الإلياذة والأوديسة مصدر معرفة وتكامل للخطوط الكبرى والجوهريّة
دمشق ـ سلوى صالح
الأسطورة اليونانية من أغنى الميثولوجيات في العالم، لذا أثّرت في ثقافات العالم الأوروبي وضفاف البحر الأبيض المتوسط، فبنى عليها كبار الكتاب في العالم نصوصاً أدبية نفيسة، واستوحى مضامينها موسيقيون لامعون في التراث الموسيقي الكلاسيكي، وابتكر أفكارها فنانون بارزون في العالم من رسامين ونحاتين وسينمائيين.
يقول الدكتور جمال شحيد في مقدمة كتاب الأب فؤاد جرجي بربارة إن الأسطورة اليونانية لم تتغلغل في التراث الأدبي والفني في الغرب فحسب بل في البلدان العربية المحيطة بالبحر المتوسط مثل هيكل جوبيتير دامسكينوس في دمشق وهو من الصروح الكبرى في بلاد الشام، كذلك هياكل بعلبك مدينة الشمس، وأوابد تدمر وجرش التي تنتشر فيها التماثيل والزخارف وقطع الفسيفساء التي تمثل آلهة اليونان.
لأهمية هذا المؤلّف القيّم الذي صدر عام 1966 وبسبب نفاد نسخه، أعادت الهيئة السورية للكتاب نشره لكون مؤلفه الأب بربارة ضليعا في الإغريقيات وترجم عددا من أعمال أفلاطون وأرسطو مباشرة عن اليونانية ويعتبر من أهم المتخصصين في الفكر الإغريقي.
يبدأ الأب بربارة كتابه بالحديث عن مصادر الأسطورة وتطور اعتقاد الأقدمين بها، مشيراً الى أن تاريخ تكوّن الأسطورة اليونانية مجهول إذ بدت واضحة مكتملة في ملحمة الإلياذة، وهي أول ملحمة رائعة عرفها تاريخ الأدب الإنساني، تليها ملحمة الأوذيسة التي تفوق الأولى روعة. وتعود الملحمتان الى شاعر كبير أعمى هو من ألمع شعراء البشرية واسمه هوميروس.
يتطرق المؤلف إلى الشعراء الغنائيين بدءاً بهوميروس الذي عاش سنة ألف قبل الميلاد، مشيراً الى أنه في الأسطورتين المنسوبتين إليه نرى الآلهة يخالطون البشر ويتدخلون في شؤونهم على نحو مباشر. كما أن الآلهة والبشر أسرة واحدة اذ تروى الحوادث الالهية والبشرية على نمط واحد ووتيرة واحدة، وتتساوق وتتمازج وتفيض من معين واحد، صافية ناصعة بهية. ويعتبر أن الإلياذة والأوذيسة هما مصدر مهم لمعرفة الأسطورة اليونانية، إذ تبدو الأسطورة فيهما وقد تكوّنت وتكاملت في خطوطها الكبرى والجوهرية. أما أجواء هاتين الملحمتين فهي حضارة مزدهرة، أجواء بذخ وعظمة، وأجواء اقتدار يتجلى لدى عظماء وأمراء الإغريق ذوي العزة والصلف والجبروت ولدى كبراء طروادة ووجهائها المتحلين بفضائل إنسانية هي ثمرة المدنية الحقيقية والرقي والتقدم.
يتوقف الأب بربارة كذلك عند كتّاب التراجيديا والكوميديا التي تروي آلام البشر وأطوارهم المضحكة أحياناً والمبكية غالباً وما ينتابهم من صروف الغير وألوان العبر بمشيئة الأرباب أو حتمية القدر وأول أولئك الشعراء هو اأيسخلس الشاعر والروائي الكبير الذي لم يبق من رواياته الثمانين إلاّ سبع روايا فحسب،ت وبعده سوفوكليس الذي يعتبر من ألمع كتاب التراجيديا لدى اليونان إن لم يكن أعظمهم وأشهرهم.
ثم إلى الفلسفة لدى اليونان والحكماء السبعة وأولهم الفيلسوف الفيزيائي ثالس مؤسس المدرسة الايونية، وآخرهم أرسطو العبقري المشهور وفيلسوف الحقيقة الذي وضع مؤلفات ضخمة رفعته إلى أسمى المنازل الأدبية والفكرية، حتى اعتبره فلاسفة العرب ومفكرو المسيحية أمير الفلاسفة والمعلم الأول، وكلّل دراساته ونظرياته العميقة بكتاب «ما وراء الطبيعة» أو «الفلسفة الأولى».
تتضمن فصول وأبواب الكتاب الذي يحمل الرقم 6 في سلسلة الخطة الوطنية للترجمة مقاطع من الأساطير اليونانية كظهور العالم ومولد الآلهة الأولين وسلالة أرنوس أو أبناء السماء، إضافة الى سلالة أخروتس أو أبناء الزمان وعهد التيطان، وهم الأبناء الذين أنجبتهم الأرض غيئا لدى اقترانها بابنها أرنوس ومولد زفس وحداثته وصراع الآلهة في سبيل الملك. فضلاً عن آلهة السماء ومقرات الآلهة ومنهج حياتها ومغامرات زفس أبو الآلهة والبشر مع الإلهات والجنيات والآدميات والتعريف بإلهة الطهر وإله النور والفن وإلهة الصيد والسحر وإله الحرب وإله الصناعة وإلهة الأنوثة والجمال وإله البحر والخصب وإلهة الأرض والماء والفلك والهواء وإلهة حياة الإنسان وأخيراً الجحيم وآلهتها وأعوانهم.