«أرمن دمشق»… كتاباً بحثياً للدكتور سركيس بورنوزسيان

محمد خالد الخضر

يستعرض كتاب «أرمن دمشق» لمؤلّفه الدكتور سركيس بورنوزسيان وجود الأرمن في سورية، ودورهم الحضاري، لا سيما في مدينتَي دمشق وحلب.

ويتحدّث الكاتب عن المجتمع الأرمني الدمشقي الذي اتّسم بمستوى معرفيّ واسع وانفتاح على الآخر، وتكلّم أبناؤه لغة الضاد بطلاقة إلى جانب انتشارهم في كل أحياء دمشق وضواحيها، ومخالطتهم مختلف المكوّنات من دون أن يميّزوا أنفسهم بنمط معيّن.

ويوضح الكاتب أن العلاقات بين أرمينيا وسورية بدأت منذ عهد الإمبراطور ديكران الثاني عام 55 قبل الميلاد. كما ضمّت جيوش زنوبيا ملكة تدمر فرقة مؤلفة من الجنود الأرمن، وكان ابنها حاكماً على جنوب أرمينيا. موضحاً أنه بحكم التداخل الجغرافي بين بلاد الشام وأرمينيا تطوّرت العلاقة بين الشعبين وأخذت بعداً آخر أكثر رسوخاً وصداقة.

ويتابع: إن العلاقة بين دمشق والأرمن توطّدت عام 652 ميلادياً، عندما زار أول حاكم أرمني مدينة دمشق وهو الأمير تيودور رشدوني، ووقّع معاهدة مع الخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان بعد الانتصار المشترك الذي حققته القوات الأرمنية والعربية المتحالفة معها ضدّ إمبراطور بيزنطية هيروكوكيس.

وكانت سورية بحسب الكاتب محطّة مهمة من محطّات «طريق الحرير»، وبحكم تعاطي الأرمن للتجارة، كان طموحهم الدائم الوصول إلى موانئ المتوسط لتوصيل تجارتهم وبلوغها الموانئ الأوروبية ومنها فينيسيا وفلورنسا، ما دفعهم للهجرة إلى المدن السورية وإقامة مراكز تجارية فيها.

كما عرج الكاتب على امتداد العلاقة إلى يومنا هذا حيث بدأت هجرات الأرمن إلى سورية منذ مطلع القرن العشرين بسبب ما عانوه من ويلات الحروب التي دارت في بلادهم، من دون أن يكونوا طرفاً فيها، إضافة إلى أن سورية كانت ممرّاً للحجّاج الأرمن باتجاه القدس.

ويشير المؤلف في كتابه إلى المخيمات التي بناها الأرمن في دمشق في منطقة الزبلطاني وغيرها، على إثر هجراتهم إليها. وإلى تعامل السوريين الراقي معهم بكلّ طوائفهم، وتفاعلهم مع الدمشقيين وبنائهم الكنائس في حي باب توما ودير الراهبات وكنيسة الأرمن الكاثوليك في جادة البكري.

ويلفت المؤلف في كتابه إلى أهمية الجمعيات الثقافية لأرمن دمشق منذ بداية العصر الحديث، ومساهماتهم في الأدب والترجمة والإعلان والموسيقى والحركة المسرحية والفنون التشكيلية، وسطوع أسماء لفنانين مهمّين مثل خاتشيك طوباليان وغيره، إضافة إلى المؤسسات الاجتماعية والتربوية والشبابية والخيرية والرياضية والكشفية لأرمن دمشق.

كما يورد الكتاب قراءة في حياة بعض الشخصيات الأرمنية المهمة ومدى أثرهم في الحياة الثقافية والاجتماعية والتجارية، وأسماء المراجع والكتب والصحف والدوريات التي اعتمد عليها.

ويشير الكاتب إلى أن زيارات رؤساء أرمينيا إلى سورية استمرت حتى يومنا هذا. ففي عام 1991 زار رئيس جمهورية أرمينيا ليفون تير بيتروسيان السوري المولد سورية، ثم تبعه الرئيس روبيرت كوتشاريان عام 2000، والرئيس الحالي سيرج ساركيسيان عام 2010.

ويعتبر الكتاب الصادر عن الهيئة العامة السورية للكتّاب من أهم الكتب الوثائقية المنهجية التي رصدت أهمية العلاقة بين الأرمن والسوريين.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى