القصف الأميركي لسرت هلَ يُنهي الفوضى الليبية؟
حميدي العبدالله
مرة أخرى تورّطت الولايات المتحدة بالتدخل العسكري المباشر في ليبيا، وتذرّعت هذه المرة بطلب رسمي من الحكومة الليبية الحالية. والأرجح أنّ التدخل الأميركي المنفرد، الذي جاء بناءً على طلب الحكومة الليبية المعينة من قبل الدول الغربية تحت ستار الأمم المتحدة، ما كان ليحدث لولا الإعلان عن وجود قوات خاصة فرنسية تقاتل إلى جانب بعض الجماعات المسلحة التي تتقاتل في ليبيا. لقد أدّى الإعلان عن مقتل عناصر من القوات الخاصة الفرنسية إلى ما يشبه حالة الذعر والفزع لدى الولايات المتحدة خشية أن يؤدّي الوجود الفرنسي إلى الهيمنة على المرافق النفطية اللبيبة، ولهذا سارعت الولايات المتحدة إلى دعم الحكومة الليبية، وتوجيه ضربات لمواقع «داعش»، وقطع الطريق على التفرّد الفرنسي.
بمعزل عما إذا كانت نتائج القصف الجوي الأميركي لداعش في سرت الآن وربما لاحقاً في مواقع أخرى، ستقود إلى اجتثاث تنظيم داعش وإبعاد خطره عن ليبيا أم لا، فإنّ السؤال المطروح هل تساهم المشاركة العسكرية الأميركية في ضرب داعش وتقديم الدعم للحكومة الليبية إلى إنهاء الفوضى المسلحة التي اجتاحت ليبيا منذ إسقاط القذافي على أيدي قوات الناتو والمتعاونين معها؟
الفوضى المسلحة وغياب الاستقرار في ليبيا، لا يعود حصراً إلى وجود تنظيم داعش ونشاطه المستمرّ في هذا البلد الغني بثروته النفطية.
الفوضى المسلحة في ليبيا مصدرها عاملان أساسيان:
ـ العامل الأول، الصراع الدائر بين اللواء خليفة حفتر ومن يؤيده وجماعات مسلحة أخرى، ومعروف أنّ اللواء حفتر يقيم علاقات جيدة مع مصر والأردن، وله صلات واضحة مع حكومات غربية، ويحوز على تأييد لا يمكن التقليل من شأنه من جهات ليبية عديدة، ولهذا لعب دوراً كبيراً في معركة بنغازي في مواجهة تحالف آخر كان يسيطر على المدينة وعلى العاصمة طرابلس، ومدعوم من قطر وتركيا، وتسيطر عليه جماعية الإخوان المسلمين في ليبيا. وكان واضحاً أنّ جميع الاتفاقات التي دعمتها الأمم المتحدة لم تستطع وضع حدّ للخلاف بين هاتين الجماعتين، ولا تزال كلّ جماعة تتمسك بسيطرتها المنفردة، وترفض التعاون، وطالما استمرّ الخلاف بين هاتين الجماعتين، فإنّ الفوضى المسلحة لن تختفي على الإطلاق.
ـ العامل الثاني، ثمة صراع على السلطة بين القبائل والمناطق التي فشل نظام القذافي على امتداد أكثر من أربعين عاماً على إذابة العصبيات القبلية والمناطقية، ومن الصعب على أيّ قوة وضع حدّ لهذا الصراع.
هكذا حتى لو نجحت الولايات المتحدة بإبعاد داعش بشكل كامل عن ليبيا، وهو احتمال ضعيف في ضوء نتائج تجارب الولايات المتحدة في العراق وسورية، فإن ذلك لن يضع حداً للفوضى المسلحة، بل إنّ التدخل الأميركي سوف يزيد من معاناة الليبيين.