ثورة حبّ

لا عاطفة في الأرض

بل في الكون تربط بين المرء ومحيطه

كالحبّ

تلك هي العلاقة الحميميّة

الشاملة

الغنيّة

المتوتّرة تارة

ومطمئنة تارة أخرى…

تلك الذبذبات الروحية التي تَنْفُذُ إلى الجوهر بكُلّه وكُلّيته، لتسمو إلى الاكتمال والتكامل

والتوازن والاستمرار

هو ذا

الحبّ

ليس مجرّد شعور بسيط يحيط بنا

أو حاجة فطرية تنادي أعماقنا

أو حتى تُرّهات نتوه في متاهاتها

إنه الحقيقة الكاملة للفرح والسعادة الإنسانية التي تصل بنا حدّ السُّكر

بل حدّ النُدامة

تلك هي الواقعية الكامنة في أساس الخلق

ذاك هو الارتقاء والنشوة الصادقة

في اجتماع الجمال والجلال

حيث بناء الذات الفردية الجَماعيّة

ليتلاشى مع هذا الصرح الروحي الإنساني غياب عن الأمكنة والأزمنة

فيتوقّف الزمن

وتُلغى الحدود المرسومة بريشة هرِمَة عند ارتشاف جرعات العشق من خمرة العاشقين

لا تَسَلْ نفسك ما نوع العاشق، من هو المعشوق؟

أروحي هو أم العي؟

عربيّ أم أعجمي؟

فالانقسامات تُوَلّد مزيداً من الانقسامات. لا تسميات للعشق ولا علاقات.

لا تحدّه الأزمنة والعقول المتحجّرة!

لا يعرف حلالاً ولا حراماً. كلّ شيء مباح أمامه والغاية تبرّر الوسيلة.

ثورة بركان غاضبة تصرخ تضجّ نيرانها.

مجنونة تلك الثورة الجامحة التائهة في فيافي الوجود… تتعذّب.

تتلوّى باحثة عن ملجأ عن صومعة تأوي إليها لتخْتلي بمعشوقها…

ثورة الحبّ هذه غضب آتٍ من أعماق البحار تجتاز المسافات.

تجعل الكون بين كفّيها تحنو على المحبوب تلتمس دفء تحتانه تبحر في هدأة عينيه.

تسهري أسرار العالَمَيْن العلويّ والباطنيّ فتجعلهما سرّاً واحداً من أسرار حرفين: الحاء والباء…

حبٌّ، وتسمو بهما ليصيرا عشقاً. وتنصهر بهما حدّ الذوبان فيصبحا من سُنْخِية واحدة وتنتفي كل المعادلات والنتيجة هو هو ـ هي هي. الحبّ قطرات الندى وذرّات عبق الزهر والشذى. حروف آغات الأرق من صوت المطر، وهمس تحنان الوالهين من حفيف الشجر. حروف قصيدة مرصّعة بماسات الوجع والألم ونيران الشوق الملتهب ونكران الذات. حروف عانقت همسات المحبوب ولمسات المعشوق فانتفت الإنيّة وتفَتَّتت الأنانية. لتدرك الوصال لا صوم الوصال. وتسود لغة الحبّ كلّ شيء فيصير كعبةً تحُجّ إليه الروح وخشبة خلاص تنتشلنا من أدران الأحقاد. فنهوى كلّ هوى في قنوطنا وفي أمنياتنا القنوط هنا بمعنى الألم والعذاب .

الحبّ وما أدراك ما الحبّ؟ هو روح الحياة ربّها نحيا بكلّ حبور سعداء. وكلّ حبّ يقتل الروح هو وهم وقمّة الجهل جهل مركّب. هو وهم الحبّ وظلّه الضعيف. بل هو تخيّلات نفسية مريضة استيطانية لا تعي جوهر السرّ المكنون في أعماق الجسد التّواق إلى حضن معشوق يأتي العاشق لروحه. ليس الحبّ إعجاباً فقلبي شهوة أو غريزة حيوانية يمكن إشباعها بمجرّد التقاء الأجساد. فهذا الحبّ إن صحّ القول عنه حبّاً سرعان ما يندثر ويسقط قناعه وتظهر معالمه جليّة وتبرز فرائسه ويكشّر عن أنيابه، وتنتهي مقدّماته قبل أن تبدأ. وتفكّ رائحته النّتِنة في الإرجاء فتعمي القلوب والأبصار. هذا هو الحبّ الذي لا يعرف الوِدّ والتّوَاد. أهذا هو الحبّ الذي ننشده في مجتمعاتنا ونُسَوّغ له، ونُنظّر له تحت شعار الحرّية والتحرّر

تحت شعارات واهية ما أنزل الله بها من سلطان وما عرفتها الإنسانية من ذي قبل؟ أهذا هو الحبّ الملتهب خارج حدود الشرعية الأخلاقية الإنسانية ننشده ونربّي فلذات أكبادنا عليه؟… بالله وتالله عليكم.

أيّ حبّ تنشدون؟ حتماً لا ننشد نوعاً كهذا من الحبّ. فما بُني على باطل لا يمكن له أن يستمرّ، ولا يستحقّ الوقوف على أطلاله أو ذكر معاناته، حتى إن وجدت، أو أن نقيم له مأتماً، فأكاذيب الحياة لا تستحقّ أن تُكرّم أو أن تدفن حتى ولو في مقابر التاريخ.

أيّها المحبّون الوالهون المخلصون. في عشقك تفاخروا وافتخروا، الربّ قد وهبكم قلوباً صادقة مفعمة بحبّه فأراد أن يظهر بكم. فقلوبهم عرس ربّ الرحمة والرحمانية. وما الدين إلا الحبّ وما الحياة من دون غرام ككتاب سخيف بغير فكر أو تفكّر ، أفلا تعقلون؟ أفلا تتدبّرون؟ الحبّ النقيّ صفة رحمانية إلهية… الله محبّة ، كلمة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تسمو من خلاله الروح وتعشق من خلاله الحياة لأنه أوكسجين الحياة وإكسير الخلود… الذي نبحث عنه لنرتقي نحو العلا ونسافر عبره نحو مدارك الكمال الإنساني، فنزيل به كل عواصف الحياة المريرة وتقتلع الأشواك بفأس العشق ونُليّن الجبال الموصدة بطيب عبير نسمات الحبّ وعطاء الأمل.

التفاؤل

بإخلاص روحك وتسامح قلبك تستطيع أن تزلزل العالم بأسره وتجعله مطواعاً لك أتحسب أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر ، لا تقل إنني ضعيف لا أستطيع… لا تقل كرامتي تهان، وشخصيتي تتحطّم وكبريائي يتزلزل، وطموحي بتقدير ذاتيّ اندثر. بل قل إن ذُلّي أمام حبيبي هو ارتقاء روحي ونفسي وسعادتي، وعلوّ شأني وتحقيق ذاتي.

نعم أيها الأحبة وألف نعم. اُنذروا أنفسكم لإسعاد من تحبّون فمصداق الحبّ الحقيقيّ هو سعادة من نحبّ تعني سعادتك.

ضحّوا، وارتقوا في تضحياتكم حدّ الإيثار مع المحبوب فأنت هو وهو أنت. أخلِصوا في حبّكم وقدّموا إخلاصكم حدّ الذوبان، فالذوبان الحقيقيّ في الحبّ ألا ترى لنفسك وجوداً أمام المحبوب.

تعلّموا صدق النيّة في حبّكم فخلوص النيّة أساس العمل. وابتغوا مرضاة الإله ليكون المصداق والتصديق للمودّة والرحمة. فهكذا نلقى الله ونحن المتحابون في الله على منابر من نور يوم القيامة. تصدّقوا بقلوبكم وارتقوا بعقولكم وتحرّروا من قيد الأنانية القاتلة. وانظروا بعين القلب إلى عيال الله وأنفِقوا ممّا تحبّون، فروعة الحبّ أن ترعى عيال الخالق خليفته في الأرض. أفلا تبصرون؟

الحبّ صدقة جارية، والكلمة الطيّبة صدقة. أحبّوا أنفسكم وأحبّوا الآخر نظيركم في الإنسانية، وأحيوا قيم الإنسانية الحقّة بمفاعل نووية جاهزة كامنة في فطرتكم… ألا وهي كلمة الحبّ.

عبد العزيز بدر القطان

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى