الفساد الذي ضرب أسس الحياة والبقاء

العلامة الشيخ عفيف النابلسي

لم تصل الأمور إلى ما وصلت إليه في هذا البلد لو التزمت جميع القوى بالدستور ونفّذت ما عليها من التزامات تجاه المواطنين.

المشكلة التي نعاني منها اليوم هي حصيلة انتهاكات مستمرة للدستور والقوانين الناظمة لأمن واستقرار وتطور البلد من مختلف جوانبه السياسية والاقتصادية والقضائية والإعلامية وغيرها من المجالات.

والمشكلة أيضاً أن لا عقل مسؤول ينفذ القوانين ويلتزم المبادئ الوطنية العامة، لذلك نجد هذا الخلل الكبير في مؤسسات الدولة نتيجة التجاوزات والتدخلات من قبل الطبقة السياسية التي أضعفت بنيان الدولة لصالح الاستحواذ على المزيد من الأرباح.

مصدر الخطر اليوم يكمن في داخل مكونات السلطة وفي عمق الفئة الحاكمة. الاعتداء على مياه نهر الليطاني سببه التغطية السياسية على مجموعة من المحتكرين الذين يعملون في المرامل والكسارات. وانقطاع التيار الكهربائي سببه التغطية على مجموعة من المحتكرين الذين يعملون في قطاع النفط.

واحتكار الهاتف بشركتين فاشلتين سببه التغطية على صفقات وعمولات تعود بالنفع على كبار السياسيين.

وفلتان قطاع الإنترنت مردّه إلى مصالح معقدة داخل منظومة السلطة. وانتشار النفايات في الطرقات وإعادة توزيعها بالطريقة التي حصلت لم تكن إلا من أجل الوصول إلى تسوية ترضي الأطراف المتنازعة على المال العام.

وهكذا في بقية القطاعات نجد الفساد قد ضرب أسس الحياة والبقاء في هذا الوطن المفتوح على مخاطر أخرى تأتي من الخارج. العقل المسؤول في الدولة لم يصل بعد إلى مستوى الحسّ الوطني والتصرف بأمانة ومسؤولية تجاه اللبنانيين والتحديات التي تواجههم.

يتغيّر العالم وتتغيّر طرائق وآليات الحكم بالنحو الذي يعود بالفائدة والنماء والعدالة على المواطنين، أما في لبنان فتزداد الأمور سوءاً والاستغلال استفحالاً.

ويأتي هذا الحوار بين أقطاب السياسة لا ليضع حداً نهائياً لكلّ انتهاك للدستور والقوانين، وإنما للوصول إلى تسوية مرحلية وبعدها يواصل الفساد مشواره على أعصاب اللبنانيين ومستقبلهم ومصيرهم. فماذا عن قانون الانتخاب؟ ماذا عن عدم التدخل في القضاء؟ ماذا عن ملف الكهرباء والهاتف والمياه والإنترنت والنفايات؟ ماذا عن المنظومة التوظيفية التي لا تنتمي إلى معايير وأسس وطنية ومهنية؟ ماذا عن تنمية الأرياف؟

ماذا عن كلّ هذا الفساد الذي تجاوز حدّ المعقول وبدأ يهدّد الوطن بالانهيار بسبب سوء إدارة الحكام له؟

نحن أمام كارثة قيمية وأخلاقية قبل أن تكون أزمة حول رئاسة الجمهورية أو أزمة قانون انتخابات، إنها أزمة من يتبوأون السلطة وأزمة من يحكمون، ومن يملكون المال ليصلوا إلى عمق القرار السياسي أو الاقتصادي. نحن أمام كارثة حقيقية لا نحتاج فيها إلى داعش والنصرة ومنظمات إرهابية لكي ينقسم البلد. البلد مقسوم قسمة طائفية، وقسمة زعامتية وقسمة مناطقية وهكذا…

الكلّ يعرف أنّ هذا الوطن على مفترق طرق. البقاء يتطلب جرأة الإصلاح بالحق وجرأة التغيير بالحق وجرأة الحكم بالحق، ولا يخلصنا من هذا الواقع الأليم إلا أن نقول جميعاً وبإخلاص وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا .

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى