الإخوان .. واغتيال حق الشعب

بشير العدل

بعد أن نجحت جماعة الإخوان المسلحين، المسلمين سابقاً، في القفز إلى السلطة ونظام الحكم في بلادي مصر، وبمساعدة الغير، سواء عن قصد أو عن غير قصد، سعت الجماعة بكلّ ما أوتيت من قوة، وقوة إلى جانب قوتها، إلى محو آثار أنظمة الحكم السابقة، ليس رغبة في نظام سياسي جديد للبلاد ولكن انتقاماً من أنظمة ترى الجماعة أنها كانت ضحيتها، في حين أنها كانت ضحية فكرها العقيم وأهدافها الخارجة عن السياق الوطني. فهرولت الجماعة إلى ما يسمّى بكتابة دستور جديد للبلاد، فقادت عملية هدم دستور الدولة، من أجل دستور إخواني ادّعى الذين عبثوا به بأنه من أعظم دساتير العالم وذلك قبل الشروع في صياغة دستور 2012.

غير أنّ أشياء في عملية بناء ما أسمته الجماعة المسلحة بأعظم دساتير العالم كانت تبدو من خلالها الأمور أنّ الجماعة مشغولة بالانتقام من نظام الرئيس السابق مبارك الذي أسقطته انتفاضة الشباب حتى سقط أمام إرادته واستسلم لها لتقفز الجماعة على أكتاف الشباب وتنسب الفضل لنفسها، حتى كاد المخلوع مرسي، أن يتغنّى بها في كلّ خطاباته إلى عشيرته. ومن تلك الأشياء اغتيال حق الشعب في داره والبيت الذي يضمّ ممثليه، وهو مجلس الشعب الذي قامت الجماعة بتغيير اسمه من «مجلس الشعب» إلى «مجلس النواب» في اعتقاد من جانبهم انهم يسيرون على نهج الدول الديمقراطية، في حين أنّ سعيهم كان لإلغاء كلّ ما يحمل اسم النظام السابق أو السابقة عليه. كما تمّ إلغاء مشروع مكتبة الأسرة وغيرها من الأمور، ومحاولة إلغاء تاريخ 6 أكتوبر من ذاكرة المصريين، باستبدال الاحتفال بأبطال حرب أكتوبر بالمجرمين والقتلة والإرهابيين.

والحقيقة أنّ الجماعة في كلّ مبرّراتها تدّعي الإصلاح وهي تفسد دائماً، ليس فقط في الجوهر وإنما حتى في المسمّيات. فمعنى مجلس النواب أنه يختصّ بهم وأنه معبّر عنهم، في حين أنّ مجلس الشعب له دلالته السياسية القوية التي تؤكد أنّ مَن بداخله هم الشعب عبر ممثليه الذين ينتخبهم الشعب كي يكونوا وكلاء عن المواطنين، كلّ في دائرته.

فالأصل أن يكون المسمّى الحقيقي والعملي والمعبّر هو مجلس الشعب، لأنّ الشعب هو الذي يجلس على مقاعده عبر ممثليه، ويناقش التشريعات الخاصة بحياته اليومية في كلّ المجالات سواء كانت السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية، أو تلك المتعلقة بعلاقاته الخارجية.

ومن أسف أنّ الذين شاركوا في تعديل دستور الإخوان، ساروا على الدرب نفسه ولم يفكر أيّ منهم في معنى الكلمة او حتى الإبقاء عليها، فالأصل أن يقول المواطن مجلس الشعب وليس مجلس النواب. وانّ تغيير المسمّى هو انتقاص من حق الشعب على الأقلّ من الناحية الأدبية، بعيداً عن القرارات او الفعاليات بداخله.

المسمّيات قد تبدو غير ذات قيمة، إلا انّ دلالاتها قوية، وواجب التنبّه لها أمر مهمّ على الأقلّ عندي – خاصة بعد أن تشكل الشعب في صور جديدة، أرست مفاهيم سياسية هامة لدى السلطة الحاكمة، أياً كانت، بأنّ الشعب هو مصدر السلطات، وأنه هو الذي يحدّد مصير بلاده بإرادته المنفردة دون أيّ إملاء، سواء أكان داخلياً أو خارجياً، وهي مفاهيم أرستها انتفاضة الشعب وثورته ضدّ نظامين كلاهما فاسد، حيث هبط الأول بقيمة الشعب وعاش في برج عاجي بعيداً عن مشاكله، بينما ارتفع الآخر بأهداف الجماعة والتنظيم الدولي على حساب الوطن، فكان النظامين يستوجبان المحاسبة، وإنْ كانت أخطاء الثاني أقوى وأشدّ.

الشعب إذن يجب أن يكون في مقدمة أولويات السلطة، حتى في المسمّيات.

كاتب وصحافي مصري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى