مجهولون يتلطّون بمتحمّسين معروفين يطلقون صواريخ من الجنوب

يوسف المصري

من يطلق الصواريخ من لبنان باتجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة؟ وضمن أية أهداف يتمّ إطلاقها؟

هذه الأسئلة هي محل تدقيق أمنياً وسياسياً، انطلاقاً من عدة اعتبارات أساسية، أهمها أن هذه العمليات تتم من خارج التنسيق الثمين والمحسوب بدقة والذي يرقى لمستوى استراتيجي بين حزب الله والمقاومة الفلسطينية في غزة وبخاصة مع الجهاد الإسلامي وأجواء الجناح العسكري في حركة حماس بالإضافة إلى قيادتها السياسية التي لم تتوقف علاقة الحزب بما يخص تلازم مسارات المقاومة ضد «إسرائيل» على رغم الخلاف السياسي حول الأزمة السورية، لا سيما أن هذه العلاقة تم تزخيمها بعد عدوان «إسرائيل» الراهن على غزة.

ويتم طرح الأسئلة الآنفة أيضاً، انطلاقاً من واقع أن سجل إطلاق هذه الصواريخ منذ عدة سنوات حتى الآن يؤشر إلى أن هناك ثلاث جهات اعتادت أن تقف وراءها:

الجهة الأولى هي عبارة أجواء في الجماعة الإسلامية أي الإخوان المسلمين في لبنان .

الجهة الثانية تؤشر لأجواء داخل تنظيم كتائب عبد الله عزام، وهذه الأخيرة كانت دأبت في الأعوام الأخيرة على تنفيذ عمليات في الجنوب بعضها ضد قوات اليونيفيل و«يتخللها» عمليات قصف صواريخ بشكل عشوائي على الجليل الفلسطيني المحتل بمناسبات مختلفة.

الجهة الثالثة تتسم بأنها أعمال فردية ينفذها أشخاص متحمسون ومسكونون برغبة في إبداء رد فعل على المجازر «الإسرائيلية» ضد قطاع غزة.

وبكل الأحوال فإن منفذي عمليات إطلاق الصواريخ الراهنة بمناسبة الحرب العدوانية على غزة ، لا يخرجون في تصنيفهم عن توزيع هذه الجهات الثلاث الآنفة.

وتبين المعلومات أن الكثير من عمليات إطلاق الصواريخ التي حدثت منذ بدء حرب غزة منذ نحو شهرين، نفذها أفراد اعترفوا بأنهم ينتمون لـ «حزب المتحمسين» إذا جاز التعبير، وبعضها الآخر قام بها أشخاص فلسطينيون يقيمون في مخيمات للاجئين في الجنوب، وتبين أنهم مناصرون لحماس وليسوا أعضاء أصيلين فيها، وبعضها الآخر نفذها منتمون لأجواء في الجماعة الإسلامية.

وإلى كل هؤلاء هناك بعض عمليات إطلاق الصواريخ ظلت هوية من قام بها مجهولة حتى الآن.

توقيف شخص عائد من الخليج

ولا تتوافر إجابة شافية حتى الآن عن الماهية السياسية لهذه الجهة المجهولة، ولكن داخل الكواليس الأمنية توجد معلومات قد تؤدي إلى الكشف عن أمور جديدة تقود لتحديد خلفيات هذا البعض المجهول من مطلقي الصواريخ. ويفيد أبرزها بأنه منذ نحو ثلاثة أسابيع تم إلقاء القبض على شخص عند مجيئه إلى لبنان عن طريق مطار بيروت من دولة خليجية. وتقول المعلومات إن توقيفه جاء نتيجة معلومات عن صلته بتجهيز وتمويل أحد الصواريخ التي أطلقت باتجاه الجليل الفلسطيني المحتل.

وتؤشر هذه الواقعة الآنفة إلى إمكانية أن تكون هناك جهة كل همّها من الدخول على خط إطلاق الصواريخ من لبنان، هو تصفية حسابات لها صلة بجبهة أخرى غير جبهة غزة ولا تمت بصلة بطبيعة الحال للعلاقات البينية القائمة بين محور المقاومة. وثمة تكهنات قد يكون لها في المقبل من الأيام مستمسكات مادية، تنبه من أن إطلاق هذه الصواريخ يريد التشويش على مسار موقف إيراني أخذ يتطور بخصوص رد فعل طهران على الحرب «الإسرائيلية» في غزة . وهو رد يحتسب بالمستوى الاستراتيجي للفعاليات الناتجة من هذه الحرب، والذي بدا مساره بكلام قائد فيلق بدر التابع للحرس الثوري قاسم سليماني عن موقف بلاده من ما يحدث في غزة. وينطوي هذا الكلام على رسالة فهمها «الإسرائيليون»، بمجرد أن سليماني خرج عن تقليد عدم تحدثه للإعلام، ما أشار إلى استثنائية كلامه بوصفه رسالة من إيران إلى «إسرائيل» بأن جرائمها في غزة هي تجاوز للخط الأحمر. ثم تلا ذلك تصعيد إيراني في هذا النهج حينما أعلنت طهران عبر أعلى مستوى فيها أنها سترد على الجرائم «الإسرائيلية» بتسليح الضفة الغربية، وهو ما اعتبره المعلقون «الإسرائيليون» بأنه التطور الأخطر الذي حدث خلال حرب غزة . ولا يمكن بحسب إجماع المراقبين النظر إلى إرسال بنيامين نتنياهو لطائرة الاستطلاع من دون طيار إلى أجواء أحد المفاعلات النووية الإيرانية أول من أمس، إلا كرد منه في إطار لعبة الرسائل المتبادلة بين الطرفين في حرب غزة التي يبقى فيها المجهول أكثر من المعلوم.

وقصارى القول في هذا المجال، أن التكتيكات التي تحاول التشويش عبر الصواريخ الصوتية من الجنوب، على مسار التعبيرات الاستراتيجية لدعم محور المقاومة في المنطقة، لأطرافه الغزاوية والفلسطينية، لن تكون مهمة في تأثيراتها، ولكن ذلك لا يلغي ضرورة وضع علامة استفهام عن خلفيات الساعين إلى القيام بها.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى