دور الغرب في العدوان على اليمن
منذ تسعين عاماً، قصفت الطائرات البريطانية قبائل في الجزيرة العربية لترسيخ حكم عبد العزيز بن سعود، مؤسس الدولة السعودية. وتغير الزمان إلا قليلاً. فبريطانيا الآن، إلى جانب الولايات المتحدة وفرنسا، توفّر وتسلّح مئات الطائرات السعودية المتورطة في قصف اليمن جوًّا.
وعلى الرغم من أنها لم تحظَ بالكثير من الاهتمام الشعبي أو الرقابة البرلمانية، فإنّ تلك الحملة تتخطى الحملة الروسية في سورية، بحسب محللين متابعين لـ«الصراع» في المنطقتين. وبموافقة حكومية، توفّر شركات السلاح الغربية المعلومات الاستخبارية والدعم اللوجستي، وإعادة تعبئة الوقود في الجو لتحلق الطائرات السعودية في طلعاتها أكثر من قدرة روسيا على ذلك.
في الواقع، هناك أكثر من اختلاف، فالطيارون الروس يذهبون أنفسهم في المهمات القتالية في سورية، في حين أنّ طياري الغرب لا يذهبون في مهمات قتالية ينوبون فيها عن التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن، وليسوا ممثلين رسميين لحكوماتهم في التحالف المقاتل. فوجودهم، حتى في غرفة عمليات الرياض، وسلاحهم الموجّه بدقة، يجب أن يضمن أن قوانين الحرب التي تحمي المدنيين محميّة، بحسب ما يؤكد مسؤولون غربيون. ولكن سلسلة من الدراسات الميدانية المنشورة مؤخراً تشكك في ذلك.
فالغارات الجوية كانت مسؤولة عن أكثر من نصف آلاف الوفيات بين المدنيين على مدى 16 شهراً من الحملة، وفق تقرير صادر عن منظمة العفو الدولية في أيار، وقد دلّ التقرير على استخدام القنابل العنقودية البريطانية. وإلى جانب غيرها من المنظمات الحقوقية، بما في ذلك مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، ومنظمة «هيومن رايتس ووتش» و«أوكسفام»، وثقت المنظمة استخدام الأسلحة الغربية لضرب عدد كبير من الأسواق اليمنية، والمراكز الطبية والمخازن والمصانع والمساجد. وفي هذا السياق يؤكد أحد المحللين تورط الغرب بجرائم حرب.
لا شكّ أنّ الحرب على اليمن قد عادت عليهم بالمنفعة، فمنذ بدء القصف في آذار 2015، أنفقت السعودية 2.8 مليار جنيه إسترليني على السلاح البريطاني، ما جعل من بريطانيا أكبر سوق أسلحة، بحسب معطيات حكومية حللتها «حملة ضدّ تجارة السلاح».
قد يكون الدعم الغربي هدّأ السخط السعودي من الاتفاقية النووية التي وقعتها الولايات المتحدة وغيرها، من القوى العالمية التي قضت برفع العقوبات عن إيران. ولكنه أيضاً أشعل صراعاً آخر في الشرق الأوسط. ومع الحرب البرية والحصار السعودي، دمّر البنية التحتية للبلد الذي كان أصلاً أفقر الدول العربية، وشرّد أكثر من مليوني شخص، وتسبّب بمجاعة لأكثر من ربع الشعب اليمني البالغ عدده 26 مليوناً. وفي هذا الإطار تحذر وكالات الغوث من هجرة جديدة عبر البحر الأحمر في عرض البحر الأبيض المتوسط.
وتهدف المفاوضات التي استأنفت أعمالها في 16 تموز/يوليو في الكويت إلى إيقاف الحرب. إلا أنّ كلا الطرفين قد هزئ بتهديدات الكويت بطرد وفديهما إذا فشلا في التوصل إلى اتّفاق خلال مهلة أسبوعين. والرئيس اليمني المنفي، عبد ربه منصور هادي، الذي يأمل بتنصيب حكومته، قد أبعد مقترحات مبعوث الأمم المتحدة بشأن إدارة يتمّ خلالها تقاسم السلطة. فحشد فريقه الخاص من المتشددين. وكما يشير بعض المراقبين بسوداوية، فإنّ الحرب الأهلية في ستينيات القرن الماضي قد استمرّت ثمانية أعوام.
ولقد حدّ القصف من القوة القتالية لدى خصوم السعودية، بقايا الحرس الجمهوري اليمني تحت لواء الرئيس السابق علي عبدالله صالح وأنصار الله. ولكنه فشل في كسر الجمود أو طردهم من العاصمة اليمنية صنعاء. وعلى الرغم من التعهّد المنمّق للرئيس هادي بأن «يصبح في العاصمة في وقت قريب»، فإنّ القتال مستمرّ في محيط مأرب، التي تبعد نحو 120 كيلومترًا عن العاصمة.
إنّ هذا البلد المفتّت يعقّد مهمّة المصلحين فالجنوبيون في منطقة عدن الساحلية يسعون بشكل جدّي لإعادة الدولة المنفصلة. أما شرقاً، فإنّ دول الخليج، بقيادة الإمارات العربية المتحدة، ضربت منشأة لتنظيم «القاعدة» في حضرموت، خوفاً من امتدادها إلى دولها التي تضمّ عدداً كبيراً من اليمنيين. والتفجيرات الأخيرة في المدن السعودية كالمدينة وجدّة والقطيف تشدّد على النفوذ الذي يتمتّع به «الجهاديون» هناك.
وإذ تستمرّ الحرب، يتزايد الاضطراب. فقد منع الرئيس باراك أوباما إرسال القنابل العنقودية في نيسان، إلا أنّ الكونغرس أعاد إرسالها لاحقاً. وتبدو دول الخليج أيضاً مضطربة بشأن التكاليف. وبحسب مراقب مخضرم في الشأن الخليجي، إذا صُرف جزء من ميزانية الحرب السعودية التي تبلغ 87 مليار دولار على التطورات في اليمن، فإنّ نشر الجنود قد يكون على يدي المستشارين الذين يضعون أقلاماً في جيوبهم.