باقة حروف إلى الشامخ شعراً… عصام العبد الله
غادا فؤاد السمّان
قصيدتي…
لا تملك أيّ حيوية هذا الصباح.
لا تلوي حتى على بقايا ابتسامة تلوّنها.
لا تكترث لزقزقة العصافير التي تغنّي لها على شرف الولائم اليومية.
قصيدتي… قلقة، حزينة، مُربَكَة حتى آخر السطر.
صديقها الطائش عصام العبد الله،
صديقها المشاكس، المشاغب، المحنّك، المُستفِزّ، الذكيّ، اللمّاح، المخلص، المحبّ، الودود، اللدود أحياناً وعن سابق تصميم، الشاعر، والشاعر دائماً… في قبضة الجرّاحين.
قصيدتي تعرف عصام العبد الله جيداً، أو هكذا يُخيّل لها، لتشهد بإصرار، بل لتشهد بيقين على اقتضاب اللقاءات بينهما، والتي تقتصر عادة على مزاجها الأرعن الموغل في العزلة والعناد… تشهد أنّ عصام العبد الله كان أباها حين أنّبها ذات مساء كيف تأخّرت عن كأسِ الحليب والخلود للنوم وهي طفلة وحيدة عند
بوابة الليل… تشهد أنّ عصام العبد الله كان أخاها في مهبّ الأصدقاء المتبدّدين كالفقاعات.
أنّه كان صديقها، وصديق روحها وفكرها ولغتها، وهو العابث العفويّ الطليق بلغته الشيّقة وأفكاره الولود وعباراته الصاخبة على مدار جملته الشفهيّة والشعرية التي يعزّ نظيرها.
قصيدتي مثلي متوتّرة هذا الصباح، لا يكفي أن أطمئنها باتصال هاتفيّ يحدّثني فيه «ورد» أنه تمّ الإفراج عن عصام العبد الله من غرفة العمليات بكفالة «أم حازم». وها هي الآن تترصّد جولات المخدّر في اللاوعي وكلّ ما يمكن أن يصحب معه عبر خريطة الصحو. لم يكن يتّسع الهاتف لتفاصيل كثيرة، خصوصاً أن هواتف كثيرة تتزاحم للسؤال عنه. فهو الزعيم وأنصاره كثر. فقط كنت أريده أن يعلم وهو في عزّ غيبوبته، وفي صميم صحوه، وحين يتمدّد على سرير النقاهة، وحين يحتسي الشاي، وحين يبتلع حبّة الدواء، وحين يعود لإشعال لفافة التبغ، وحين يعتصم بحبل أفكاره ليكبّل به القاصي قبل الداني على طاولة المقهى، حين
يضحك، حين يسكت، حين يغضب، وحين يلعب… أريده أن يعلم جيداً أنه العصب الحيّ للمشهد الثقافي في بيروت، أنه الحرف الساخر والحرف الساحر على متن القصيدة والحوارات كافّة، أنه مأوى الكلمة الضائعة التي لن تلجأ لسواه، أنه الكثير من الإنسانية، والكثير من الحضور، والكثير من الصدق، في زمن شحّت فيه
حفنة الأوكسجين ونضبت كلّ آبار الودّ.
لهذا، بِاسمي وبِاسم قصيدتي وبِاسم بيروت وبِاسم كلّ فناجين القهوة التي تنتظره، وبِاسم كلّ الكراسي التي لن يملأها سواه كزعيم لا يليق بغيره اللقب ذاته، أرجوه أن ينتبه لنا لعصام جيداً، وأن يعيده إلى دائرة الكلام التي لا تكتمل إلّا بمفرداته هو شخصيّاً… أطال الله بعمرك.
عصام العبد الله، وأعطاك مدداً من القلوب التي تحبّك وتحترمك وتُكبِرك وتفتديك.