تحرير حلب… وتعويم «النصرة»
راسم عبيدات ـ القدس المحتلة
المتغيّرات التي حصلت وعصفت بالمنطقة بعد الانقلاب الفاشل في تركيا، وما استتبعه من دخول لتركيا في حالة من عدم الإستقرار الأمني والسياسي، رغم أنه أحكم قبضة أردوغان على تركيا لكي يفوز بالنقاط في جمهورية «إخوانية» من خلال «أخونة» الدولة والحكومة والسلطة والمؤسسات وتصفية كل القوى المعارضة، عبر إعادة هيكلة الجيش والقضاء والإعلام والتعليم لضمان الولاء لجمهوريته «الإخوانية»، ولكن بالمقابل سقطت إلى الأبد وبالضربة القاضية أحلامه بإعادة بعث الخلافة التركية على حساب الدم والجغرافيا العربية، وبالتحديد الدم والجغرافيا السورية والتي كان الرهان أن تكون حلب ساحتها الرئيسية. ولذلك الإنسحاب الأردوغاني إلى الداخل حتماً سيكون على حساب دور تركيا الإقليمي، حيث كنا نلحظ التطورات الحاصلة في تركيا في سياستها الخارجية من خلال المصالحة مع روسيا والإعتذار عن اسقاط السوخوي الروسية في خريف العام الماضي، والعودة بالعلاقات مع «اسرائيل» إلى حالتها الطبيعية لتحقيق غايات وأهداف اقتصادية وأمنية، والتقارب مع إيران وتدوير العلاقة مع جبهة «النصرة» التي كانت تشكل لها الحاضنة والممول مالياً وعسكرياً وبشرياً، والمشرف والمخطط لكل ما يتصل بجرائمها وأنشطتها واعتداءاتها في سورية وبالذات في حلب.
ولكن كل هذه التطورات والمتغيرات لم تكن العامل الحاسم في تحقيق النصر في حلب وتحريرها،حيث أنّ عامل الإرادة والتصميم عند القيادة السورية وجيشها العقائدي وصمود الشعب السوري والتفافه حول جيشه وقيادته، وكذلك المشاركة الفعلية والميدانية من قبل القوى الرديفة «حزب الله والقوى القومية الأخرى» بالإضافة إلى الدعم العسكري واللوجستي «الروسي والايراني» كلها من العوامل الحاسمة في صناعة النصر في حلب، وهي التي قال الرئيس الأسد إنها ستكون مقبرةً للغزاة وبالذات التركي منهم. حلب كان يُراد منها إعادة انتاج بنية وهوية الدولة السورية، بما يحرفها عن مواقفها القومية والعروبية، ويجعل منها قاعدة متقدمة للمشروع الأمري ـ صهيوني والإستعماري الغربي في المنطقة.
تداعيات الإنتصار في حلب ستتجاوز الجغرافيا السورية إلى الإقليم والعالم، وستعيد صياغة المعادلات والتحالفات والتوازنات الإقليمية والدولية، وهي كذلك ترسم اقتراب نهاية العدوان على سورية، التي جهدت أميركا و»إسرائيل» وكلّ القوى الاستعمارية الغربية، ومعهم الأدوات التنفيذية والمشاركة في العدوان عربية مشيخات النفط والكاز السعودية وقطر والحالمين بالخلافة السلجوقية في انقرة، والمعارضات الورقية والفندقية المعارضة العلمانية والقوى الإرهابية والتكفيرية من «القاعدة» ومتفرعاتها من «داعش» و»النصرة» وغيرها من الألوية والتشكيلات الإرهابية التكفيرية، لكي تحوّل سورية إلى دولة فاشله، مقسمة ومجزأة على أسس مذهبية وطائفية بدون جيش وسلطة مركزية.
نستطيع القول بأنّ هذا المشروع يلاقي الفشل الذريع، حيث كانت سورية ومعها حلفائها من حزب الله وإيران وروسيا والصين وغيرها من القوى الرافضة للهيمنة والسيطرة الأميركية والصهيونية على المنطقة، الحلقة المركزية في إفشاله، كما كان دور حزب الله حاسماً في إفشال ما يسمّى بمشروع الشرق الأوسط الكبير، الذي بشرت به وزيرة الخارجية الأميركية آنذاك كونداليزا رايس، حيث خاضت «إسرائيل» لأول مرة في تاريخها حرباً بالوكالة عن أميركا لتحقيق ذلك، الحرب العدوانية في تموز/2006 التي شنتها «إسرائيل» على حزب الله والمقاومة اللبنانية.
ولكن نحن ندرك تماماً بأنّ قوى العدوان لن تتخلى عن أطماعها ومخططاتها بسهولة، ولن تسلّم بالنصر السوري وحلفائه، بل هي ستبقى تواصل أعمالها العدوانية وطرح المشاريع الخبيثة والمشبوهة، لكي تضمن لها حصة من الجغرافيا والقرار والولاء والسيطرة في سورية، خدمة لمصالحها ولمشاريعها المشبوهة.
فمع تزامن تحرير حلب ودخول الجيش السوري إلى وكر الجماعات الإرهابية حي بني زيد الذي أذاق المواطنين السوريين كل الويلات، وفي خطوة غير معزولة عن سياق إقليمي ودولي يتصل بما هو مقبل جرى التنسيق له بين أميركا وحلفائها من مشيخات النفط على وجه التحديد وبريطانيا وفرنسا و»اسرائيل»، أعلن أبا محمد البغدادي زعيم جبهة النصرة بناءاً على طلب من أيمن الظواهري زعيم «القاعدة» عن فك العلاقة بين «جبهة النصرة» و»القاعدة» وتغيير اسم جبهة «النصرة» إلى «فتح الشام»، هذا التغيير الشكلي المقصود والمنسق له، رغم أنه يشبه عملية تبييض الأموال ونقلها من مصرف إلى آخر، ورغم قول وزارة الخارجية الأميركية بأنّ هذا التغيير في الاسم لا يعني إلغاء تصنيف جبهة «النصرة» كتنظيم إرهابي، إلا أننا ندرك ونعرف الخبث الأميركي جيداً، حيث كانت سابقاً تشتغل الهدنة التي يعلنها السوريين والروس، من أجل فك العلاقة والتشابك الميداني ما بين الجماعات الإرهابية من «داعش» و»النصرة» وما يسمى بالمعارضات المعتدلة المنضوية تحت راية أميركيا من أجل تدعيم وتحسين مواقع تلك الجماعات عبر إدخال السلاح المتطور والاحتياطي البشري الإرهابي خدمة لاستمرار في حرب استنزاف الجيش السوري، والآن في ظل تقدم التفاهمات الروسية الأميركية ومن أجل وضعها موضع التنفيذ، فيما يتعلق بالحرب على الجماعات الإرهابية من «داعش» و»النصرة» أو ما يخصّ التعاطي مع الجماعات السياسية والمسلحة، التي تحمل لواء المعارضة وتعمل تحت مظلة واشنطن أو حلفائها، وإعادة ترتيب ملفاتها وفقاً للتفاهم الروسي الأميركي، حيث الهدنة والعملية السياسية متاحتان فقط لمن يرتضي أولوية الحرب على الإرهاب، وعلى ضوء ما تحقق من نصر سوري في حلب، وجدنا بأنّ جبهة «النصرة» سارعت إلى تغيير جلدها، وقول الإدارة الأميركية بأنها ستراقب سلوك ومدى التغيير في مسلك وممارسات الاسم الجديد «فتح الشام» يعني بأن هناك مشروعاً خبيثاً وشكلاً جديداً من أشكال العدوان تخطط له أميركا وحلفائها في وعلى سورية، فبعد خسارة جبهة الشمال وحلب، يأتي الأن دور الشرق والجنوب السوري، لكي توكل مهمة جديدة لهذه الجماعة، بالعنوان والمسمى الجديد.
واضح أنه في ذروة الحسم العسكري والسياسي، نجد بأن أميركا لن تتخلى عن مشروعها العدواني على سورية، ولن تسلم بالنصر السوري ولا بالتفرد الروسي ـ الإيراني في المنطقة، فأميركا همها الأول والأخير، هي وقوى الإستعمار الغربي مصلحة ووجود «اسرائيل»، ولذلك الإهتمام الأميركي بجبهتي الجنوب والشرق بدل الشمال، يعني أن أميركا تعرض على روسيا تقاسماً جغرافيا وعسكرياً، روسيا تتولى مسؤولية سحق الجماعات الإرهابية في الشمال، وهي في الشرق والجنوب، بحيث يتم وضع هياكل وعناوين قوات جديدة تكون تحت سيطرة واشنطن وإمرتها، يناط بها السيطرة على الحدود العراقية السورية، ومنع قوى المقاومة والجيش السوري من الاقتراب من حدود الجولان، ضمان أمن «اسرائيل» الاستراتيجي، حيث خط العراق سورية وحدود الجولان هما عنوان الأمن للمقاومة و»اسرائيل».
القيادة السورية تدرك جيداً ما يخطط له الأميركي وأعوانه في المنطقة وفي سورية، ولذلك قبل أن يرتب الأميركي أوراقه وينفذ خططه، ستكون القوات السورية وحلفاؤها جاهزون لإسقاط هذا المخطط والقضاء عليه، فالأسد مصمم على استعادة كل ذرة تراب سوري، والمقاومة اللبنانية، لن تسمح بإنكشاف ظهرها أو تطويقها، والأيام والأسابيع القادمة حبلى بالمتغيرات والتطورات.
Quds.45 gmail.com