كلينتون وبترايوس وكارتر: الانقلاب التركي ودعم النصرة لتحجيم موسكو؟ الحوار يتلقف فرصة بري ودعوة حردان لآليات الطائف ومجلس الشيوخ أولها
كتب المحرّر السياسي
مع التصعيد الذي أعلنته جبهة النصرة شمال سورية، بالحديث عن حرب وجود مع روسيا بلا حدود ولا ضوابط، بالتزامن مع التغيير الذي أعلنه قادتها حول علاقتها بتنظيم القاعدة، طرحت في موسكو أسئلة جدية وعميقة حول جدية وصدقية فرص التعاون مع واشنطن وفقاً لتفاهمات موسكو، خصوصاً أن ما جرى حول النصرة لا يعدو كونه مسرحية لا تحتاجها علاقة النصرة بالسعودية وإسرائيل، بل علاقتها بأميركا، وما يجري من ارتباك في وزارة الخارجية الأميركية في التعامل مع تفاهمات موسكو وإنكار وجودها، لا تفسره قضايا خلافية أو تجاوز روسي لحدود التفاهم، كما تشيع أوساط الخارجية الأميركية وفقاً لما تقوله مصادر متابعة في موسكو، بل لدرجة حضور الضغوط التي تمارسها المرشحة الرئاسية الديمقراطية هيلاري كلينتون لتعطيل التفاهم وتجميد العمل بمفاعيله. وترسم هذه الأوساط الروسية أسئلة كبرى حول مستقبل هذا التفاهم في ظل ما تسميه تقارير استخبارية دور مثلث هيلاري كلينتون ورئيس المخابرات الأميركية السابق ديفيد بتريوس ووزير الدفاع الحالي أشتون كارتر، على جبهة تحجيم دور موسكو في الحرب السورية، ولو أدى ذلك إلى التضحية بفرصة الفوز بالحرب على داعش، إذا أمكن إنقاذ جبهة النصرة من المقصلة، لأن النصرة بنظر الثلاثي خشبة خلاص من داعش لاحقاً، وضمانة شراكة في فدرلة سورية واقعياً، بإمساك الحدود السورية العراقية والحدود السورية اللبنانية والحدود السورية مع فلسطين المحتلة، حيث أمن إسرائيل الحيوي، ويتواصل استنزاف سورية وحزب الله، وتأمين مكانة سعودية في معادلات المنطقة ستخسرها إذا تمّ السير بالتفاهمات، ولخدمة هذا التوجه تقول التقارير إن الثلاثي نفسه يقف وراء تزويد النصرة بصواريخ نوعية كانت وراء إسقاط الطوافة الروسية فوق ريف إدلب. وكان توظيف تأثير بتريوس وكارتر في كل من قيادة المنطقة الوسطى للجيوش الأميركية وقاعدة أنجرليك، من جهة، ودور مكتب كلينتون للمحاماة كوكيل لرعاية مصالح فتح الله غولن في الولايات المتحدة وخارجها، للتشجيع على الانقلاب الفاشل في تركيا، بعدما تبلور تموضع الرئيس التركي على خط التفاهم الروسي الأميركي، والتهيؤ للخروج من الحرب السورية، طلباً لاستعادة علاقة جيدة مع روسيا، وتفادياً لدفع المزيد من الأثمان في هذه الحرب، بينما تبدو تركيا حاجة ماسة لمشروع الثلاثي، ويصفها بترايوس ببديل دور باكستان في الحرب الأفغانية بالنسبة للحرب السورية بينما تصف كلينتون جبهة النصرة بطالبان سورية التي يمكن التأقلم مع تشددها الداخلي والحؤول دون تحولها إلى إرهاب دولي يستهدف الخارج، كما هو الحال في وضعية طالبان.
على خلفية هذه القراءة لتحول الإدارة الأميركية إلى بطة عرجاء عاجزة منذ الآن سواء ثبتت صحة المعلومات عن التلاعب الذي يقوده الثلاثي كلينتون بترايوس كارتر أم لم تصح، تتجه موسكو وطهران ودمشق لمنح الميدان الأولوية التي تأجلت مراراً لمنح فرص التفاهم مع واشنطن المزيد من الوقت، وتشهد الجبهات خصوصاً في شمال سورية، حشوداً واستعدادات لنقلات حاسمة في الحرب، بدأت طلائعها مع نجاح الجيش السوري والحلفاء في سحق الهجمات التي شنتها النصرة ومَن معها، خلال اليومين الماضيين بحصيلة تخطّت الألف قتيل على محاور الراموسة وحندرات، كما بدأت موسكو باستخدام قاذفاتها الاستراتيجية مجدداً في جولات قصف مركز لغرف العمليات والمستودعات، واستخدام السفن الروسية في البحر المتوسط لقصف أهداف دقيقة وحساسة في ريف إدلب، بينما أعلنت قيادة النصرة عن تجنيد مئة ألف مقاتل للفوز بحربها لتكتسب حلب بجدارة صفة ستالينغراد الحرب العالمية الثالثة، وتتراجع فرص واشنطن بتكرار الإفادة من الشراكة بالنصر على الإرهاب، على عكس ما حدث في الحرب العالمية الثانية عندما حقق إنزال النورماندي لواشنطن الشراكة مع روسيا في رفع شارة النصر على النازية.
لبنانياً، تبدو القراءات التي شهدتها جلسات الحوار الوطني، تعبيراً عن انطلاق جامع من غياب التفاهمات الدولية والإقليمية لبناء جسر داخلي يمنع السقوط، يمنح لبنان فرص الصمود ريثما تتاح الفرص الدولية والإقليمية لخطوات بحجم الاستحقاق الرئاسي، حيث لا أوهام على القدرة بالخوض بمخاطرة من هذا العيار دون غطاء توفره التفاهمات الخارجية. فانتقل البحث إلى الإطار التوافقي المتمثل بتطبيق اتفاق الطائف، كجدول أعمال للحوار، انطلاقاً من الباب الذي فتحه رئيس مجلس النواب نبيه بري وتلقف الدعوة التي وجّهها رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي للمتحاورين لاختبار قدرتهم على الوفاء بموجبات الالتزام باتفاق الطائف من بوابة قانون الانتخابات، الذي يقدّم الطائف والدستور له وصفة تفتح باب الجمع بين التطلعات الإصلاحية والهواجس الطائفية، تتمثل بصيغة مجلسين للنواب والشيوخ. فاستحوذ هذا البحث ومعه قانون اللامركزية الإدارية على أغلب جلسة الحوار الثانية، وسينتقل للتفاصيل اليوم في الجلسة الثالثة، وسط تفاوت المواقف بين التفاؤل والتحفظ تجاه فرص إحداث اختراق جدي، أو الاكتفاء بالحفاظ على باب الأمل.
توسع دائرة الحوار
وسّعت طاولة الحوار الوطني دائرة نقاشاتها في جلستها الثانية لتطال بنود اتفاق الطائف كقانون الانتخابات ومجلس الشيوخ واللامركزية الإدارية، وتقرّر عقد جلسة ثالثة ظهر اليوم لمتابعة النقاش في قانون الانتخابات. وسجل غياب رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط الذي مثله النائب غازي العريضي.
وانطلقت الجولة الثانية من ثلاثية الحوار ببحث قانون الانتخابات واللامركزية الإدارية ومجلس الشيوخ الذي سيوضع على أساسه قانون الانتخابات الجديد، وحصل تقدّم في النقاش، لكن في الوقت عينه بقي كل فريق على موقفه، ووصف المشاركون في الحوار الجولة بأنها «كانت أهم وأنجح جولة حوارية»، مؤكدين «العمل الجدي على تطبيق ما تبقى من بنود اتفاق الطائف ولا سيما البنود الإصلاحية».
علّقت مصادر متابعة لجلسات الحوار لـ «البناء» معتبرة أن هذا المناخ الإيجابي الذي عبّرت عنه الجلسة الثانية للحوار من خلال عنوان آليات تطبيق اتفاق الطائف، خصوصاً صيغتي مجلسَيْ النواب والشيوخ وما تتيحه من فرص مفتوحة على إمكانيات إصلاحية واسعة تلبي مقتضيات صحة التمثيل وتهدئة الهواجس الطائفية في آن واحد يشكل خطوة إلى الأمام، سواء تمكّن النقاش من تحقيق توافقات تبصر النور وتمهّد الطريق للتوافق على قانون انتخاب أو بقيت عند حدود تبريد مناخات التجاذب والتوتر التي سيطرت على مواقف الأطراف عشية جلسة الحوار، وأعادت تعويم هيئة الحوار بصفتها صمام أمان يملأ الفراغ لحين تبلور معطيات خارجية لا بدّ منها لإنهاء الفراغ الرئاسي.
الرئاسة هي المفتاح
من جهتها، اعتبرت مصادر مقربة من التيار الوطني الحر: «أن عدم اتفاق المتحاورين على الملف الرئاسي دفعهم الى توسيع دائرة الملفات والقفز عن موضوع الرئاسة، فأزمة لبنان الحالية هي الفراغ الرئاسي والعنوان الأول على طاولة الحوار ما يعني أنها فشلت حتى الآن في حل الأزمة».
وأشارت المصادر لـ «البناء» إلى أن «اللامركزية الإدارية ومجلس الشيوخ نقاط مهمة، لكن طاولة الحوار قد انتقلت للبحث في موضوع الطائف ولا علاقة لذلك بموضوع انتخاب الرئيس الذي هو مفتاح الحل للأزمة، لكنها تساءلت: من يستطيع إلغاء النظام الطائفي اليوم؟ ولفتت الى أن «فشل انتخاب رئيس يعني الذهاب إلى إجراء انتخابات نيابية جديدة كخيار أخير، لأن هذا المجلس الحالي لا يستطيع في هذه المرحلة انتخاب رئيس». وأوضحت أن «الرئاسة لم تنضج بعد لا داخلياً ولا خارجياً. والمشكلة ليست في الطائف، رغم أنه يحتاج الى إصلاحات في بعض بنوده، لكن العجز هو عجز سياسي، لأن انتخاب رئيس يعيد عجلة المؤسسات الى طبيعتها وينتظم عملها».
ولا ترى المصادر أي مبادرات خارجية تلوح في أفق الأزمة، فالخارج مشغول بأزمات دولية أكبر وأخطر بكثير من أزمة لبنان، لكنها طمأنت الى أن «لا خوف على لبنان لوجود ضمانتين هما الجيش اللبناني وحزب الله اللذان يدفعان الخطر الإرهابي عن حدود لبنان في ظل اشتعال المنطقة بالحروب».
التفاصيل ص 3
زهرا لـ «البناء»: مقتنعون بالمختلط ونرفض النسبية
وفي غضون ذلك، تواصل اللجنة المشتركة بين التيار الوطني الحرّ وحزب «القوات» اللبنانية عملها لمحاولة التوافق على صيغة موحّدة لقانون الانتخاب وسط معلومات عن قرب توصّلهما إلى شبه اتفاق على صيغة القانون المختلط.
وقال عضو كتلة القوات النائب أنطوان زهرا لـ «البناء» إن «الأجواء بهذا الشأن إيجابية وهناك اتصالات واجتماعات مكثفة وتبادل أفكار لمحاولة الخروج باتفاق بين الطرفين»، لافتاً الى أن «قناعة القوات حيال قانون الانتخاب ليست بعيدة عن قناعة التيار الوطني الحر، لكن إذا أردت أن تطاع فسل المستطاع»، مضيفاً: «نؤيد القانون المختلط ونعمل للوصول إلى درجة الإجماع عليه مع باقي المكونات لكن كل القوانين الأخرى قابلة للنقاش والبحث إلا أننا نرفض في الوقت نفسه طرح قوانين لمجرد الشعارات الشعبية بل نحتاج إلى قانون ينطلق من الواقع ويأخذ بعين الاعتبار التركيبة السياسية والطائفية في البلد».
وشدّد زهرا على أن «القوات ترفض النسبية بالمطلق لأنه شعار وليس واقعاً وموقفنا ليس تناغماً مع موقف تيار المستقبل بقدر ما هو قناعة لدينا بالوصول الى قانون يؤمن صحة التمثيل ويراعي الميثاقية».
وأمل زهرا أن تخرج اللجنة بقانون مشترك يعرض على باقي المكوّنات، وإذا تمّ إجماع حوله يعرض على هيئة مكتب المجلس لإحالته لاحقاً الى اللجان المشتركة ومن ثم إقراره في الهيئة العامة»، وتمنّى أن تصل طاولة الحوار «التي طبّل وزمّر لها» الى اتفاق حول قانون الانتخاب، لكنه استبعد ذلك قائلاً: «بدل أن تتفق على قانون انتخاب اتفقت على إحالة بند اللامركزية الإدارية الى مجلس النواب وهو موجود منذ سنوات في أدراج المجلس».
«التغيير والإصلاح» لـ «البناء»: نرفض المختلط
وفي المقابل نفت مصادر في تكتل التغيير والاصلاح لـ «البناء» توصل الفريقين الى صيغة مشتركة لقانون الانتخاب، مؤكدة أن المباحثات جارية وهناك تقدم، لكن لا نتيجة نهائية لأن لكل فريق قناعاته وخصوصياته وحساباته، وأوضحت المصادر بأن قرار التيار الوطني الحر والتكتل هو مع أي قانون يعتمد معياراً واحداً وليس معيارين كالقانون المختلط الذي لا يمكن أن نوافق عليه»، معتبرة أن بديل النسبية هو القانون الارثوذكسي»، مستبعدة «وصول طاولة الحوار الى اتفاق على قانون الانتخاب».
.. وجلسة للحكومة اليوم
حكومياً، يستكمل مجلس الوزراء في جلسة يعقدها بعد ظهر اليوم البحث في ملف الاتصالات، وسيتطرّق في الوقت المتبقي إلى البحث في بنود جدول أعمال الجلسة الماضية ولن يتناول الملفات والعناوين السياسية الساخنة التي ستتابع طاولة الحوار نقاشها اليوم.
بروجردي إلى دمشق
وعلى صعيد آخر أنهی رئيس لجنة الأمن القومي والشؤون الخارجية في مجلس الشوری الإسلامي الإيراني علاء الدين بروجردي زيارته للبنان، بعدما أجری لقاءات مع كبار المسؤولين وقيادات سياسية وحزبية لبنانية وفلسطينية تناولت المستجدّات علی الساحة الإقليمية. وغادر بروجردي بيروت متوجّهاً إلی دمشق، حيث سيمكثُ ليومين يلتقي خلالهما الرئيس بشار الأسد ومسؤولين آخرين.