الحريري غير «مغطّى» سياسياً

روزانا رمَّال

ليس مفهوماً حتى الآن ما إذا كانت أسباب الغياب عن لبنان قد انتفت بالنسبة لرئيس الوزراء السابق سعد الحريري، فلا شيء تغيّر أمنياً أو تبدّل ولا حتى سياسياً، لكن الأكيد أنه لم يعُد ممكناً للحريري البقاء في الخارج لحسابات داخلية وخارجية بالمجمل، ففي الداخل تياره اهتزّ بفعل تداعيات الازمة السورية، وفي الخارج تغيّر جذري بالإدارة السعودية مع ظروف كان الحريري فيها أكثر المتضرّرين، أبرزها انشغال بديهي بحرب اليمن وبتداعيات الاتفاق النووي مع طهران ليغيب لبنان عن قدرة السعودية على «التمسك والتماسك فيه».

نفحة «الوفاء» التي يتمتع بها الحريري هي إرث والده، هكذا يقول المقرّبون منه. وهو اليوم يحتفظ بها تجاه المملكة العربية السعودية التي إذا كان هناك من آثار ضياع بادية على الحريري فهي فستكون بسببها… مؤسسات الحريري في الرياض وشركاته لا تحظى اليوم بتلك الأهمية والرعاية نفسهما اللتين كان يحظى بهما قبل وفاة الملك عبدالله، وكذلك الأمر ينطبق على موظفيه الذين يعانون من إفلاس مؤسساته لولا بعض «الوفاء» الذين يحتفظون به هم أيضاً وبينهم من رفع الصوت وانتفض.

يتراءى أمام محمد بن نايف صاحب إمبراطورية الأمن الداخلي كوزير للداخلية قبل أن يكون ولياً للعهد أولاً والمسؤولين السعوديين ثانياً، كلّ الضيق المادي الذي يعيشه الحريري، وهو يعرف أيّ بن نايف بتقاريره المتابعة كلّ ما يحيط بأوضاع المؤسسات التي يرأسها الحريري في المملكة ولبنان، حتى أنّ السلطات السعودية فتحت الباب امام موظفي «سعودي أوجيه» للجوء الى «القضاء» للاستحصال على حقوقهم. هذا إضافة إلى حجب الهبة السعودية عن لبنان التي كانت قادرة على تجيير قوة سياسية للحريري.

هو نفسه ولي العهد كان يقف متفرّجاً يوم تعرّضت مكاتب الحريري في الرياض لهجوم من قبل الموظفين المعترضين، حيث كسّروا وحرقوا واعترضوا بطريقتهم من أجل الحصول على مستحقاتهم في مشهد كان مستحيلاً في السنوات الماضية، حيث تمتعت شركات الحريري برعاية خاصة، وكلّ هذا كان أمام أعين القوى الأمنية من دون أن يتدخل احد لفضّ المشهد سريعاً، وكأنّ هناك من يريد للحريري أن «يستنتج» و«يدقق» جيداً في ما جرى.

ليس غريباً الفتور بين ولي العهد وبين الحريري، فالعلاقة ليست سليمة منذ تلك اللحظة، حيت وصف الأخير بن نايف بالسفاح أمام المحققين الدوليين بجريمة اغتيال والده، وهذا الأمر لم يكن يومها سراً، لكن الأكيد أنّ أحداً غير قادر على حسم تحسين العلاقة بينهما اليوم…

في هذا الوقت تبدو على وجه الحريري مشاعر الودّ لولي ولي العهد وزير الدفاع محمد بن سلمان، وهو الوزير الشاب الذي يحظى غالباً بإشادة الحريري حول مجمل مواقفه، خصوصاً تلك المتعلقة بالحرب على اليمن وبورشة الإصلاح الإنمائي والخطة التي رفعها للتنمية لعام 2030، وهو ما يعتبر أحد ابواب التقرّب من الإدارة الجديدة بالنسبة للحريري.

على المقلب الآخر تبقى العلاقة بين محمد بن نايف وبين اللبنانيين مبهمة ما خلا العلاقة مع الوزير المستقيل أشرف ريفي حسب المعلومات، وهو الذي يتحفظ على الظهور بأيّ موقف تصعيدي بخلاف محمد بن سلمان الذي يبدو متطرفاً.

العلاقة «العادية» بين بن نايف وريفي أثمرت تحدياً من نوع آخر عند الحريري، قد لا يكون تموضعاً نهائياً تجاه ريفي، إنما ضرورة لكسر الحريري شعبياً، وهنا تتحدث نتائج الانتخابات البلدية الأخيرة في طرابلس عن هذا الأمر بشكل وافر. وها هو ريفي يتحوّل إلى ألد أعداء وخصوم الحريري السياسيين، فهو يصوّب على كلّ ما يقوم به وآخره جلسات الحوار التي حظيت بنصيبها الوافر من هجوم ريفي عليها.

تكفي الدعوة التي أرسلها ولي العهد وزير الداخلية محمد بن نايف لريفي لحضور مؤتمر الأمن في جامعة الأمير نايف بن عبد العزيز للعلوم الأمنية، والصورة التي تمّ توزيعها لتحدث موجة من الإرباك عند الحريري، وتظهر للبنانيين انقساماً لا يعدو كونه محصوراً عند المستقبل في لبنان أو عند حلفاء الرياض، بل إنّ هذا الانقسام نفسه تعيشه الإدارة السعودية، وهنا ليس وارداً في هذه الظروف الاعتماد على الحريري غير «المغطى» أصلاً من المملكة العربية السعودية. فلم يشهد اللبنانيون حتى الساعة أيّ دعم سعودي للرجل حتى أنّ حضوره في عيد الفطر للصلاة في المملكة كان إلى جانب الرئيس تمام سلام كنوع من التغطية، لا بل شهدوا محاولات إضعافه مادياً، وهو الذي يرأس حزباً ورثه عن والده الذي تميّز أمام اللبنانيين بالقدرة على الإبهار بالوفرة المالية والازدهار المؤسّسي والاقتصادي لعائلة نجحت في تقديم رجل أعمال من طراز الحريري الأب.

إذن الحريري اليوم غير مغطى سياسياً، وبالتالي لا يمكن الاعتماد عليه في أيّ جلسة او خلوة حوارية أو حتى في قرار مفصلي محلي وتحميله ما لا يمكنه البت به، خصوصاً لجهة مبادرته الرئاسية او قانون الانتخاب. وهذا لا علاقة له بنضوج الوقت إقليمياً لحسم ملف الرئاسة، بل له علاقة بعملية تراكمية و«هالة» كان من المفترض ان تنمو قبل الوصول إلى لحظة الاستحقاق الذي من شأنه أن يطرحه اسماً قوياً، إذا سنحت الفرصة، وإلا فإنّ تكبيل الحريري هو منهج مقصود سعودياً وتحجيم حضوره مسألة قرار، وإلا لكان وضعه المادي والمعنوي أفضل بكثير.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى