الموسيقار محمود عجان… ويبقى منارة موسيقية تستهدي بها الأجيال
لا يمرّ الثاني من شهر آب على أصدقاء الموسيقار السوري الراحل محمود عجان ومحبّيه، من دون أن يعود طيفه إليهم ليستذكروه بقوّة في أحاديثهم وكتاباتهم الأدبية. ففي 2 آب عام 2006، رحل عجان عن عالمنا تاركاً خلفه إرثاً موسيقياً كبيراً يحمل كثيراً من عطاءاته التي استطاع من خلالها احتلال موقع مهام في التاريخ الموسيقي السوري المعاصر.
ويعتبر عجان الذي ولد في اللاذقية عام 1916 من أوائل المدوّنين والمؤلفين الموسيقيين، كما يعدّ أول مدرّس للموسيقى في محافظة اللاذقية، واستمر في مجال التدريس منذ عام 1946 حتى عام 2002. وأسّس مع لفيف من رفاقه «النادي الموسيقي» في اللاذقية عام 1946 الذي أرسى دعائم نهضة فنية كبيرة شملت إلى جانب الموسيقى، المسرح والتصوير الضوئي والفنون الشعبية والفنّ التشكيلي وغيرها من الفنون.
نشرة «سانا الثقافية» التقت الموسيقي زياد عجان شقيق الراحل محمود عجان، الذي تحدّث عنه قائلاً: نشأ شقيقي في جوّ عائليّ موسيقيّ، فأحب الموسيقى وزاولها كهواية. وكان يهوى إلى جانبها الرسم وأبدع فيه، وقام بتدريسه إلى جانب الموسيقى. فعشقه للفن جعله موهوباً في عدّة مجالات برع فيها كلّها.
وأضاف: طبع أعمال الموسيقار محمود أسلوب خاص في العزف والتأليف، وحملت أعماله سمة التجدد والابتكار والمتانة، كما تمتاز تقاسيمه الارتجالية بكل جديد ومبهر. أما مؤلفاته الموسيقية فأكثر من أن تحصى، خصّ فيها قوالب التراث من غالبية أعماله، واهتم بالأناشيد الوطنية والقومية ولحّن منها عدداً وفيراً.
ولفت إلى اهتمام الموسيقار الراحل بإصدار مؤلفات ثقافية لها صلة بالمجال الموسيقي. فكان كتابه الأول «من تراثنا» الذي صدر عام 1990 ليضع كتابه الثاني بين أيدي قرّائه عام 2001، والذي حمل عنوان «الليل والعين في التراث الشعري والموسيقي»، إلى جانب تأليفه كتباً لم تنشر بعد، ككتاب «الإيقاع وفلسفته»، وكتاب «الموسيقى النظرية»، وكتاب «المقامات».
الصالون الموسيقي يعتبر أيضاً واحداً من الإنجازات اللافتة للراحل عجان الذي كان يستقبل في منزله كلّ يوم جمعة مجموعة من الأصدقاء محبين الموسيقى والغناء من مدينة اللاذقية وباقي المحافظات.
ولفت زياد إلى أن هذا الصالون استمرّ لمدة تزيد على نصف قرن، وكان يزوره في أحيان كثيرة فنانون كثر من خارج سورية قادمون من دول عربية وأجنبية مختلفة. فكان بمثابة واحة فنية متنوّعة تجمع فيها مختلف المشارب والتجارب الفنية.
ولم يكن الفنان عجان بعيداً عن جمهوره، فقدّم خلال مسيرته عدداً من المحاضرات والندوات أمامهم. وساهم في التحكيم الموسيقي في مهرجانات فنية مهمة عدّة، كما أطلّ على متابعيه من خلال مقالاته المتنوّعة ومقابلاته المقروءة والمسموعة التي قدّمت معلومات مهمة للمتلقّي المهتمّ بالمجال الموسيقي بتفاصيله كلّها.
كُرّم الراحل عجان من وزارتَي الثقافة والتربية ونقابة الفنانين ومن معهد الدراسات الشرقية في موسكو، وفي عام 2013 أسّست وزارة الثقافة ـ مديرية المعاهد والموسيقى، معهداً موسيقياً في مدينة اللاذقية يحمل اسمه تكريماً لبصمته الموسيقية في محافظته التي ولد وتوفي فيها، حيث يعتبر صرحاً أكاديمياً يدرّس طلابه الموهوبين مختلف الآلات الموسيقية والغناء وفق أحدث المناهج وأكثرها تطوّراً.
أصدقاء الموسيقار الراحل لم ينسوه أيضاً من بديع كلماتهم. ولعلّ قصيدة صديقه مدرّس الفنون التشكيلية رشيد شخيص التي نظمها في رثائه عام 2013 تعتبر الأكثر عمقاً في وصف اشتياق أصدقائه ومحبّيه له، وتعظيمهم إرثَه الفنيّ الهام، وقال في بعض أبياتها:
أغليت فنّك عزّة وفخاراً
أطلعت أقماراً وصغت نهارا
أبدعت ألحاناً سما تعبيرها
فشدا الكمان وألهم الأوتارا
أمعلّم النشء العزيز فرائداً
من ذا يكافئ جوهراً ونضارا؟