الكايد صامدٌ… والأقصى في دائرة الخطر

راسم عبيدات

الأسير المناضل بلال الكايد، هو رمزٌ وعنوان… أزعج وأربك الاحتلال وأجهزة مخابراته، بصلابته وعقائديته مبدئيته، وقدرته على الصمود والتحدي، حيث تعرّض للعزل في الأسر ولفترات ليست بسيطة، ولكن كلّ تلك الأساليب والممارسات بحقه، لم تثنيه عن ممارسة دوره القيادي سواء في فرع السجون للجبهة الشعبية، أو في قيادة الحركة الأسيرة، ولذلك كانت هناك تهديدات مباشرة من أجهزة المخابرات الإسرائيلية له، بأنه لن يفرج عنه بعد انتهاء مدة حكمه البالغة 14 عاماً، حيث جرى تحويله للإعتقال الإداري بعد إنتهاء مدة حكمه، ولذلك عملية تحويل الأسير بعد إنتهاء مدة محكوميته للإعتقال الإداري، ليس فقط مخالفة لكل الأعراف والقوانين والاتفاقيات الدولية، بل هي بحد ذاتها عملية انتقامية وثأرية ونوع من أنواع البلطجة، ورسالة لأبناء الحركة الأسيرة، بأنّ من يتحدى إدارة الاحتلال وأجهزة مخابراتها، ويكون عنوان اعتقالي ونضالي،يدافع عن الحركة الأسيرة وعن حقوقها ومنجزاتها ومكتسباتها، سيكون مصيره كمصير بلال الكايد، ولكن القائد بلال الكايد، لم يُذّل أو يستكين أو يتراجع، بل اتخذ قراره بمواجهة التصعيد بالتحدي، حيثُ أعلن اضرابه المفتوح عن الطعام،هذه الاضراب الذي يدخل فيه الكايد يومه الخمسون، حيث وجه رسالة إلى أبناء شعبنا الفلسطيني في كل أماكن تواجده لنصرته، ونصرة أبناء الحركة الأسيرة الفلسطينية.

التجارب علمتنا بأنّ كلّ من خاضوا معارك الأمعاء الخاوية، انتصروا في معاركهم وانتزعوا حقوقهم وحريتهم، بغضّ النظر عن جماعية ووحدوية الإضراب أو فرديته أو فصائليته، ولكن الخلاف هنا حول حجم التعاطي والالتفاف الجماهيري والشعبي حول الخطوة، والفترة الزمنية لتحقيق المطلب أو المطالب، فكلما كانت الحركة الأسيرة موحدة أداتها التنظيمية الوطنية الاعتقالية، كلما نجحت وحققت مطالبها بشكلٍ أسرع، حيثُ يكون الزخم الجماهيري والشعبي حول الخطوة، أكثر شموليّةٍ واتساعاً، وكذلك الجهد الرسمي أيضاً يتفاعل بشكلٍ أقوى مع الخطوة، سواء على مستوى الدعم والتحشيد أو المناصرة والضغط.

خطوة الكايد وإنْ كانت في إطارها الفردي المدعوم بشكل أساسي من رفاقه في الجبهة الشعبية، بما فيهم الأمين العام القائد أحمد سعدات، حيث دخلوا في إضرابات مفتوحة دعم ونصرة له، على شكل مجموعات متتابعة، وسعّت من دخول أسرى إضافيين من الفصائل الأخرى في تلك المعركة، وإنْ كانت المشاركة محدودة، وتعبّر عن أزمة الحركة الأسيرة، التي يلقي الإنقسام في الخارج بظلاله عليها، حيث تغيب وحدتها وقيادتها الإعتقالية الموحدة، ولكن هذه الخطوة النوعية أتت،كنتاج ورد على أسلوب وطريقة جديدة تبتكرها إدارة مصلحة السجون الإسرائيلية، وأجهزة مخابراتها وسلطة قضائها، باستمرار اعتقال المناضل حتى بعد انتهاء مدة حكمه، ولذلك لا بدّ من كسر هذه السياسة والتصدّي لها على المستوى الاعتقالي والشعبي والرسمي والحقوقي والدولي، لأنّ ما يجري يرتقي ليس إلى مستوى المخالفة والتنكر لكلّ القوانين والأعراف الدولية، بل إلى شكل من أشكال البلطجة والزعرنة وجرائم الحرب، والسكوت على مثل هذه السياسة، يجعل منها سوابق يبني الاحتلال وأجهزة مخابراته عليها، في جعل سياسة استمرار اعتقال الأسرى بعد انتهاء مدة محكوميتهم، سيفاً مسلطاً على رقابهم، بحيث كلّ أسير معرّض لمثل هذا الإجراء تحت حجج وذريعة الأمن.

