تحذيرات من جدية ما يخطط له تنظيم «داعش» من تكرار محاولة إقامة قاعدة إرهابية لها بين بعض قرى البقاع الشمالي وعكار. وتحدثت التقارير عن أن التنظيم الإرهابي المذكور لم يتخل عن سعيه إلى إقامة إمارته المتطرفة في هذه المناطق للتمدّد لاحقاً إلى مناطق أخرى.
وتكشف التقارير أيضاً أن المجموعات المسلحة عادت لتتنقل بين عرسال وجرودها وكذلك إقامة الإرهابيين معسكرات تدريب في مناطق معينة في عكار. وتؤكد هذه التقارير أنها لا تستبعد تحرك «داعش» مجدداً باتجاه عرسال أو رأس العين أو عكار. وليس بعيداً عن ذلك ما حصل من إطلاق نار أمس في بعض أحياء طرابلس من قبل مسلحين مرتبطين بالمجموعات المتطرفة ابتهاجاً بما زعموه عن سقوط مطار الطبقة العسكري في الرقة من قبل تنظيم داعش الإرهابي .
قطر وتركيا ليستا بوارد الوساطة لإطلاق العسكريين
ومع تعليق «هيئة العلماء المسلمين» وساطتها في شأن إطلاق العسكريين والأمنيين المخطوفين من قبل المجموعات المسلحة في جرود عرسال، دخلت مجموعة من المسلحين مساء أول من أمس إلى عرسال قادمة من جرود البلدة، ونفذت عمليات تفتيش عن بعض الأهالي الذين تعاملوا، وفق المسلحين، مع القوى الأمنية.
وأكد مصدر أمني لـ«البناء» أن دخول المسلحين إلى عرسال مجدداً ليس مستغرباً، فهم يمارسون نوعاً من الضغوط في موضوع المفاوضات لإطلاق معتقليهم في سجن رومية، لافتة إلى أن الصفقة التي تم التوافق عليها نصت على أن يخرج المسلحون من عرسال ويحتفظوا بالوضع القائم قبل المعركة، محملة المسؤولية للجهة السياسية التي وافقت على هذه الصفقة، والتي منعت وحدات الجيش من القيام بمداهمات وتفتيش تطاول المخازن وغرف العمليات التي يستخدمها المسلحون.
وأكدت مصادر مطلعة لـ«البناء» أن الصفقة حصلت على دماء شهداء الجيش وحرية المخطوفين، وأجهضت انجازات الجيش العسكرية بفكها الحصار عن المسلحين وإعادتهم إلى الوضع القائم قبل معركة عرسال.
وأعربت المصادر عن تشاؤمها من مصير العسكريين المخطوفين، مشيرة إلى أن الوضع أسود في عرسال محملة مسؤولية حياة العسكريين إلى رئيس الحكومة تمام سلام ووزيري الداخلية نهاد المشنوق والعدل أشرف ريفي.
واعتبرت أن المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم الذي لا يفاوض إلا دولاً كما حصل في قضية مخطوفي أعزاز، لا يتولى حالياً التفاوض لأنّ قطر وتركيا ليستا في وارد الدخول في وساطة للإفراج عن العسكريين المخطوفين في الوقت الحالي .
الغالي: المفاوضات تدور في حلقة مفرغة
وفي الموازاة، أكد عضو «هيئة العلماء المسلمين» حسام الغالي لـ«البناء» أن «الاتصالات المباشرة مع المسلحين توقفت لأسباب أبرزها دخول مفاوضين من الداخل والخارج على خط المفاوضات، ما جعل المسلحين يبحثون عن المفاوض الذي يحقق لهم شروطهم، فنحن على رغم تسليمنا الحكومة شروط المسلحين، إلا أننا كنا نعمل على إطلاق سراح العسكريين من دون أي مقابل». وأكد أنه «لم يعد بمقدورنا الاستمرار في المفاوضات التي كانت تدور في حلقة مفرغة، المسلحون لا يريدون التنازل عن مطالبهم والحكومة لم ترد على شروطهم».
الاستحقاق الرئاسي
سياسياً، وفيما لا تلوح في الأفق أي بوادر حلّ للملف الرئاسي أكد رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط أنّ رئاسة الجمهورية موضوع يخصّ الجميع وليس المسيحيين وحدهم. وقال: «نحاول مع الرئيس نبيه بري والسيد حسن نصرالله التوصل إلى تسوية لاستمرار المؤسسات».
ولفت جنبلاط من كيفون خلال جولة في قرى غرب عاليه إلى «أن تشبيه حزب الله بداعش هرطقة سياسية، وتشبيه أحدهم التيار الوطني الحر بـ«داعش» مؤسف، فلدينا عدو واحد اسمه «داعش».
وأكد مصدر مطلع في اللقاء أن النائب وليد جنبلاط مستمر بترشيح النائب هنري حلو لرئاسة الجمهورية لوسطيته التي تجعله مقبولاً من الجميع. وأشار المصدر إلى أن العمل للتوصل إلى تسوية لتجاوز المأزق الرئاسي لا تعني سحب ترشيح حلو.
وشدد على «أن لا مبادرة جديدة عند جنبلاط، فهو مستمر بمبادرته التي بدأت مع زيارته الأمين العام لحزب الله، على أن يلتقي هذا الأسبوع رئيس حزب الكتائب أمين الجميل ورئيس حزب القوات سمير جعجع والمعنيين، في مسعى للوصول إلى حل في ملف الاستحقاق الرئاسي، والتمديد للمجلس النيابي ومواجهة المخاطر الأمنية لما يمثله تهديد داعش من خطر على لبنان».
ولاحظت مصادر قريبة من جنبلاط أنّ هناك صعوبة كبيرة في إحداث خرق ولو بسيط في الملف الرئاسي نظراً للتباعد الشاسع في مواقف الأطراف. ورأت أن لا حلحلة على ما يبدو لهذا المأزق قبل نضوج الظروف الإقليمية.
إطلالة لبري الأحد
ويطل رئيس المجلس النيابي نبيه بري في كلمة متلفزة الأحد المقبل عند الثامنة مساء في ذكرى تغييب الإمام موسى الصدر. وأكدت مصادر عين التينة لـ»البناء» أن كلمة بري ستكون شاملة وسيتطرق خلالها إلى الوضع اللبناني، لجهة الإسراع في إنجاز الاستحقاق الرئاسي، والانتخابات النيابية، بالإضافة إلى الوضع الأمني وما تشكله المنظمات الإرهابية من خطر على لبنان ،فضلاً عن التطورات الإقليمية، لا سيما ما يحصل في غزة والموصل وسورية.
وكشف بري أمام زواره مساء أمس، كما أعلن جنبلاط نهاراً، عن مشاورات وجهود حثيثة مشتركة لانتخاب رئيس للجمهورية، لكنه لم يكشف عن تفاصيل هذه الجهود وماهيتها مفضلاً إبقاء مضمونها طي الكتمان بانتظار متابعة واستكمال هذه المشاورات.
وعن طرح رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون انتخاب الرئيس من الشعب فضّل بري عدم التعليق في الوقت الراهن، لكنه أشار إلى أنه لا يمكن بحث هذا الاقتراح اليوم في مجلس النواب لأنه في عقد استثنائي.
هل يدعو الراعي الأقطاب الأربعة إلى الاجتماع في بكركي؟
من جهته، دعا البطريرك الماروني بشارة الراعي الكتل السياسية والنيابية إلى مبادرات شجاعة قبل جلسة الثاني من أيلول المقبل، تبدأ بالتخلي عما يعيق اكتمال النصاب وانتخاب الرئيس، واعتبر في عظة قداس الأحد في الديمان، أن الكتل أدرى بهذه العوائق الشخصية والفئوية.
وأكدت مصادر بكركي لـ «البناء» أن الراعي سيجري سلسلة اتصالات مع القيادات السياسية قبل ذهابه إلى روما الخميس المقبل، وبناء عليها سيقرّر أن كان سيوجه بعد عودته من الفاتيكان، الدعوة للأقطاب الأربعة الموارنة إلى الاجتماع مجدداً في بكركي، أو تكليف وفد من المطارنة القيام بجولة على الفعاليات المعنية لتحريك الملف الرئاسي الجامد.