صراع الزعامات وفساد القيادات العراقية؟
مصطفى حكمت العراقي
يبدو أنّ فساد ساسة العراق قد وصل إلى درجة من الانحدار بحيث اصبحوا يتفاخرون به علناً ولا يخشون بذلك رقيباً او حسيباً، فهم القضاة والمحققون والمتهمون، وهم من يفصّلون قوانين الاقتصاص على أمزجتهم، فمن كان متهماً بالإرهاب بالأمس أصبح اليوم من أكبر قادة البلد ويترأس سلطة الدولة التشريعية ومن كان فاسداً حتى النخاع أصبح مسؤولاً عن محاربة الفساد ومن كان مسؤولاً امنياً وسقطت المنطقة التي كان مسؤولاً عنها أصبح اليوم أعلى مسؤول أمني في البلد. والعديد من الشواهد غيرها التي تثبت بأنّ في العراق انقلبت كلّ المعايير، فلا ثواب ولا عقاب ومن كان ما له أكثر كان منصبه أعلى في الحكم… هذه هي ببساطة طريقة ادارة الحكم في العراق التي جلبها الاحتلال ونفّذها سمعاً وطاعة قادة الصدفة في البلد، فهؤلاء لم يبقوا شيئاً إلا ودمّروه، ولم يبنوا شيئاً إلا أحزابهم ومؤسساتهم التي كانت تعتاش على مساعدات الامم المتحدة قبل الاحتلال، والتي اصبحت اشبه بوزارات الظلّ بعد الاحتلال، والجميع يجب ان يخضع لمقصلة الحصول على الأموال غير المشروعة بشتى الوسائل، وانْ فشل المسؤول الحزبي بذلك عليه الخروج فوراً من المنصب الموكل اليه…!
هذا ما فعله قادة العراق فتقاسموا كلّ شيء وجعلوا العراق كعكة يأخذ كلّ واحد منهم نصيبه منها وتبجّحوا بذلك علناً ولم يخشوا أحداً، اما الصراعات في ما بينهم فكانت تشتعل عندما يحين موعد تقسيم المغانم وتقلّ وطأتها عندما يصل الأمر لخدمة المواطن الذي أصبح همّهم الأخير واستعملوه لتصفية حساباتهم فقتلوه وهجّروه وخرّبوا حياته بفسادهم الذي نشر علناً تحت الشمس، وفي المؤسسة الأولى المسؤولة عن محاربة الفساد تحت قبة البرلمان، في سابقة هي الأولى من نوعها لجهة جرأة الطرح ومكانه ووقته. فما قام به وزير الدفاع العراقي من قنبلة أطلقها في البرلمان باتهامات أطلقها علناً بوجه رئيس البرلمان وبعض النواب واتهمهم صراحة بالفساد والابتزاز، وما خلف ذلك من تداعيات على المؤسسة برمّتها، انْ ثبت ذلك فهذا الوزير الذي رافق إعطاءه المنصب لغط كبير وتزايد هذا الجدل خلال وقت استيزاره، فهو الوحيد في حكومة العبادي الذي خضع للاستجواب مرتين في سنة واحدة إضافة الى العديد من الملفات التي كان للوزير فيها دور سلبي، فتهجمه على الحشد الشعبي في مرات مختلفة إضافة الى تنسيقه مع الأتراك وإدخالهم وحدات قتالية من الجيش التركي بموافقة علنية من وزير الدفاع ظاهراً وتنسيق باطني مع آل النجيفي الذين كان وزير الدفاع مرشحهم الوحيد لهذا المنصب، لأنهم كانوا يرومون تحقيق أهدافهم من خلال هذا المنصب وما حصل في البرلمان من اتهامات الوزير لقيادات من تحالفه ومكونه السني نفسهما هو سلسلة من مخططات آل النجيفي…
في بادئ الأمر يمكن القول بأنّ الفساد صفة مشتركة بين مختلف القادة، وإنْ تمّ فضح أحدهم، فالبقية سينالون قسماً من النصيب في حين يشترك معهم الوزراء الذين قدّموا العديد من التنازلات قبلوا ان ينالوا مناصبهم هذه ما يعني أنهم مشتركون اصلاً بفساد قادتهم، ولكن ما يحصل من انتفاضة وزير الدفاع ضدّ بعض قادة الكتل المنضوية في تحالفه ومكونه يمكن تفسيره بأمور عدة منها..
نفذ الوزير أوامر قادته من آل النجيفي الذين بدأوا التحضير لمرحلة تحرير الموصل من داعش ليعودوا إلى قيادة المكوّن السني من بوابة المدينة السنية الأكبر في العراق، وذلك يستلزم إسقاط من ينافسهم من قيادات سنية، لذلك كانت الاتهامات محصورة بسليم الجبوري وآل الكربولي المنافسين لآل النجيفي على زعامة المكون السني في البلد، إضافة الى إعادة اسطوانة العداء للكرد، والتي وصل بها اسامة النجيفي الى زعامته الحالية بعد أن اتخذها منهجاً في انتخابات 2006 والتي جعلت الشارع الموصلي محصوراً لكتلة النجيفي إلى أن ارتمى الأخير في احضان تركيا والسعودية وأجبروه على ترك العداء للأكراد فتحوّلت العداوة الى صداقة والآن قد تبدأ العودة نحو التجييش ضدّ الاكراد للسيطرة على مشاعر الناس والحصول على أصواتهم الانتخابية بدليل تصريح وزير الدفاع الأخير بعدم مشاركة قوات البيشمركة بتحرير الموصل وعدم تعليق النجيفي على هذا أو رفضه ما يعني موافقة مبدئية على كلام الوزير وهو مسار جديد في علاقة الأكراد مع النجيفي وكتلته…
الدافع الآخر لكلام وزير الدفاع قد يصبّ لجهة عرقلة معركة تحرير الموصل والدفع نحو تأخيرها لمنع توالي الانتصارات ما يمهّد لإنهاء داعش قبل ان تنعقد طاولة التسويات الشاملة في المنطقة، خصوصاً بعد معارك حلب والتقدم الخاطف للدولة السورية وحلفائها على الارض، لذلك حصل هذا الزلزال السياسي ليؤخر التوافق المطلوب لحسم تحرير الموصل كما تحررت الفلوجة سابقاً. وهو ما يجب الالتفات اليه لأن خطوة الوزير الأخيرة وخروجه من عباءة تحالفه السياسي تنم عن مشروع أكبر قد يكون برعاية اميركية لاستنساخ عبد الفتاح السيسي في العراق والتمهيد لما هو اكبر من ذلك فما قام به الوزير لن يحصل من دون أذن مسبق والا فسيسقط كما سقطت تجارب إسقاط الرئاسات الثلاث قبل مدة بسيطة عند اعتصام النواب داخل البرلمان..
في المجمل فإن في العراق قادة غرقوا بفسادهم ولا يخجلون من ذلك وفي العراق وزراء فاسدون يعقدون الصفقات ويرسمون الخطط لتنفيذ أوامر قادتهم. وفي العراق نواب يضغطون على الوزراء لتحقيق ما يرومون الوصول إليه. وفي العراق برلمان تحول من مجلس رقابي وتشريعي الى مكان لتصفية الحسابات وكيل الاتهامات والسباب والشتام. أما كلام الوزير فإن كان دقيقاً، فهو قليل لما هو عليه الفساد عند قادة البلد إضافة الى ان سكوت الوزير عن باقي الاشخاص المرتبطين بفساد وزارة الدفاع لهذه المدة وعدم افصاحه عن هذه المعلومات يعتبر تستراً وشراكة بفسادهم الا ان صدقت الاقاويل بأن ما فعله العبيدي كان بعلم العبادي وأن الأخير معه في كل هذا وهنا ستسبب عاصفة العبيدي في البرلمان بإسقاط هيئة الرئاسة ومن معها من قادة وكتل سياسية.
..وسيكون حبل إسقاط المفسدين طويلاً ولن ينقطع إلا بإسقاطهم جميعاً…