الأغلبية العربية وفراغ المشروع

د. رائد المصري

دعونا لا نختبئ وراءَ أصابِعنا في ما يدور حولنا من صراعاتٍ علنيةٍ وأخرى خفية، بما تكاد تشكّل أو هي شكّلت بالأحرى خطورة في أغلبِ الأحيان على عمليةِ الاصطفافاتِ السياسية، خلف الأفكار والطروحات التي نَهِجَها بعض القادة العرب الكبار أمثال الرئيس الراحل جمال عبد الناصر والرئيس الراحل حافظ الأسد واليوم الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله.

ما أودّ قوله بصريح العبارة ومقارنةً بما تعيشه أمتنا العربية والإسلامية من حالةِ احتضارٍ فكري، كان يمكن أن تُكمل من خلالها حقبةِ الصراع التي أسّسها هؤلاء الآباء رواد التحرير والتنمية والاستقلال والإرادة الحرة، وبغضِّ النظر عن مدى موقفنا ورؤيتنا ورأينا، في أيّ واحدٍ منهم والنهج الذي انتهجه أيّ منهم على مدار عشرات السنوات منذ خمسينيات القرن العشرين.

نحن هنا لا ننتقص من قيمة وموقف أحد خلال المسيرات النضالية التحرّرية التي شابت بعضها هفوات وسقطات، لكن أيضاً كان لها الفضل في إنجازات قومية وبطولات كبيرة في سعيهم النضالي التحرّري، لكني أودّ هنا أن أستعرض موقف هذه الأغلبيات العربية والمسلمة من كلّ شخصية من الشخصيات المذكورة آنفاً، قادة حركة التحرّر العربية والإسلامية في وجه المشروع الاستعماري والذي تشكّل «إسرائيل» رأس حربته.

ويقيني أن لا يكون منطقي التحليلي الواقعي ربّما صادماً للكثير من أبناء جلدتي، لكن علينا التعوّد دائماً على قول الحقيقة ولو كانت مرّة، حتى لا نجلد الذات باستمرار، خاصة أنّ الحاضنة العربية للأغلبية التي كانت تتشكّل أيام العزّة وحركة التحرّر يوم الرئيس عبد الناصر مقارنةً بما نعيش اليوم عمادها الأساس المذهبية السنية التي تتشكّل منها هذه الأغلبية.

في الشرح نقول: إنّنا هُزمنا كعرب وكقضية وكمشروع منذ العام 1948 وفي العام 1949، وهُزمنا في حرب 1956 وفي حرب 1967 وفي حرب 1973، وفي اجتياح عام 1982 للبنان، كلّها هزائم ضمن السقف التحرّري الذي أرساه الرئيس الراحل عبد الناصر، ومع ذلك لم تنفك اللحمة العربية بأغلبيتها عن حبّها لناصر والالتفاف حوله ومشروعه. في حين أنّ الانتصار الحقيقي الذي شهد له كلّ العالم بوجهِ أعتَّى قوة عسكرية ونقصد بها «إسرائيل» واندحارها من لبنان الذي احتلته دون قيد أو شرط، والذي حقّقه وأنجزه السيد حسن نصرالله لم يكن يَلقى القبول العربي والإسلامي، كما كان زمن التحرّر… فما أسباب ومسبّبات هذا الحنق وهذا التحوّل؟ هل لأنّ السيد نصرالله ليس من هذه الأغلبيات العربية؟!

في المقابل فإنّ الرئيس الراحل صدام حسين قد ارتكب كلّ موبقات العصر من قتلٍ وتشريدٍ بحقِ الشيعة في العراق وبحقّ إيران، ودمارٍ كاملٍ لقرى وإبادات بالكيماوي للأكراد واقتلاعهم من جذورهم، إلا أنّنا لم نشهد حفلة إدانات بحقّه، بل على العكس نكاد نسمع في كلّ يوم عن أمجاد صدام حسين ومآثره وبطولاته… وهو الأمر الذي لا نجده لدى هذا المزاج الأغلبي العربي في نظرتهم إلى الرئيس الراحل حافظ الأسد، رغم ما حقّقه من بطولات في حربِ تشرين 1973 ومن إعادة وتفعيل العمل لمنعِ تقسيم لبنان على الأقلّ… أو من خلال العمل العربي المشترك الذي ثبّت أواصره الأسد الأب وجعل للعرب مكانةً رغم الضّعف والمرض المستدام الذي ضربهم على مدى عشرات السنين.

في مجملِ القول لا أريد لأحد الصدمة إلاّ من الناحية الإيجابية، فشكوكي حول موقف أو مواقف هذه الأغلبيات العربية نراها في الترجمة الحقيقية لهم من صراعات المنطقة فيها وعليها. لندع ما للتاريخ للتاريخ ونتابع حاضر ما يجري: فلم نشهد مواقف مؤثرة وجادّة في ما يتمّ ـ وبعيداً عن المواقف السياسية ـ من هذه الأغلبية العربية من تدمير ممنهج بحق السوريين لقوى تكفيرية ظلامية مذهبيةِ النشأةِ والتصرّف والميل والهوى، وهي تقدّم أوراق اعتماد من لحظتها الأولى لـ «الإسرئيلي» وللأميركي… فهل لأنّ هذه القوى تُشكّل حالةً سنية بوجهِ مشروع الرئيس بشار الأسد «العلوي»؟ دعونا نفكر بصوتٍ عال…

أيضاً حفلة الصّمت العربي بأغلبيته في اجتياح قوىً أجنبية كالقوات المسلحة التركية وضباطها للأراضي السورية ولمعامل حلب ونهبها، بما يشكّل عاراً على الكرامة العربية الصحراوية منها والحضرية… متلازمة مع احتلال العسكر التركي لأراضٍ عراقية في منطقة بعشيقة من دون الإشارة ولا التنديد لا الرسمي ولا الشعبي على هذه الممارسات الاحتلالية! فهل لأنّ مَن يحكم في السلطة التنفيذية العراقية هم من أهل الشيعة؟ أسئلة تلزمها إجابات… لكن بعد التفكير لأنها صادمة على أغلب الظن…

أخلص للقول إنّ الرئيس التركي الإخواني أردوغان كان منذ زمنٍ، ولاحقاً منذ مدّةٍ بسيطة قد أزال دساكر وقرى كردية في جنوب شرق تركيا في ديار بكر، بحجّة الإرهاب وغيَّر معالمها الديموغرافية وما شاكل من امتهان للكرامة الإنسانية بأعلى المستويات، ومع هذا لم نرَ أو نسمع موقفاً من الأغلبيات العربية تدين هذه الممارسات الوحشية! فهل صار «الطيّب» أردوغان رمزاً قيادياً لأهل السنة في العالمين العربي والإسلامي من دون أن ندري؟ في الوقت الذي وضعت هذه الأغلبيات العربية يدها على قلبها يوم الانقلاب الفاشل على أردوغان، وكأنّ الروح قد اقتُلعت من مكانها، والكلّ يعرف الموبقات التي ارتكبها أردوغان أقلّه لناحية التطبيع والشراكة مع الكيان الصهيوني على حساب أهلنا في فلسطين المحتلة وهم في غالبيتهم من السنة … في حين أنّ إشكالاً أمنياً وقع بين السلطات الإيرانية وبعض الأكراد في الداخل الإيراني، فقامت الدنيا ولم تقعد، لحين كتابة هذه السطور من تنديداتٍ ومواقفٍ تنتقدُ ممارسةِ السلطات الإيرانية الوحشية، كما يصفونها بحق هؤلاء الأكراد… فماذا عن أكراد سورية؟ وأكراد العراق الذين يبادون يومياً وهي مجازر موَّثقة في الصحف والقنوات ومؤرشفة بدقة؟ أليس الأكراد من أهل السّنة؟ أم أنهم آتون من كوكب آخر؟

أسئلة تتطلّب إجاباتٍ كثيرة، لكن بعد التمعّن والتدقيق والتمحيص في كلّ ما يجري…

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى