شكراً «ثوّار سورية»!!!
خالد العبّود
أمين سر مجلس الشعب السوري
المشهد الحقيقي للعدوان على سورية أخذ يتجلّى أكثر، بالنسبة لبعض أولئك الذين أرادوا أن يروه كما يريدون، أو أولئك الذين أرادوا أن يسوّقوه على غير حقيقته، كونه كان وسيلتهم الرئيسية في سبيل تفتيت الدولة السورية، وإخراجها من اصطفاف إقليمي أساسي حال دون مرور المشروع الأميركي في المنطقة.
إن اللحظة السياسية الأمنية العسكرية التي تحكم المشهد الحالي، لجهة صعود تنظيم إرهابي يؤثر في خريطة المنطقة وجزء من العالم، ويتجاوز باتجاه مصالح دولية مهمة وواسعة، بدأت تبرز أكثر، وأخذت تتجلّى، وليس بمقدور من كان يستعين بالإرهاب ذاته، ومن خلاله، على الدولة السورية، أن يتجاوز هذا الإرهاب، كونه يزداد بفضل «فائض القوّة» الذي أنتج «فائض عنف» خطير جدّا!.
إنّ «فائض العنف» هذا، والذي أضحى يشكل قوّة زائدة عن توقعات من أوجدها، والذي استعملته أجهزة استخبارات إقليمية ودولية، لم تنتبه إلى أنّه يمكن أن ينال من مصالحها، وهو ما كنّا قد أشرنا له منذ اللحظة الأولى، في حين أنّ آخرين تعاملوا معه معاملة كلاسيكية وعوّلوا عليه قيامه بتفتيت الدولة، وأكثر من ذلك، كان يمكن له أن يفتت مكونات إقليمية أخرى، وبالتالي فإن سورية، من هذا الباب، أو هذا المعنى، أسقطت إمكانية إسقاطها، كما أسقطت إمكانية إسقاط مكونات أخرى على مستوى المنطقة، حيث استطاعت القوات المسلحة السورية تعطيل هذا «الفائض»، وذلك بفضل استراتيجية «المشاغلة» التي اتبعتها الدولة السورية، في أكثر من عنوان وأكثر من رأس، الأمر الذي يستدعي في المرحلة المقبلة أن تأخذ سورية دوراً جديداً على مستوى خريطة فعل المنطقة، وأنّها ستكون على رأس الطاولة التي ستنتج منصة تبريد المنطقة وحمايتها.
لم يكن بمقدور أحد، ممن ادّعوا أن هناك ثورة في سورية، أن يتصوّر ذلك خلال فترات زمنية سابقة، أو خلال لحظات سياسية مرت على المنطقة والإقليم، إذ أنّ الجميع تعاملوا بعقل بسيط وماضوي، عقل سبق مفهوم الدولة المعاصرة، ولم يستطع أن يتماشى مع جملة معارف سياسية واقتصادية وأمنية وعسكرية، شكلت ركناً أساسياً من أركان المعرفة المعاصرة، المعرفة التي أنتجتها مدارس رئيسية في علم الإدارة على كل المستويات وكل الصعد.
لقد كان واضحاً أنّ العقل الذي أدار العدوان على سورية، أو قاده، إنما هو عقل لا يتجاوز عقل الأداة التي استعملت ميدانياً من قبله، حيث كان واضحاً منذ اللحظة الأولى، ومن خلال تركيبه «الجسد المتظاهر» كي يكون منصة عدوان رئيسية لإخراج الدولة من حالتها المستقرة، تمهيداً لعبور نمط جديد من أشكال الكيانات السياسية، التي تقوم على الطائفية والعائلية والعشائرية، وهي كيانات لا يمكن إلا أن تكون متقاتلة متناكفة تدخل المنطقة في حروب طويلة ضامنة بأن المنطقة لن تخرج منها بعشرات السنوات المقبلة، الأمر الذي سيمهّد لقوى دولية وإقليمية أن تحكم السيطرة على المنطقة بعيداً عن عناصر تكلفة القوة المطلوبة لهذه السيطرة، ما لو كانت الدولة السورية موجودة وقائمة، وما لو كان الاصطفاف الذي سورية جزء منه قائماً وموجوداً أيضاً.
سوف نتذكّر كثيراً أدبياتهم حول «الثورة السورية» التي قادها السفير الأميركي «ميدانياً» من بعض المدن السورية، والتي دعمها النفط العربي، وسوّق لها «مثقفون سوريون» من خارج الحدود، وسوف نتذكّر كثيراً كيف اجتمعت الرجعية العربية ومشايخ الرمال والمال مع بعض أولئك الذين استقووا بكل أوساخ العالم كي يدخلوا بلادهم على ظهور «النوق» مهللين مطبلين هاتفين «للبغدادي والجولاني والشامي والشيشاني والمصري…» لقيام «الدولة» التي صدّروها على أنها «الدولة الديمقراطية»، التي تنعم بالحرية والعدل والمساواة!.
«الدولة» التي سوّق لها هؤلاء جميعاً، من أقصى اليسار العربي الأعمى وصولاً إلى أقصى اليمين القادم من مزابل التاريخ، أضحت واضحة جداً، ومعروفة جداً، من أراد أن يتعرّف إلى عطاءاتها ويقرأ أهم مفاتيحها عليه أن يراجع «الخليفة البغدادي»، ويطّلع على أهم إنجازات «دولته»، عليه أن ينظر في عيون الصغار والكبار المصلوبين على أبواب مدنهم وتلال قراهم، أولئك الباحثين عن بصيص أمل في لقمة خبز أو شربة ماء، عليه أن يتملّى على مهل أرتال الهاربين من بيوتهم ومزارعهم ومدنهم، الضاربين في يباب الأرض شمالاً أو جنوباً، غرباً أو شرقاً، وعليه أن يفيدنا عن هذه «الثورة» التي لم تترك وسخاً في الأرض إلا وجاءت به، ولم تترك نوعاً أو صنفاً من أصناف التعذيب والتنكيل والقتل والذبح والعنف والسلب والنهب إلا وأعادت إنتاجه، كي يكون عنواناً لها، أملاً بأن يغدو عنواناً لحكم البشرية!.
شكراً «ثوّار سورية»، شكراً على هذه «الثورة»، شكراً «أصدقاء» الشعب السوري، شكراً للولايات المتحدة الأميركية، لإدارتها، شكراً «أوباما»، شكراً على ما قدّمته «للشعب السوري»، شكراً على انتصارك لأوجاعه وحاجاته، شكراً «لجِمَال الصحراء»، الجِمال التي خرجت من عظم التاريخ كي تلزمنا بثقافة «بول الناقة» و«جهاد النكاح» والتشفي بالإنسان «لواطة»، شكراً لكل من ساهم في إعادة إنتاج خطاب «الغزو» والقتل والسلب والنهب، شكراً للذين أرادوا أن يعودوا بنا إلى ما قبل التاريخ، كي يعلمونا الحرية والديمقراطية!.