سياسات وممارسات الاحتلال الإذلالية والتنكيلية بحق شعبنا سلسلة مترابطة، فما يتعرض له أبناء حركتنا الأسيرة من تنكيل وإهمال طبي وانقضاض على الحقوق والمنجزات والمكتسبات،ليس بالبعيد عما يتعرّض له المسجد الأقصى، والذي تسعى حكومة الاحتلال وكلّ أجهزتها ومؤسساتها ومستوياتها، إلى شرعّنة عمليات الاقتحام له، وتقسيمه زمانياً ومكانياً ما بين أصحابه الشرعيين، أصحاب الحق الحصري فيه من اتباع الديانة الإسلامية، وبين المستوطنين الصهاينة، والذين يصعّدون من عمليات الإقتحام له بشكل كبير وواسع، يضاف لذلك دعم ومساندة المستوى السياسي والقضائي وأجهزة الأمن لهم، حيث بدلاً من منعهم من عمليات الإقتحام، وما يستتبع ذلك من تصعيد وشحن للأجواء، نجد بأنّ الأجهزة الأمنية، بقرار سياسي تشن حرباً شعواء على حراس وموظفي المسجد الأقصى، حيث جرى اعتقال العديد منهم، وكذلك الإبعاد لعدد آخر عن الأقصى والقدس، ناهيك تعرضهم للضرب والإهانات والتنكيل من قبل شرطة الإحتلال وأجهزتها الأمنية، حيث صدر 52 أمر إبعاد بحق مواطنين مقدسيين عن الأقصى والبلدة القديمة في شهر تموز الماضي، واقتحم المسجد الأقصى في تلك الفترة 1120 مستوطن ورجل شرطه وأمن إسرائيلي، وبما يؤشر إلى أنّ حجم تلك الاقتحامات في تصاعد مستمر، وستبلغ ذروتها في الرابع عشر من الشهر الحالي، حيث وجهت ما يسمى بائتلاف منظمات الهيكل دعوات عبر مواقعها الالكترونية وصفحات التواصل الاجتماعي لليهود للمشارك في أوسع عمليات اقتحام في ذكرى ما يسمّى بخراب الهيكل، وكذلك القيام بالعديد من الأنشطة والفعاليات من ندوات ومحاضرات ومسيرات واعتصامات في أكثر من مدينة تخدم مثل هذا التوجه والمشروع، وهنا نستذكر بأنّ «اسرائيل» في إطار سعيها لعدم تسجيل المسجد الأقصى كمعلم تاريخي وتراثي إسلامي في منظمة الثقافة والعلوم «اليونسكو» ضغطت على العديد من الدول الأوروبية وأميركا لرفض مشروع القرار الفلسطيني الأردني، الذي تأجل التصويت عليه حتى شهر تشرين أول المقبل، هذا المشروع الذي ينص على أنّ المسجد الأقصى، معلم تاريخي وتراثي إسلامي، لا حق فيه لأحد من اتباع الديانات الأخرى، وبشكل واضح اتباع الديانة اليهودية.

المعركة على الحركة الأسيرة مستمرة، كما هي حال المعركة على الأقصى، وكلّ مقومات وجود شعبنا وتجلياته، الإحتلال يريد نفي وجودنا وعدم الإعتراف بحقوقنا، ويريد أن يجعل الأكياس الحجرية مقبرة لأسرانا، ضمن سياسة الموت البطيء بالعزل والتنكيل، وتمديد الاعتقال، ولذلك لا بدّ من رسم استراتيجية فلسطينية موّحدة للمواجهة على كلّ الصعد تتصف بالشمولية، عبر مجموعة من البرامج والخطط والآليات التنفيذية التي تمكن من تحقيق إنجازات تراكمية يبنى عليها، لتحقيق ما هو أعمّ وأشمل في المعارك المقبلة.

Quds.45 gmail.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى