عن العلاقة بين واشنطن و«تل أبيب» هل كانت «خطأ»؟

روزانا رمَّال

تتحدث المؤسسة الأمنية الإسرائيلية في معرض تقديم تقارير سنوية منذ ما بعد عام 2006 عن عدم جهوزية «إسرائيل» بالتقدم نحو حرب مع لبنان تغيّر فيها المعادلة التي سبق ورسمتها وقائع الحرب حينها. فالدخول البري لم يكن مجدياً في لحظة تضرّرت فيها المعنويات بالمؤسسة الأمنية والعسكرية بشكل جعل من استعادة الثقة بالقيادات من ضباط ومسؤولين أصعب من الحديث عن توغل جديد او «ثأر».

تأخذ المؤسسة بعين الاعتبار تقرير لجنة فينوغراد الذي لا يزال يتفاعل محملاً الحكومة مسؤولية وضع «إسرائيل» امام سياسة متهوّرة تطابقت مع مشاريع «حليفة» في ذلك الوقت.

انضوت «إسرائيل» حينها ضمن تنفيذ مشروع الإدارة الأميركية المرتبطة بأجندة هجوم في الشرق الاوسط أدرجت حينها أهدافاً ثلاثة منذ عام 2003 حتى 2006 تتضمّن الضغط على سورية لفك الارتباط عن ايران وحزب الله، والتخلي عن قيادات المقاومة الفلسطينية، وكان ذلك في زيارة قام بها وزير الخارجية كولن باول في العام نفسه من اجتياح العراق 2003، حيث كانت سورية والعراق ابرز الأهداف الأميركية، يتبعهما لبنان الذي بدأ زلزاله السياسي رسمياً بعد عملية اغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005 ثم حرب تموز الفاصلة.

لا يمكن فك الارتباط اليوم بقراءة العمليات في سورية وبين التلازم الاميركي الإسرائيلي الذي يترجم تنسيقاً دائماً بغضّ النظر عن تعاقب الإدارات، لكن اللافت كون حرب تموز أحد الطلبات الأميركية التي كانت تمثل رغبة المحافظين الجدد بتقسيم المنطقة ضمن شرق اوسط جديد تبدو مفاعيله مستمرة حتى الساعة، او ربما محاولات تكريس ما فشل بعد حرب تموز، يلفت أيضاً الحديث الإسرائيلي في الحرب عن فرض واشنطن عبر وزيرة خارجيتها كوندوليزا رايس تمديد الحرب لعشرة أيام جديدة من أجل تحقيق الهدف الاساسي منها، وهو سحق حزب الله، في وقت صرخت «إسرائيل» باكراً من صواريخ المقاومة التي غطت جغرافية فلسطين المحتلة بشكل تامّ، وأفرجت عن مقدرات بحرية وبرية مستجدة بالنسبة لـ«إسرائيل» التي بدت جاهزة لبنك أهداف وافر دون جهوزية تقارير دقيقة عن واقع حزب الله.

يتحاسب المسؤولون الإسرائيليون منذ عشر سنوات ويتداول الرأي العام والصحافة مقرّرات لجنة فينوغراد، وهي تشبه الى حدّ بعيد ما جرى لحليفة واشنطن على المقلب الاوروبي وهي بريطانيا التي تعرّض رئيس وزرائها توني بلير للمحاسبة المفصلية بسبب انجراره للسياسة الأميركية وتأييد الهجوم على العراق ومشاركة لندن بالاجتياح عبر لجنة تحقيق حملت اسم «تشيلكوت» رئيس اللجنة التي اكدت أنّ الحكومة البريطانية قرّرت المشاركة في الحرب ضدّ العراق على أساس معلومات غير مؤكدة وبغياب القرار الدولي المناسب.. والمقصود هنا بطبيعة الحال «القرار الدولي» هو الالتحاق بالرغبة الأميركية التي تسيّر هذا القرار، ليتكرّر اليوم الأمر نفسه مع رئيس الوزراء دايفيد كاميرون الذي اعترف بخطئه امام البريطانيين بمحاسبة من نوع آخر نتيجة سياسته في البلاد تجاه المنطقة و«الربيع العربي» بين أزمتي ليبيا وسورية ودور بريطانيا في كلّ منهما، إضافة الى أخذها الى مكان لم تعد العودة فيه واردة مالياً واقتصادياً ثم انسحابها من الاتحاد الاوروبي وتبدّل الحكومة بما يشبه انقلاباً جدياً.

تركيا، بدورها عاشت انقلاباً جدياً وحقيقياً جراء سياساتها التي انتهجتها في سورية والتي ادّت الى تفاقم ملف الأكراد وقطع علاقاتها مع دول الجوار وإفساد علاقته بروسيا حتى قطعها قبل العمل على ترميمها اليوم، في وقت كان من المفترض ان تتقدّم المساعي التركية في المنطقة الى أقصاها بعد تخندق أنقرة بشكل واسع تحت العباءة الأميركية منذ بداية أزمات «الربيع العربي»، فيما خرجت تقارير تتحدث عن يد أميركية مباشرة بالأمر تعتني بها مجموعة هيلاري كلينتون التي تتحضّر لتسلّم زمام الأمور في الولايات المتحدة، وبينها أجهزة أمنية باتت تتصرف مع كلينتون منذ هذه اللحظة كفائزة في الانتخابات، وتبدو جلية محاولة اردوغان الاستحصال من واشنطن على تسليم فتح الله غولن الى بلاده والتخلي عن حمايته من واشنطن منذ فترة خروجه من البلاد وسكنه في ولاية بنسلفانيا.

المحاسبة التي تتعرّض لها الدول الحليفة لواشنطن تحكي الكثير من جهة الحليفة الكبرى «إسرائيل»، وقد تؤشر الى أمر معاكس الى ما ساد لمدة عقود منذ نشوء «إسرائيل» بأنّ واشنطن تنفذ سياساتها وكلّ ما تطلبه «تل ابيب» من مشاريع، لكن الواقع يشير وبتجربة حرب تموز وبقدرة واشنطن على تمرير فكرة إطالة أمد الحرب وتوريط «إسرائيل» وكسر مهابتها ومؤسستها الأمنية والعسكرية امام الجبهة الداخلية أولاً وحزب الله ثانياً يؤكد على منطق خدمة «إسرائيل» للمصلحة الأميركية حتى نهاية الطريق. ففي وقت كان يتضمّن المشروع بلحظة اجتياح العراق تمرير مندرجاته بحرب على لبنان كانت «إسرائيل» أحد جنود هذه الحرب، ولو تقاطعت المصالح وتؤكد من جهة أخرى تجربتي بريطانيا وتركيا انّ حلفاء واشنطن واقعين ضمن مسار خدمة الموقف الأميركي ولو على حساب أنظمتهم. وهذا لا ينحصر بشكل محدّد بحلفائها العرب كما ساد أيضاً لحظة انهيار مبارك في مصر وبن علي في تونس.

خطأ السيطرة الإسرائيلية على الأميركيين ساد التفكير العربي لتكريس هيمنة «إسرائيل» بالمنطقة ومقولة تأثير «إسرائيل» على الناخب الأميركي مثلاً لم تستطع «تل ابيب» الضغط عبرها لإصلاح علاقة سيئة بين نتنياهو وأوباما فلم تتخطّ حدود المصالح لا «الخضوع».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى