مصر أمام تحدّيات اقتصادية بالجملة

إنعام خرّوبي

ربما تتردَّد في أذهان المواطن المصري العادي اليوم، تساؤلات حول مصير وعود الرئيس عبد الفتاح السيسي بشأن ظهور علامات التحسُّن في اقتصاد البلاد ابتداء من العامين الأولين من عهد «المشير». والأرجح، أنّ المواطن المصري بات يلمس هذه الأيام ما يكفي من علامات التقشُّف، وليس التحسُّن على المستويين المعيشي والاقتصادي، لا سيما أنّ نسبة البطالة تسجل نحو 12.5 في المئة، في حين أنّ معدل التضخم بلغ 14.8 في المئة في شهر حزيران الماضي، إلى جانب ما نجم عن أزمة الغلاء، الأمر الذي لا يُبشِّر بـ «بحبوحة» لا تزال تداعب أحلام المصريين، وإنْ كانت تُحسب لأيام السيسي عودة انتظام عمل التيار الكهربائي في «أم الدنيا»، وإنهاء ما يُسمّى «أزمة طوابير العيش»، فضلاً عن حيوية الدور السياسي الذي اتّسمت به القاهرة على الصعيد الخارجي منذ «ثورة يونيو».

لا شكّ في أنّ الوضع الاقتصادي شكّل نقطة الحدث في مصر خلال الأشهر القليلة الماضية، فمن تفاقم عجز الموازنة إلى نحو 11 في المئة على مدار السنوات الثلاث، وضعف معدلات النمو، إلى تراجع احتياطي النقد الأجنبي وانكماش موارده، لا سيما تلك الآتية من عائدات سياحية وتحويلات المغتربين المصريين، فضلاً عن زيادة الدين العام وخدمة الدين، كلها عوامل تتصدّر مشهد التحديات الحالية في البلاد، مع ما سجله عهد الرئيس السيسي من استقرار سياسي وأمني نسبي بعد استكمال «خارطة الطريق»، وتركيز شديد على مشروعات اقتصادية عملاقة وُصفت بـ «الواعدة»، ومن بين تلك المشروعات، مشروع افتتاح «قناة السويس الجديدة» بتكلفة بلغت نحو 55 مليار جنيه مصري، ومشروع تشييد العاصمة الجديدة، إلى جانب مشروعات «قومية» سكنية لبناء نحو نصف مليون وحدة سكنية سنوياً، ومشروعات زراعية عبر العمل على استصلاح أكثر من مليون «فدّان»، وهي من ضمن سلسلة مشروعات موزعة على ثمانية محاور رئيسية تبلغ قيمتها تريليوناً و40 مليار جنيه، وفق ما أعلنته الرئاسة المصرية.

ولعلّ المشكلة الأكثر إثارة للاهتمام في المشهد المصري الاقتصادي والمالي الحالي، تتمثل بما بات يعرف بـ «كابوس الدولار»، والمقصود بها أزمة انخفاض سعر الجنيه مقابل الدولار، حيث بلغ في البنوك حوالي 8.88 جنيه للدولار، بينما يبلغ أكثر من 12 جنيهاً في «السوق الموازية».

ويُرجع المحللون هذه الأزمة، جوهرياً، إلى تناقص احتياطي مصر من العملات الأجنبية إلى أدنى مستوياته منذ العام 2010 بعدما سجل انخفاضاً من حوالي 36 مليار دولار في كانون الأول من ذلك العام إلى نحو 17 مليار دولار حالياً، إلى جانب جملة أسباب من بينها تراجع الحركة السياحية، وتباطؤ الإيرادات من قناة السويس، فضلاً عن انخفاض تحويلات المغتربين المصريين في الخليج، وتراجع الدعم الخليجي المالي والاقتصادي لمصر، على وقع انخفاض أسعار النفط.

وفي حين يرى البعض أنّ جذور هذه الأزمة تعود إلى تراكمات سياسات العهود السابقة لحقبة السيسي، يلقي البعض الآخر على حكومة الأخير بعض جوانب المسؤولية في هذا الخصوص، لا سيما أنّ ما سمّي بـ«سياسات قصيرة الأمد»، سواء عبر تخفيض قيمة العملة، أو طرح عطاءات استثنائية، فضلاً عن سحب تراخيص عدد من شركات الصرافة، وهي سياسات سعت من خلالها الحكومة المصرية إلى تطويق الأزمة على مدار الأشهر السابقة، ثبت أنها لم تفلح في لجم الانخفاض الكبير في قيمة الجنيه مقابل الدولار. وعلى هذا الأساس، ثمة من يتحدث عن قرارات مصيرية صعبة وقاسية على الصعيدين المالي والاقتصادي، أشار إليها الرئيس السيسي، ما يعني المزيد من الأعباء على الطبقات الاقتصادية الدنيا في المجتمع.

يحتدم الجدل في أوساط المحللين، بين من يشدّ على يد السيسي دعماً لبرنامجه التنموي والاقتصادي، ومن يعتبر أنّ الرئيس المصري يستخدم أساليب أسلافه من الرؤساء الذين خبروا عن قرب معنى الانصياع لشروط المؤسسات المالية الدولية ووصفاتها الاقتصادية الخطرة، التي لن يسلم منها الشق الاجتماعي من برنامج الحكومة، بما تتضمّنه من شروط مجحفة على الصعيدين الاجتماعي والمالي والضريبي.

وفيما يقرّ السيسي بأنّ آليات السوق في ظلّ الظروف الاقتصادية الحالية قد شكلت عبئاً على المواطنين، إلا أنّ حكومته تمضي قُدُماً في ما تسمّيه «إصلاحات اقتصادية»، تتضمّن تعديلات في السياسة الضريبة إقرار الضريبة على القيمة المضافة وتخفيضات في الموازنة المُخصَّصة لدعم بعض السلع الأساسية خفض الدعم على الطاقة من 100 مليار جنيه إلى 30 مليار خلال السنوات الثلاث المقبلة . إلى ذلك، يتوسع النقاش بشأن خطط القاهرة لاقتراض نحو 21 مليار دولار من الجهات المانحة الدولية، على مدار الأعوام القليلة المقبلة، وسط ما يثيره ذلك من حفيظة كثيرين يتخوّفون ليس من الثمن الاقتصادي فقط، بل من الثمن السياسي أيضاً.

وكانت وكالة «فيتش» أوضحت في تقرير أنّ الاتفاق المرجح توقيعه بين مصر وصندوق النقد الدولي، سيمهّد الطريق أمام المزيد من الخفض الضروري للعملة، كما سيسرّع وتيرة الإصلاح المالي ويعزِّز الثقة في الاقتصاد «الذي يعاني حالياً من عجز في الموازنة يقارب 12 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي ونمو اقتصادي متوسط ومعدل تضخم في خانة العشرات»، وفق الوكالة.

من جهة أخرى، يمكن القول إنّ «أمارات» النقد لحكم السيسي حملتها مجلة «ذي إيكونوميست» قبل أيام حين وصفت نظام الأخير بـ «المفلس»، الذي يعيش فقط على المنح النقدية السخية من دول الخليج، وبدرجة أقلّ على المعونات العسكرية من أميركا، مشيرة إلى تنامي عجز الموازنة المصرية وتجاوز معدل البطالة وسط الشباب عتبة الـ40 في المئة، وإلى أنّ القطاع الخاص في ظلّ اقتصاد «متصلّب» و«خاضع للدولة»، لا سيما المؤسسة العسكرية يظلّ عاجزاً عن حلّ مشكلة «جحافل العمال الجدد الذين يلتحقون بسوق العمل كلّ عام»، وفق توصيف المجلة التي حذّرت من أنّ تنامي «الضغوط السكانية والاقتصادية والاجتماعية التي ترزح مصر تحت وطأتها تتفاقم بلا هوادة حتى أنّ السيسي لن يستطيع إرساء استقرار دائم لها». كما توقفت المجلة البريطانية عند ما رأت أنه «بيروقراطية متحجِّرة» في النظام المصري دفعت العديد ممن وصفتهم بـ «مموّلي السيسي العرب» إلى أن يعودوا أدراجهم إلى بلادهم والإحجام عن الاستثمار في مصر.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى