التعاون مع غرفة العمليات الروسية الأميركية فرصة لبنانية
روزانا رمَّال
لا يوجد من جهة القلمون اللبناني أيّ قوة عسكرية ترفع راية غير رايتي داعش والنصرة داخل الحدود. وهنا فإنّ لبنان ليس متصلاً بالأزمةة السورية الداخلية من زاوية الوجود المسلح الموجود على أراضيه على اعتبار إمكانية وجود مسلحين تابعين لـ «المعارضة السورية» ضمن أراضيه، فطبيعة وتصنيف الوجود المسلح فيه حسم أمره دولياً بصفته إرهاباً داعش والنصرة وقد أعلنت الحرب الدولية عليه باتفاق يبدأ تنفيذ مفاعيله الأول من آب.
الأفرقاء في لبنان كانوا مختلفين حول قرار الحسم، لأنه كان ثمة ربط ضمني بالقلمون السوري من جهة مع غطاء من الحكومة اللبنانية من دون قرار بالحسم العسكري، لأنّ بعض الأطراف اللبنانية، «تيار المستقبل» تحديداً، كان يعتبر انّ ملف جبهة النصرة لا يزال عالقاً، وبالنسبة لوليد جنبلاط قال إنها «هي الشعب السوري». وعند أشرف ريفي قبل انفصاله عن المستقبل قال عن عناصرها إنهم «ثوار»، وهنا وقع الخلاف بين ارتباطات الخارج وحسابات الداخل بتسليم الكلّ أنّ «داعش» تنظيم إرهابي، بينما النصرة في ذلك الوقت «لم يُحسم أمرها بعد»!
كانت السعودية من جهتها ومعها تركيا وقطر تقول إنّ النصرة لا تزال جزءاً من القوى المعارضة المسلحة، لكن بعد التفاهم الأميركي الروسي حُسم الأمر ليتلاشى آخر الآمال بعد تغيير «اسم النصرة»، حيث إنّ البعض كان يأمل ان تخرج من هذا التصنيف لتوضح واشنطن انّ هذا لن يغيّر من تصنيف «النصرة» ولا في استهدافها المزمع من قبل الغارات الأميركية والروسية مع الإشارة الى تصنيفها بوقت سابق من الشهر الماضي تنظيماً ارهابياً لدى فرنسا مع دعوة الرئيس فرنسوا هولاند لاستهدافها ضمن الحملة على داعش.
حسمت هوية النصرة في الأرض اللبنانية، فهل تبادر الحكومة الى اتخاذ قرار وتفويض وزارتي الخارجية والدفاع بالاتصال بغرفة العمليات الروسية الأميركية المشتركة وتطلب المؤازرة والمعاونة ليتولى الجيش اللبناني عملية التقدّم بظلّ النيران التي ستكون جاهزة من روسيا وأميركا دون أن يضع لبنان نفسه في دائرة الاستقطاب الدولي والإقليمي ويشعر بالإحراج؟ الخلاف بين الافرقاء المتحالفين مع المحورين لم يعد مطروحاً، وسورية اعلنت انها ستعمل بالتنسيق مع العمليات الروسية – الأميركية ببيان رسمي للخارجية يقول «كان كلّ النشاط الأميركي بنظر سورية هو اعتداء على السيادة رغم استهدافه لداعش، أما بعد التنسيق الروسي- الأميركي المعلن، فإنّ التنسيق مع روسيا التي تملك وضعاً شرعياً بنظر الحكومة السورية، يعني شرعنة العمل الروسي الأميركي المشترك وسلاح الجو السوري جاهز للتنسيق من ضمن إطار هذا التفاهم الروسي الأميركي».
بالتالي وتلقائياً، فإنه عندما يتمّ هذا سيغني الحكومة عن التنسيق مع الجيش السوري الذي يعتبر بالنسبة للبعض مصدر إحراج، فالروس والأميركيون ضمن الاتفاق سيستهدفون كلّ ما هو «داعش ونصرة»…
سقط الالتباس فقد كان ممكناً للبنان أن يتريث بإحدى الحالتين، اما انّ هناك بين المسلحين من غير «داعش والنصرة» اسمهم معارضة سورية يقول عنهم الأميركي معارضة والروسي «إرهاباً»، وهذا غير موجود اليوم على أرض لبنان، واما لو كان الأمر مرتبطاً بأحد الطرفين الأميركي او الروسي، حيث يختلف اللبنانيون، فيما اليوم الطرفان يعملان بشكل مشترك ولم يعد هناك ايّ إحراج عند اللبنانيين.
حزب الله من جهته يقاتل في سورية مع الجيش السوري الذي قال إنه ملتزم بالتفاهم الأميركي الروسي، فهل ستنتظر الحكومة اللبنانية كثيراً لإبلاغ واشنطن وموسكو انضمامها للتفاهم؟
مصدر عسكري متابع يشير لـ «البناء» الى اهمية ان تطلب الحكومة اللبنانية هذا الأمر من دون اعتباره تحصيلاً حاصلاً، لأنه وبحسب رأيه ليس اولوية الوجهة الأميركية الروسية بالوقت الراهن بوجود استحقاقات مثل حلب والجولان وغيرهما من المناطق المحرجة نسبياً بالنسبة للطرفين..
تعاني واشنطن اليوم من عدم وجود قوات برية مع وجود وافر للقوة الجوية، أما لبنان فهو قادر على استخدام قوته العسكرية البرية الموجودة لتحقيق التقدّم بالجرود والغطاء الجوي المشترك الروسي المشترك الذي أعلنت عنه غرفة التنسيق المخصصة من الطرفين في عمّان وجنيف، وهي غرفة عسكرية تضمّ عدداً من الضباط الروس والأميركيين لتنسيق الغارات على داعش والنصرة ـ أنشئت منذ حوالي العشرة الأيام تتكفل بذلك.
غرفة العمليات الروسية – الأميركية فرصة لبنانية تفتح امام الحكومة الحالية بوابة التخلص من حالة الجمود التي من شأنها أن تنعكس حدودياً على الجيش اللبناني غير القادر على الدخول في معركة ضدّ الإرهاب في عرسال والجرود على الرغم من تمركز الجماعات المسلحة في مناطق واقعة تحت عينه مباشرة، وكلّ هذا بسبب عدم توفر غطاء حكومي مبارك هو الآخر دولياً يحميه من ذيول التزامات سياسية وعقوبات قد تفقده بعض ما تبقى من علاقات مع دول لا تقدّم له في معركة الإرهاب سوى ما تيسّر من السلاح لا بل تعده بهبات على غرار السعودية وتسحبها من التداول.
فتح معركة الجرود باتت أكثر الحاحاً بعد استنفاد الحجة وانكشاف أمر التنظيمات هناك. وبهذا الاطار يستطيع الجيش اللبناني تحريك آلياته منذ اللحظة بوجه هذين التنظيمين من دون أن يُعتبر خارجاً عن الشرعية الدولية، لا بل يقدم انسجاماً جدياً مع الرغبة الدولية المشتركة بمكافحة الإرهاب بحيث لا تستطيع الدولة رفض هذا التحرك تحت أيّ مسمّى أو ضغط لا يلقى قبولاً داخلياً او خارجياً.