مَن يخدع مَن: لافروف أم كيري؟
ناصر قنديل
– يقول وزير الخارجية الأميركي جون كيري في تصريح قبل يومين إنه يخشى من أن تكون الممرات الإنسانية التي أعلن عنها الروس مجرد خدعة، ويحذّر من أنه في حال ثبوت ذلك فإنّ واشنطن ستوقف كلّ أشكال التعاون التي بدأتها مع روسيا وفقاً لتفاهمات موسكو، واللافت أنّ كلام كيري لم يتطرق إلى العمل العسكري الذي أوصل الجيش السوري وحلفاءه إلى إكمال سوار حلب خصوصاً من جهة السيطرة على الكاستيلو والليرمون بصفته خدعة، بل حصر حديثه عن الممرات الإنسانية، في المقابل يتحدث حلفاء سورية منذ بدء الإعلان عن هدنة نهاية شباط وأحكامها، وما تبعها من تسليح نوعي لجبهة النصرة والفصائل العاملة تحت لوائها أو على تماس معها، تضمّن مئتين من الدبابات وألفاً من صواريخ التاو ومئة مدفع ميدان بعيد المدى وعشرات آلاف القذائف، عدا التمويل بمئات ملايين الدولارات واستقدام آلاف المسلحين من تنظيم القاعدة عبر حدود تركيا مع سورية، وعن أنّ الأميركيين قاموا بخداع الروس بالإيحاء بسيرهم بتفاهمات تهدف لحصار النصرة وداعش وعزلهما عن المشهد السياسي والعسكري في سورية كتنظيمين إرهابيين، وتمادوا في طلب تمديد المهل لهذا الغرض، حتى اكتملت تحضيرات النصرة بشراكة تركية قطرية سعودية إسرائيلية، وبدأ هجومها الذي أدّى لاسترداد خان طومان وخلصة في ريف حلب الجنوبي وكنسبّا في ريف اللاذقية وتكبيد الجيش السوري والخبراء الإيرانيين ومقاتلي حزب الله عشرات الشهداء، وأنّ هذا الخلاف لا يزال مستمراً رغم الإعلان عن التفاهم الجديد، وأنّ الأميركيين يماطلون مرة أخرى بداعي الحاجة للمزيد من الوقت للفصل بين ما يسمّونها بالمعارضة المعتدلة وجبهة النصرة، ويضغطون على الروس للتوقف عن تقديم الدعم لأيّ عمل عسكري جدّي بوجه النصرة بهذه الذريعة.
– في واشنطن يُنظر إلى وزير الخارجية الأميركي جون كيري بصفته الزوج المخدوع في العلاقة التي يديرها مع واشنطن من الطرف الروسي وزير الخارجية سيرغي لافروف، وفي أوساط حلفاء سورية يجري النظر إلى سيرغي لافروف بصفته الزوج المخدوع، أو صاحب الأوهام والأحلام بتفاهم مع واشنطن، تستغله الأوساط الأميركية لإرباك جبهة الحلفاء، ومثلما يذهبون في واشنطن للحديث عن تصرف مبالغ به من جانب كيري بتخطّي حدود الرغبات التي ترسم سياسة الرئيس باراك اوباما، يتحدث الكثيرون من حلفاء سورية عن لافروف بطريقة مشابهة، فيما تقول الوقائع الكبرى في سياستي الرئيسين الأميركي والروسي باراك أوباما وفلاديمير بوتين إنّ التفاهم بين موسكو وواشنطن قدر لا مفرّ منه تفرضه معطيات أكبر من أدوار الأشخاص ورغباتهم. وهو تفاهم مؤسّس على قيام روسيا بالتعاون مع الدولة السورية وحلفائها على ضرب جبهة النصرة، بعد استنفاد الرهانات عليها وانكشاف حدود قدراتها من جهة، ونفاد الوقت الأميركي المتاح للمناورات قبل حلول موعد الانسحاب من أفغانستان وما تبقى من عمر الإدارة الأميركية الحالية من جهة ثانية، بينما يبدو التفاهم من الجهة الروسية منطقياً بتقديم مكسب معنوي للأميركيين بالشراكة في إنجاز بوجه تنظيم داعش عجزوا عن إنجازه بواسطة القوى التي يدعمونها، والتموضع على عنوان جديد في مقاربة الملف السوري عنوانه الحرب على الإرهاب بدلاً من عنوان تغيير النظام.
