المرزوك: المسرح هو الوسيلة الأمثل التي يمكننا من خلالها معالجة المجتمع
حاورته: نسرين كمال
الدكتور عامر صباح المرزوك، مدرّس في قسم الفنون المسرحية في كلّية الفنون الجميلة ـ «جامعة بابل»، ومدير قسم الإعلام والعلاقات العامة في الجامعة نفسها، مهتمّ جدّاً بتوثيق ذاكرة المسرح العراقي وحفظها. أنجز ما يقارب عشرة كتب في هذا التخصّص. وله مساهمات في أعمال درامية وأفلام وثائقية. يمارس الكتابة الصحافية كناقد مسرحيّ وموثّق. وشارك في مهرجانات عربية عدّة.
«البناء»، أجرت مع د. المرزوك هذا الحوار الشيّق، الذي تناول المسرح وشؤونه.
يقول أوسكار وايلد إن المسرح هو الأعظم بين الفنون جميعها، والطريقة الأكثر مباشرة التي يشارك بها أحدهم الآخر معنى الإنسانية… ماذا تقول؟
تأتي أهمية المسرح من كونه وسيلة من وسائل تغيير المجتمعات وتثقيفها، وهذا ما وعى إليه الكتّاب المسرحيون الأوائل، وأدركوا أنه لعب دوراً خطيراً في تطوّر الآداب العالمية، منذ أن ظهرت الملاحم التي انبثقت منها الأعمال الدرامية على يد الإغريق، تلك التي ارتبطت بالغاية التعليمية والوعظية والتربوية المستندة إلى قيم اجتماعية وأخلاقية ودينية. وبذلك كان الفنّ المسرحي ـ وما يزال ـ بمثابة مدرسة تقدّم دروساً في الحياة والسياسة والعلاقات الإنسانية، حتى اتخذ الفنان من المسرح سبيلاً تنويرياً يواجه فيه التخلّف والتعسّف والسلطات. وتبقى الحاجة ملحّة حتى يومنا هذا إلى الاهتمام والتثقيف عن طريق الفنّ المسرحي.
يعتقد البعض أنه كي نحسّن المسرح علينا تحسين الحياة أوّلاً، ما هي مهمة المسرح؟
ينفرد المسرح من بين الفنون الأخرى بارتباطه المباشر مع مجريات الحياة اليومية وتغيّراتها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وبهذا يكون جزءاً لا يتجزّأ من الحياة. ولدراسته لا بدّ من متابعة المتغيّرات التي تصيب المجتمع.
ومنذ أن أنزل الفيلسوف الألماني هيغل الفلسفة إلى الأرض، وأصبح الفنّ جزءاً من الحياة، وهذا ما تلقّفه في ما بعد المنظّر المسرحي برخت، الذي تبنّى مقولة ماركس: «أنا أدعو إلى فلسفة تغيّر العالم لا تفلسفه». وعكسها على المسرح من خلال أعمال المسرحية التي أصبحت منهجاً سار عليه المسرحيون ردحاً من الزمن، فأصبحت الحاجة ملحّة إلى المسرح الذي أصبح سلاحاً ضدّ التعسّف والدكتاتوريات، وبدأ المسرح يلاحق الحالات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ويعالجها.
يعتبر البعض أنّ المسرح العربي ذو سمة اتّباعية، وأنه ما زال غير قادر على تمثيل أفكار ما بعد الحداثة. هل توافق على هذه المقولة؟ وهل نستطيع أن نضاهي الاعمال العالمية في ظلّ واقعنا المأزوم؟
بدأ النشاط المسرحي في العالم العربي في النصف الأول من القرن التاسع عشر، وهذا التأخّر في ظهور المسرح ـ إذا ما قيس بباقي بقاع العالم ـ يعود إلى عوامل اجتماعية وسياسية واقتصادية تراكمت مع مرور الزمن وألحقت في بنيته المعرفية والثقافية شيئاً من التأخّر إن لم يكن شيئاً من الركود.
وعلى رغم أنّ الأدب العربي عبر تاريخه الممتد من عصر ما قبل الإسلام وما بعد مجيئه جاء خالياً من المسرحية بمعناها الاصطلاحي إلا أن الحضارة العربية الإسلامية قد عرفت بعض العناصر والأشكال الأولية للدراما التي أطلق عليها الباحثون «أشكال ما قبل المسرحية»، وقد جاءت هذه العناصر في هيئة ممارسات أو نشاطات ترتقي في بنيتها التكوينية إلى مصاف الفعل المسرحي أو تكاد تقترب منه، وقد عوّل عليها الباحثون كثيراً في مجال الدراما العربية.
وإذا أردنا الخوض في تاريخية المسرح العربي وتدوين البداية الحقيقية له، فإننا نتوقف عند الرائد الأول اللبناني مارون النقاش 1817 ـ 1855 الذي كان له الفضل الأول في نقل التجربة المسرحية الغربية إلى العالم العربي إذ تعرّف إلى المسرح من خلال أسفاره المتكرّرة إلى أوروبا، وأعجب بهذا الفنّ ثمّ نقله إلى وطنه وألّف فيه المسرحية العربية الأولى، وسمّاها «البخيل» وعرضها في بيروت عام 1847. ويعدّ هذا التاريخ الولادة الحقيقية للمسرح العربي، ثم سرعان ما انتقل المسرح إلى سورية على يد أحمد أبو خليل القباني 1833 ـ 1903 الذي دشّن هذا النشاط في دمشق بشكل مغاير عن الشكل الذي قدّمه النقاش. ثم نقل القباني نشاطه المسرحي إلى مصر حيث نشط يعقوب صنوع 1839 ـ 1912 في تقديم مجموعة من المسرحيات، ثمّ أخذ التطوّر طريقه إلى المسرح العربي، وبدأ العرب يهضمون هذا النشاط ويمارسونه في بقاع عدّة، وظهرت طائفة من الكتّاب المسرحيين المحدثين الذين أغنوا المسرح بكتاباتهم الجيدة.
وقد كانت بداية التأليف المسرحي العربي اتسمت بتبنّي المؤلفين المسرحيين شكلاً ومضموناً غربيَّين محرّفيَن عن مصدرهما الأساس، وصوغهما بأسلوب نابع من طبيعة المؤسسة الحاضنة للمسرح والأهداف المستوحاة منه، ولم ينج من فخّ هذا النوع من التأليف غير القلّة النادرة من الذين توصلوا إلى تشخيص هذا الخلل بعدما أدركوا أن منجزهم الإبداعي لن يحصد نجاحه إلا إذا لامس جرح الإنسان، إذن لا يعني التأليف أن تكتب نصّاً فيطبع ليكدّس مثل الديكورات التجميلية على رفوف المكتبات، بل لا بدّ من أن يجسّد على خشبة المسرح.
ومن هنا، بدأ المسرح العربي بالتطوّر والاستقلالية بعد وجود طائفة من المسرحيين الذين درسوا المسرح في بلدان متطوّرة، وبدأوا إدراك أهمية المسرح، وكيف يكون له خطّ مستقلّ ينبع من المجتمع الذي يولد فيه المسرح، وهناك كتّاب ومخرجون عرب كثر رسموا أسساً وخارطة لمسرح عربي مستقل.
هل ثمّة حركة مسرحية عربية في الوقت الحالي؟ وهل تثير اهتمامك تجارب ما؟
نعم، بكلّ تأكيد هناك تجارب مسرحية عربية مهمة قد واكبت ركب المسرح العالمي. والدليل أننا في غالبية المهرجانات العالمية، نلمس مشاركة عربية متميزة. وهناك جوائز كثيرة حصل عليها المسرح العربي، كما هناك مسرحيون عرب مغتربون كثر استطاعوا أن يبنوا لهم تجارب خاصة في بلدان اغترابهم. وهذا دليل واضح على أنّ للمسرح العربي حركة متطوّرة وواضحة. كما أنّ للشباب دوراً كبيراً في تقديم عروض مسرحية مغايرة ساهمت في تطوّر المسرح العربي.
كلمة أخيرة
أخيراً، أتمنّى أن يكون هناك اهتمام واضح من قبل الحكومات في دعم المسرح، وأن يؤمنوا بأن المسرح هو الوسيلة الأمثل التي يمكننا من خلالها أن نعالج المجتمع.