العلاقات السعودية ـ «الإسرائيلية» من تحت الطاولة الى التحالف الاستراتيجي 1
رضا حرب
على قاعدة تقاطع المصالح الاستراتيجية على مستوى المنطقة وفي كافة الملفات تتقدّم العلاقات السعودية «الإسرائيلية» بسرعة كبيرة باتجاه إقامة تحالف استراتيجي صهيو – وهابي.
التطوّر الملحوظ يدفعنا الى التساؤل: ماذا يخطط الطرفان في السرّ والعلن، وما هي الأهداف المشتركة التي يسعى الطرفان الى تحقيقها من وراء الذهاب الى التحالف الاستراتيجي؟ والسؤال الأهمّ، هل المشروع الصهيو – وهابي قابل للنجاح؟
في هذا الجزء من البحث القصير، ينبغي في البداية الوقوف عند حقيقة لأهميتها التاريخية والجغرافية وارتباطها بما يجري في المنطقة اليوم.
من المعروف انّ مؤسس الصهيونية «ثيودور هيرتزل» قال «إنّ حدود إسرائيل الكبرى تمتد من النيل الى الفرات»، لكن قليلين يعرفون تفاصيل «خطة عوديد يينون Oded Yinon Plan» كخطة استراتيجية لـ«إسرائيل» التي نشرها باللغة العبرية في شهر شباط/فبراير 1982 وترجمها الى الانكليزية الكاتب والاستاذ الجامعي الراحل «إسرائيل شاحاك»، صاحب الكتاب الشهير «أسرار مكشوفة».
من الواضح انّ «عوديد يينون» كان صاحب رؤية وعنده بُعد نظر. ومن الواضح ايضاً، انه استند في خطته إلى ثلاثة عوامل رئيسية: استبداد الأنظمة وانعدام العدالة الاجتماعية والظلم الذي تعاني منه الأقليات الدينية والعرقية.
تقوم خطة عوديد يينون على إثارة حروب مذهبية وعرقية تؤدّي الى تشظي المحيط الجغرافي للكيان الصهيوني. مصر التي وصفها بالجثة الهامدة لا تشكل خطراً حقيقياً على الجبهة الغربية لـ«إسرائيل»، إلا أنّ تفتيتها الى مجموعة كيانات دولة قبطية وعدة دويلات ضعيفة واستعادة احتلال شبه جزيرة سيناء يجعل دول شمال أفريقيا والسودان مرشحين طبيعيين للتقسيم. وبما انّ الجبهة الشرقية تشكل الخطر الحقيقي على أمن «إسرائيل»، يجب ان تكون أولوية «إسرائيل» تقسيم لبنان الى خمسة أقاليم لتكون بمثابة نموذج للعالم العربي، وتقسيم سورية الى أربع دول دولة علوية على الساحل ودولة سنية في منطقة حلب ودولة سنية أخرى في دمشق تكون معادية لدولة حلب وكيان للدروز في منطقة حوران وشمال الأردن وربما في «جولاننا» وفقاً للتسمية التي أطلقها عوديد يينون على الجولان المحتلّ وتقسيم العراق الى ثلاثة كيانات عرقية ومذهبية دولة كردية في الشمال ودولة للسنة ودولة للشيعة. تقسيم المحيط الجغرافي لـ«إسرائيل» الى كيانات طائفية وعرقية صغيرة وضعيفة وكيانات وكيلة تضمن أمن «إسرائيل» وتؤكد تفوّقها. كان عوديد يينون يدرك انّ تغييرات جيوبوليتيكية حادة لا تمرّ إلا بحروب داخلية، لكن من المؤكد لم يخطر بباله إمكانية حصول هذا التجمّع الهائل للحثالات التكفيرية بتحريض وتمويل عربي شرّعته فتاوى الفاشية الاسلاموية الوهابية . اقتراح جنرال «التطبيع» السعودي أنور عشقي بتقسيم العراق الى ثلاثة كيانات طائفية وعرقية، يندرج في إطار التحضير لبلقنة المنطقة بأكملها بدءاً من العراق وسورية وليس لبنان كما في خطة «يينون».
بعد فشل صدام حسين في عدوانه الظالم إسقاط النظام الاسلامي في إيران، وبسبب الإنجازات الهائلة للجمهورية الإسلامية على كافة المستويات العسكرية والعلمية، رغم الحصار والمقاطعة واغتيال العلماء ودعمها اللامحدود للمقاومة، صار تدمير الجمهورية الإسلامية أولوية «إسرائيلية»، كما هي أولوية سعودية كما قال الأمير المُلقب بالصهيو ـ سعودي تركي الفيصل خلال مشاركته في مؤتمر تنظيم «مجاهدي خلق» الإرهابي المعروف بعلاقاته الوطيدة بـ«الموساد الإسرائيلي».
رغم محاولات إيران مدّ يد الأخوة الاسلامية والجيرة إلى كلّ دول المنطقة بلا استثناء على قاعدة «العدو الوحيد هو العدو الصهيوني»، إلا انّ تلك المحاولات اصطدمت بجدار حديدي من العداء والعدوانية وتغذية الصراعات المذهبية لجرّ إيران الى نزاعات لا تخدم سوى «إسرائيل». في المقابل، وظفت السعودية كلّ الإعلام الحاقد والفاجر، ووظفت رجال دين لا يردعهم وازع أخلاقي أو ديني أو إنساني لإصدار فتاوى الذبح وقطع الرؤوس وانتهاك المقدسات الإسلامية والمسيحية. فضلاً عن ذلك، سبق وان ساهمت بسخاء في تمويل حرب صدام حسين على الجمهورية الإسلامية، وطلبت من الاميركيين ضرب إيران لإسقاط النظام الإسلامي، وبلّغت «الإسرائيليين» بفتح مطاراتها وأجوائها أمام الطائرات «الإسرائيلية» لضرب إيران، وتفوّقت على «إسرائيل» في معارضتها الاتفاق النووي، وشجّعت «الإسرائيليين» على شنّ حرب تموز ضدّ لبنان، وحرّضتهم على الاستمرار في الحرب حتى القضاء على حزب الله، ولا يجوز استبعاد التمويل كما تؤكد مصادر أميركية وأوروبية. الاجتياح الإرهابي للعراق بتمويل سعودي، والحرب على سورية بتمويل سعودي، والعدوان الظالم على اليمن بقيادة سعودية، كلها في سياق استخدام الدين وقوداً للحروب الداخلية لإنجاح «خطة عوديد يينون».
فعندما يتبادل السعوديون و«الإسرائيليون» رسائل الودّ والإعجاب، ويطلقون العنان لتصريحاتهم حول المصالح المشتركة، ينبغي ان ندرك بأنّ التفاهم على الأمور الاستراتيجية بين راعية الإرهاب التكفيري ودولة الإرهاب قد دخل مرحلة متقدّمة، لا سيما تحديد العدو المشترك محور المقاومة وعلى رأسه إيران، كما أكد انور عشقي نيابة عن حكام المملكة «انّ ايران عدو مشترك للمملكة وإسرائيل».
اليوم، بعد سنوات من المفاوضات السرية، «إسرائيل» من خلف الستار تقود «محور الاعتدال العربي» محور الشرّ في الحرب على العدو المشترك محور المقاومة من طهران الى الضاحية الجنوبية.
المركز الدولي للدراسات الأمنية والجيوسياسية
www.cgsgs.com