– بينما يجري الحديث في موسكو مجدّداً عن تردّد وبعض مماطلة وشبهة خداع أميركي في الفصل بين الإرهاب ومن يسمّونها بالمعارضة المعتدلة، يصير السؤال عن مصدر الازداوجية التي ترتب هذا الالتباس، وهل هو سياسة واعية لدى أحد الطرفين أو لديهما معاً، أم هو تعبير عن ضعف حيلة لدى أحدهما في التعامل مع حلفائه، بينما لا يصدق كلّ مَن في واشنطن لغة التيارات والتباينات في الإدارة الروسية في قراءاتهم ولا الحديث عن ضعف قدرة موسكو في ضبط إدارة حلفائها، ويرفض كلّ مَن في موسكو التصديق بعجز أميركا عن إدارة وضبط حلفائها ومَن يعمل تحت رعايتهم، ولا عن وجود تيارات أميركية متصارعة في قلب الإدارة، بل التسليم بأنّ ما يجري بين الحلفاء على كلّ ضفة بصفته تقاسم أدوار، وكذلك عن المواقف المتباينة شكّلا للمسؤولين في الإدارتين الروسية والأميركية، فهل هذه هي الصورة الفعلية للمشهد؟
– موسكو وحلفاؤها متفقون على ثنائية إفساح المجال لمن يخرج من عباءة النصرة من جهة، وعلى قتال حاسم لتطهير شمال سورية من النصرة من جهة أخرى، ويعرف الأميركيون ذلك جيداً. بينما في واشنطن يبدو الأمر مختلفاً، ففي الوقت الذي أعلن فيه وزير الخارجية الأميركي جون كيري عن التفاهم مع موسكو حدثت ثلاثة تطورات لا يمكن فصلها عن شيء ما يجري في واشنطن، أولها التغيير المفاجئ في وضعية جبهة النصرة، سواء بالبيان الصادر عن زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، أو بالبيان اللاحق لزعيم النصرة أبي محمد الجولاني، وتغيير اسم الجبهة، وهو ما لا يستهدف بالتأكيد مخاطبة حكومات تركيا والسعودية وقطر وإسرائيل وفرنسا، وهي حكومات دأبت على بذل الجهود لدعم وحماية جبهة النصرة، وتحييدها عن الاستهداف، بقدر ما يهدف لمخاطبة واشنطن بطلب وتنسيق مع بعض الدوائر فيها في لحظة متسارعة لنسف التفاهم الروسي الأميركي، القائم على حسم أمر مشروعية الحرب على النصرة، وكلّ مَن يتموضع معها، بعدما كانت النصرة قد رفضت كلّ العروض للتمايز عن القاعدة في مراحل سابقة بنصائح ومساعٍ من تركيا وقطر والسعودية وعرض فرنسي بمعاملة النصرة وفق معادلة تشبه فيها وضع حركة حماس بتسمية حركة وطنية دينية لديها بعض الممارسات الإرهابية ويمكن تأهيلها للعملية السايسية، وفقاً لدفتر شروط. وجاءت «واشنطن بوست» تفسّر بيانَي الظواهري والجولاني فتقول إنّ الإخراج السيّئ للتمايز أبطل فرصة الإفادة منه، كما كانت تأمل أوساط فاعلة في واشنطن لم تحدّدها، ويفسّر تفسير «واشنطن بوست» كلام المرشحة هيلاري كلينتون عن عزمها تغيير السياسة في سورية بوضع خطة للوصول إلى سورية بلا رئيسها الذي ارتضت إدارة الرئيس أوباما التخلي عن اعتبار مواجهته معيار سياستها في سورية، وكلام هيلاري كلينتون يبقى غامضاً بحاجة إلى تفسير لولا كلام وزير الدفاع الأميركي آشتن كارتر الذي يتقدّم كمرشح للبقاء في وزارته إذا فازت كلينتون بالرئاسة، والذي تحدّث بوضوح عن نيته التركيز على جنوب سورية في الحرب على داعش، متجاهلاً الحرب على النصرة، والمعلوم هشاشة وضع داعش مقابل الحضور الوازن للنصرة في الجنوب السوري، وارتباط حضور النصرة هناك بعلاقة حيوية مع خلفية سعودية عبر الحدود الأردنية، ووظيفة محورية في استراتيجيات الأمن الإسرائيلي الأميركي لكلّ صيغ التسويات والحروب في سورية، وهي إقامة الحزام الأمني حول الجولان ومنع المقاومة من بلوغ خط الاشتباك هناك، وما يعنيه كلام كارتر وكلينتون وتغييرات النصرة من ترابط يفضي إلى خطة تموضع النصرة بأسماء جديدة تحت عنوان الحرب على داعش للقيام بالمهمة.
– ما تظهره معارك شمال سورية من أسلحة بيد جبهة النصرة، بما فيها المضاد للطيران، يؤكد شراكة أميركية لا يمكن بدونها وصول هذه الأسلحة النوعية إلى أيدي النصرة، حتى لو كان التسليم من مستودعات الجيش السعودي أو القطري أو التركي أو الإماراتي، كما تقول المعلومات الاستخبارية التي تتداولها وسائل إعلام روسية بعد سقوط الطوافة الروسية مؤخراً، وتشير الأصابع إلى آشتون كارتر وزير الدفاع الأميركي ومن ورائه هيلاري كلينتون، كشريكين يواصلان ما بدأته كلينتون من سفارة واشنطن في بنغازي عندما أمرت بتسليم شحنات من السلاح الكيميائي الذي استخدم في غوطة دمشق لتبرير الحرب على سورية، التي وقعت على قرار السير فيها كلينتون يومها كوزيرة خارجية، ووصلت إلى البيت الأبيض، الذي أمر بإرسال الأساطيل قبل أن يأمر بعودتها، تفادياً للمواجهة المفتوحة مع روسيا وإيران وحزب الله، التي أظهرها إسقاط الصاروخين الاختباريين الأميركيين قبالة الساحل السوري بصواريخ مضادة.
– كلينتون التي صارت مرشحة التحالف السعودي الإسرائيلي، وشريكهما الثالث جبهة النصرة، تتلاعب بالتفاهمات الروسية الأميركية، بما تبقى من ولاية أوباما، بواسطة كارتر، تمهيداً لفصل جديد من الحرب في سورية، تحت عنوان الأفغنة بدلاً من الأخونة، لرفع سقف التفاوض وتغيير التوازنات، ليس أملاً بكسب الحرب، لكن بحثاً عن ربط نهاياتها بضمان مصالح الإسرائيلي والسعودي.