جلسات الحوار… لا براءة ذمة للطبقة السياسية

علي بدر الدين

تتذرّع الطبقة السياسية السلطوية بانعقاد جلسات الحوار في الثاني والثالث والرابع من آب الحالي لترحيل عجزها في إدارة شؤون البلاد والعباد وفشلها في إنتاج الحلول أو أقله فتح كوة في جدار الأزمات والمشكلات الكثيرة التي تراكمت بفعل سياسة الإهمال المزمن المتعمّد وطغيان المصالح الخاصة، ليس لقناعة منها بأهمية الحوار وجدواه، أو ثقة بنفسها لتأكيد قدرتها على التوافق لإنقاذ لبنان، أو لاعتقادها بأنّ المأمول من جلسات الحوار سيشكل مفاجأة للبنانيين باعتبارها محطة مفصلية في تاريخ لبنان الحديث وعليها تعلّق الآمال الكبار لانتشالهم من أزماتهم ووضع قطار الحلّ على السكة الصحيحة بعد طول معاناة وانتظار وأثمان مدفوعة سلفاً أو هي غبّ الطلب.

لا أمل مرتجىً في جلسات الحوار، وإنْ كان الحوار ضرورة ومطلوباً وملحاً في هذه المرحلة، ومع أنّ الآمال والأماني حق مقدس من حقوق الشعب اللبناني المغلوب على أمره المسلوب الإرادة والقرار، المعلّب بصناعة لبنانية سياسية وطائفية ومذهبية بإتقان. على قاعدة «بتحبّ لبنان حبّ زعاماته وصناعتهم»، و«من الحب ما قتل»، ولكن في ظلّ تجربة الطبقة السياسية في حكم لبنان في العقود الثلاثة الماضية وما سبقها فإنّ هذه الآمال هي مجرد أضغاث أحلام وأوهام معلّقة في الهواء، ولا مكان لها على أرض الواقع السياسي السائد، وقد أثبتت التجارب والوقائع التي شهدها لبنان على مدى أزمات نظامه السياسي الطائفي الفاسد عدم نجاعة العهود والمواثيق والاتفاقات ومؤتمرات الداخل والخارج في إخراج لبنان من أنفاق مصالح طبقته السياسية أو فك ارتباطاتها الخارجية بدول أو أحلاف وإن عبّر بعضها بصمت وهدوء هو كرمى لعيون الرعاة الإقليميين والدوليين أو لاعتبارات آنية طائفية ومذهبية تخدم مصلحة هذا الفريق أو ذاك دون المساس في جوهر الصراع الذي تفرض آليات الاستمرار في السلطة والهيمنة والتحكم أن يظلّ قائماً وإنْ خبا لبعض الوقت بهدف تبريد الأجواء وتخدير الناس بانتظار جولة جديدة لاحتدامه وجرّ جمهوره إلى التمترس خلف الغرائز والطوائف والمذاهب ومصالح كبار القوم.

إنّ رمي الطبقة السياسية الحاكمة في ظلّ عهود وحكومات متعاقبة لحمولتها الزائدة على طاولة الحوار لن يقدّم لها براءة ذمة مجانية من أثقال نهجها السياسي الذي أنتج صراعات وانقسامات وانعداماً في المسؤوليات وفساداً سياسياً وإدارياً واجتماعياً وإفرازات طائفية ومذهبية مكروهة بلغت حداً مأساوياً وخطيراً واستمرارها ينذر بأسوأ الاحتمالات والأخطار والتداعيات ولن تنجح عناوين الحوار وشعاراته في تبييض الصفحات السود لهذه الطبقة، ولن تشفع لها جلساته وإنْ استمرّت لألف يوم وليس لثلاثة أيام يذهب أكثر من نصفها للقبلات والمجاملات وتبادل العتاب وآخر الصفقات والتلزيمات ومآدب الفطور والغداء والعشاء، مع أنّ الرئيس نبيه بري أراد من عقد هذه الجلسات إنتاج إيجابيات ولو بحدّها الأدنى بهدف تخفيف الاحتقان السائد الذي بلغ الذروة وبات من دون سقف وإعطاء جرعة أمل زائدة علها تفيد في الآتي من الأيام الصعبة في تهدئة النفوس والحفاظ على ما هو قائم حتى لا تزداد الأمور سوءاً وخطورة، لأنه يدرك ويعلم قبل غيره أن لا حلول في لبنان، ولا مكان لها على الأجندة العربية والإقليمية والدولية، رغم غزارة الوفود الخارجية التي تزور لبنان، لأنّ أولوياتها موضوع النازحين السوريين والتسويق لتوطين جزء منهم في لبنان، وأنه لا انتخاب رئيس للجمهورية إلا في إطار تسوية شاملة على مستوى المنطقة وقد تندرج ضمن الاتفاق الأميركي الروسي على تقسيم الخرائط والمصالح بين أميركا وروسيا.

والسؤال: ما هي المستجدات حتى نتوقع انفراجاً أو تغييراً أو أشباه حلول من المتحلقين حول طاولة الحوار في جلسة أو جلسات لا فرق، فالأسماء والوجوه والسياسات والسلوكيات ذاتها والعقليات المقفلة لدى البعض أصابها الصدأ وتآكلها الزمن ومشاريعها وارتباطاتها ورهاناتها لم تتبدّل وهي معتادة على الوفاء بتعهّداتها للخارج، ولو كان على حساب وطنها وشعبها.

فليعذرنا الرئيس بري الذي نجلّ ونحترم ونقدّر دوره الوطني والتوحيدي ورعايته للسلم الأهلي وللاستقرار الأمني، فإنه لا جدوى من جلسات الحوار ولا منفعة، لأنه لا خير في هذه الطبقة التي تحكم وقد جرّبها اللبنانيون وملّوا وجودها وفسادها وطغيانها وهي التي ضيّعت لبنان في متاهات وصراعات وحروب لا نهاية لها و«فاقد الشيء لا يعطيه» و«من جرّب المجرب كان عقله مخرّب» ولا هم لها سوى تكديس الثروات وترسيخ الزعامات وتوريث الأولاد والأحفاد والأصهار. وإذا كان من خدمة تسديها جلسات الحوار وهي مستبعدة الاتفاق على إيجاد قانون انتخاب وطني تمثيلي متطوّر. هذا هو المحك وقد يؤسّس لتغييرات مرتقبة وينزل الطبقة الحاكمة المترهّلة عن مجدها الزائف، وربما هذا ينعش آمال اللبنانيين لأنهم لا يتوقعون من هذه الجلسات حتى ذرّة خير وتفاؤل.

وسيبقى الأول من آب عيد الجيش شعلة الأمل الوحيدة والثاني والثالث والرابع منه مجرد أيام عبرت يعني «سحابة صيف» لا أثر لها ولا طائل منها.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى