الأحمد: ليس غريباً على سورية أن تضيف إلى الفنّ التشكيليّ العالميّ علامات مؤثرة وبارزة

رانية مشوّح

ضمن إطار استكمالها عظيم إبداعاتها عبر التاريخ، كانت سورية وما زالت جسراً للمحبة. وتحت هذا العنوان «سورية جسر المحبّة»، أقيم في دمشق مؤخراً، وبرعاية وزير الثقافة محمد الأحمد وحضوره، ملتقى التصوير الزيتي الخامس في «صالة الشعب»، حيث ضمّ المعرض أعمالاً لعدد من الفنانين الكبار والشباب، كما شهد المعرض تكريم الفنانين المشاركين.

عشرون لوحة ضمّها المعرض منذ يومين في ختام ملتقى التصوير الزيتي الخامس، وذلك بمشاركة عشرة فنانين تشكيليين سوريين عملوا على تكوين لوحاتهم التي نَحَت في معظمها إلى التجريب وإبداع أساليب جديدة في تشكيلهم الفني لم يألفها الجمهور المتابع.

وقدّم الأحمد للفنانين المشاركين شهادات تقدير لدورهم في التعبير عن الحضارة والإبداع في سورية، ولمسيرتهم الفنية التي ظلّت ملتصقة بالوطن رغم الحرب الإرهابية التي يتعرّض لها.

وزير الثقافة خلال افتتاحه المعرض قال لـ«البناء»: تملك سورية فنّاً تشكيلياً نتاجاً لفكر وحضارة عريقين قادرين على أن يلخّصا تاريخها وحاضرها مثال الأمم العريقة. مشيراً إلى أنه خلال تجوّله في المعرض، لمس حالة التكثيف والاختصار لما في سورية من حالات حضارية متنوّعة وأوابد عريقة بشكل يقدّم حضارتنا بصورة فاعلة ومؤثرة، وهذا ليس غريباً على سورية أن تضيف إلى الفنّ التشكيليّ العالميّ علامات مؤثرة وبارزة عبر أسماء كبيرة لها بصمتها.

وقال: الفنّ التشكيلي، فنّ مفتوح على إبداع غزير. وهو فنّ يختزل حضارة سورية وعراقتها وأوابدها. الأمم العريقة التي تملك نتاجاً فكرياً وحضارياً يمتد لسنوات كثيرة، هي القادرة على تمثيل هذه الحضارة بفنّ تشكيليّ عظيم وبفنون أخرى أصيلة ومتنوّعة كالسينما والمسرح وكل ما يمكن أن يكون له علاقة بالفنّ. وأضاف: عندما نرى معرض فنّ تشكيلي في بلد ناشئ حديثاً، أو لا يملك هذه الحضارة التي نتحدّث عنها، نلاحظ أنه مختزل في وحدات زمنية وفراغية ليست مجدية. اليوم، أثناء تجوّلي في هذا المعرض، وجدت أنّ كلّ لوحة تختصر وجوهاً وحالات، وتختصر دمشق القديمة ومعاناة المرأة. كنت سعيداً، لا بلوحات جميلة فحسب، إنما بلوحات تقدّم حضارتنا وجذورنا وتراثنا بشكل حقيقيّ وفاعل ومؤثر. وطبعاً هذا ليس بعيد عن الإبداعات السورية التي استطاعت عبر هذا التاريخ، أن تضيف علامات مؤثرة وبارزة. وأيضاً، حضور الفنان التشكيلي السوري في العالم يمثل أينما ذهبنا في العالم تاريخنا وتراثنا.

أما عماد كسحوت، مدير مديرية الفنون الجميلة، فرأى أنّ أهمية الملتقى تكمن في خلق حوار ثقافي بين الفنانين والاستفادة من تجارب بعضهم ومن تفاعلهم مع الجمهور بهدف نشر الثقافة البصرية على أوسع نطاق، وإتاحة المجال للمتابعين أن يتعرّفوا على كيفية تشكيل الفنان لوحتَه ومعالجة موضوعها. موضحاً أن مديرية الفنون قدّمت كل الإمكانيات والمستلزمات الفنية للمشاركين بالملتقى، وأن لوحاتهم ستكون جزءاً من مقتنيات متحف الفنّ الحديث لدى إنشائه والذي سيعرض للتاريخ السوري الفني التشكيلي.

وقال: اليوم، نحن في ملتقى الفنّ التشكيلي والتصوير الزيتي الخامس، ونرى اليوم أعمال عشرة فنانين دُعيوا من كافة المحافظات إلى قلعة دمشق لإقامة هذا المنتج من الثقافة البصرية التي تقام سنوياً في الموعد نفسه. نحن على مدى خمس سنوات دعونا ما يقارب سبعين فناناً من سورية في هذه الملتقيات في دمشق وعدد من المحافظات الأخرى.

كلّ فنان قدّم لوحتين، ودور الوزارة يكمن في تقديم الدعم والإمكانيات للفنانين ليقدّموا أنفسهم للجمهور، ولخلق حوار ثقافيّ بين الفنانين، وليشاهدوا نتاجاتهم الأخيرة ما يخلق جسراً بين الفنان والجمهور، من خلال التواصل مع الفنان في هذه الملتقيات، ومن خلال متابعة تطوّرات خلق اللوحة وتطوّرها وطريقة تفكير الفنان وبنائه اللوحة، فتنشأ لديه «ثقافة اللوحة»، هذه الثقافة البصرية التي نحتاج إليها جداً في هذا الوقت.

واعتبر طلال بيطار مدير المعهد التقاني للفنون التطبيقية، أن الملتقى الذي يقام سنوياً يساهم في بناء حوارية تشكيلية بين المشاركين، تدفع بالفن التشكيلي السوري نحو مزيد من الرقيّ والتقدّم وتعزيز الثقافة البصرية، لا سيما لدى طلاب معهد الفنون الذين يتابعون المراحل التي يجتازها الفنان في تكوين لوحته حتى نهايتها. مشيراً إلى أنه شارك في الملتقى بلوحتين تمثلان سورية في رؤية تعبيرية للأزمة التي تتعرّض لها البلاد، وكيفية الخلاص منها عبر استخدام اللون والتركيب في اللوحة.

وعن أعمالها المشاركة في المعرض، أوضحت الفنانة عناية بخاري أنها اشتغلت على تشكيلات هندسية ونباتية وعناصر حيوانية في استكمالٍ للأسلوب الذي تنتهجه منذ عام 1992. مبيّنةً أنها ليست في طور التجريب، وأن عملها يتناول نقاطاً جديدة في الفكرة الأساسية التي تقدّمها في أعمالها.

بدورها رأت الفنانة أسماء فيومي أن الملتقى يساهم في إخراج الفنان التشكيلي من الجوّ الخاص الذي يعيش فيه، ويسمح له بلقاء فنانين آخرين وتبادل المشاعر والحالات الفنية والنفسية والتعبير عما تتعرّض له سورية في لوحات فنية. مشيرة إلى أن لوحاتها في المعرض تعبّر عن الغضب والتعاطف ورغبتها في احتضان الأطفال السوريين في آن.

وأوضحت الفنانة سراب الصفدي أنها شاركت خلال المعرض بلوحتين عبّرت في إحداهما عن معاناة المرأة في سورية من جرّاء الأزمة، من خلال نوافذ. والثانية جسّدت خلالها امرأتين لا تريدان أن تريا شيئاً مما يحدث، مؤكدة أن الرسالة الأهم من الملتقى أن الفنانين مستمرّون في العمل وفي إكمال مسيرتهم، لأن الفنّ هو حياتهم بأسرها.

واعتبر الفنان أنور الرحبي أمين سرّ اتحاد الفنانين التشكيليين أن المعرض حصيلة لقراءات فنانين سوريين مهمين داخل إطار الأزمة التي نمرّ بها، وتأكيد على أهميتهم وقدرتهم على بناء ثقافة بصرية تمتّع المتلقّي. مؤكداً ضرورة عدم التدخل بخيارات الفنان واختيار المواضيع التي يريدها والأسلوب الذي يعبّر خلاله حتى يصنع في النهاية نصّاً قرائياً مهماً في التشكيل السوري.

ولفت الفنان التشكيلي الدكتور طلال معلا إلى أن الملتقيات الفنية حراك ضروري لاستدراك الحصار الذي يتعرض له المبدع السوري من جرّاء الحرب على سورية، وخطوة أساسية لتنشيط الجوّ الفنّي بشكل عام. معتبراً أن مشاركة مجموعة من الفنانين المحترفين من الذين يمتلكون سجلاً واسعاً في مجال الفنون التشكيلية في الملتقى، تشجّع على الاستمرار في إقامة نشاطات مماثلة لدعم الثقافة البصرية. آملاً بمشاركة عدد أكبر في الملتقيات المقبلة، وأن تنتج عنها أعمال فنية مهمة وكبيرة، كما تمنى إشراك الفنون الحديثة وعدم الاقتصار على الرسم والنحت، وتخصيص ملتقيات للفنانين الشباب.

وأكد الناقد الفنّي سعد القاسم أهمية الاستمرار في إقامة هذه الملتقيات وسط الظروف الحالية، لإيصال رسالة مفاده أننا مستمرّون بالعمل والإبداع رغم كلّ الظروف. موضحاً أن كلّ فنان قدّم تجربته، والبعض قاموا بتجريب أساليب تختلف عما هو معروف في تجربتهم الفنية. معتبراً ذلك ضرورة بصرف النظر عن نتيجة التجريب وعن قبول المشاهدين له. لا سيما أن اللوحات المشاركة في المعرض لم تنحُ باتجاه الأزمة، بل قدّمت فناً حقيقياً يعبّر عن مستوى الفنّ السوري بحسب رأيه.

وفي الإطار نفسه، تحدّثت رنا حسين رئيسة دائرة المعارض والمقتنيات في وزارة الثقافة، وقالت: نحن في ملتقى التصوير الزيتي الذي يحمل عنوان «سورية جسر المحبّة»، والذي استمر لمدة عشرة أيام في قلعة دمشق بالتعاون مع المعهد التقاني للفنون التطبيقية، لا يسعنا سوى القول إننا فخورون بذلك. نتاج الفنانين اليوم يتمثل بلوحتين لكلّ فنان مشارك، وكُرّم الفنانون وسُلّموا جوائز نقدية تحت رعاية وزير الثقافة محمد الأحمد. نحن كمديرية فنون، نكون سنوياً حريصين على إقامة هذه الملتقيات، وفي ظلّ ظروف سورية، ازداد حرصنا على أن نبقى مستمرّين وألا نقف عند أيّ حدّ، لا بل على العكس، نحن نزيد النشاطات في مديرية الفنون ونطوّرها.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى